الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حكمه، فإذا عقد الأمان لزم المشروط، فلو قتله مسلم وجبت الدّية. ثم هو جائز من جهة الكفّار، فيجوز للكافر نبذه متى شاء، ولازم من جهة المسلمين، فلا يجوز النّبذ إلا أن يتوقّع من المستأمن الشّرّ، فإذا توقّع منه ذلك جاز نبذ العهد إليه ويلحق بمأمنه؛ وبقيّة فقه الفصل مستوفى في كتب الفقه.
الطرف الثاني (في صورة ما يكتب فيه)
والأصل ما رواه ابن إسحاق أنّ رفاعة بن زيد الجذامي «1» قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية، فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، وأسلم وحسن إسلامه؛ وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم» «هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد: إني بعثته إلى قومه عامّة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله؛ فمن أقبل منهم ففي حزب الله [وحزب] «2» رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين» .
فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا.
ثم للكتّاب فيه مذهبان:
المذهب الأوّل- أن يفتتح الأمان بلفظ
: «هذا كتاب أمان» أو «هذا أمان» وما أشبه ذلك، كما افتتح النبيّ صلى الله عليه وسلم ما كتب به لرفاعة بن زيد على ما تقدّم.
وعلى ذلك كتب عمرو بن العاص رضي الله عنه الأمان الذي كتب به لأهل مصر عند فتحها؛ ونصّه بعد البسملة:
«هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملّتهم «1» وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرّهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص، ولا تساكنهم النّوبة. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية- إذا اجتمعوا على هذا الصّلح، وانتهت زيادة نهرهم- خمسين ألف ألف. وعليه ممّن جنى نصرتهم «2» ، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدر [هم وذمّتنا ممّن أبى بريّة، وإن نقص نهرهم عن غايته إذا انتهى، رفع عنهم بقدر]«3» ذلك؛ ومن دخل في صلحهم: من الرّوم والنّوبة فله ما لهم وعليه ما عليهم «4» ؛ ومن أبى واختار الذّهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا. وعليهم ما عليهم أثلاثا في كلّ ثلث جباية ثلث ما عليهم. على ما في هذا الكتاب عهد الله [وذمّته]«5» وذمّة رسوله وذمّة الخليفة أمير المؤمنين [وذمم المؤمنين]«6» وعلى النّوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.
شهد الزّبير وعبد الله ومحمد ابناه، وكتب وردان وحضر» .
وعلى ذلك كتب الحافظ لدين الله أحد خلفاء الفاطميّين الأمان لبهرام الأرمنيّ، حين صرف من وزارته وهرب عنه «7» إلى بلاد الأرمن، وكتب إلى الحافظ يظهر الطاعة ويسأل تسيير أقاربه، فكتب له بالأمان له ولأقاربه.
فأما ما كتب له هو فنصّه بعد البسملة:
هذا أمان أمر بكتبه عبد الله ووليّه عبد المجيد أبو الميمون، الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، للأمير المقدّم، المؤيّد، المنصور، عزّ الخلافة وشمسها، وتاج المملكة ونظامها، فخر الأمراء، شيخ الدولة وعمادها، ذي المجدين، مصطفى أمير المؤمنين، بهرام الحافظيّ: فإنك آمن بأمان الله تعالى، وأمان جدّنا محمد رسوله، وأبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلّى الله عليهما، وأمان أمير المؤمنين، على نفسك ومالك، وأهلك وجميع حالك، لا ينالك سوء، ولا يصل إليك مكروه، ولا تقصد باغتيال، ولا يخرج بك عن عادة الإحسان والإنعام، والتّمييز والإكرام، وحراسة النّفس، والصّون للحريم والأهل، والرّعاية في القرب والبعد، ما دمت متحيّزا إلى طاعة الدولة العلويّة، ومتصرّفا على أحكام مشايعتها، مواليا لمواليها، ومعاديا لمعاديها، ومستمرّا على مرضاة إخلاصك. فثق بهذا الأمان واسكن إليه، واطمئنّ إلى مضمونه؛ والله بما أودعه كفيل وعليه شهيد؛ وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه يتوكّل وإليه ينيب.
وأما الأمان الذي كتب لأقاربه فنصّه:
هذا أمان تقدّم بكتبه عبد الله ووليّه، لبسيل وزرقا، وبهرام ابن أختهما، ومن ينتمي إليهم ويتعلّق بهم، ويلتزمون أمره ممن دونهم، ومن يتمسّك بسببهم، مضمونه: إنكم معشر الجماعة بأسركم لما قصدتم الدّولة ووفدتم عليها، وتفيّأتم ظلّها وهاجرتم إليها، شملكم الصّنع الجميل، وغمركم الإنعام السّابغ والإحسان الجزيل، وكنفتم بالرّعاية التامّة، والعناية الخاصّة لا العناية العامّة، ووفّر حظّكم من الواجبات المقرّرة لكم، والإقطاعات الموسومة بكم، وكنتم مع ذلك تذكرون رغبتكم في العود إلى دياركم، والرّجوع إلى أوطانكم، والتفاتا إلى من تركتموه من ورائكم. وقد سرتم من الباب على قضيّة