الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، وأقطع خبّاب بن الأرتّ وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد والزّبير، وأقطع طلحة أجمة الجرف «1» : وهو موضع النّشاستج «2» ، فكتب إلى سعيد بن العاص وهو بالكوفة أن ينفّذها له.
الطرف الثاني (في بيان أوّل من وضع ديوان الجيش، وكيفيّة ترتيب منازل الجند فيه، والمساواة والمفاضلة في الإعطاء)
ذكر أبو هلال العسكري في «الأوائل» والماورديّ في «الأحكام السلطانية» أن أوّل من وضع الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. قال الماورديّ: واختلف [الناس]«3» في سبب وضعه [له]«4» : فقال قوم:
سببه أن أبا هريرة قدم عليه بمال من البحرين، فقال له عمر: ما جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، وقال: أتدري ما تقول؟ قال نعم! مائة ألف خمس مرات، فقال عمر: أطيّب هو؟ قال لا أدري. فصعد عمر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس! قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلا، وإن شئتم عددنا لكم عدّا، فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين: رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا، فدوّن أنت لنا ديوانا.
وذهب آخرون إلى أن سبب وضع الديوان أنّ عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان «5» ، فقال لعمر: هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال، فإن تخلّف منهم
رجل وأخلّ بمكانه، فمن أين يعلم صاحبك به؟ فأثبت لهم ديوانا، فسأله عن الدّيوان ففسّره له.
ويروى أنّ عمر رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الدواوين، فقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: تقسم كلّ سنة ما اجتمع إليك من المال، ولا تمسك منه شيئا. وقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس، فإن لم يحصوا حتّى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ، خشيت أن ينتشر الأمر- فقال خالد بن الوليد «1» رضي الله عنه: قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجنّدوا جنودا، فدوّن ديوانا وجنّد جنودا، فأخذ بقوله ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، (وكانوا من شباب «2» قريش) فقال: اكتبوا [الناس]«3» على منازلهم! فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، [ثم عمر وقومه]«4» وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة، ثم رفعوه إلى عمر، فلما نظر فيه، قال: لا! وما وددت أنه هكذا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأقرب فالأقرب حتّى تضعوا عمر حيث وضعه الله، فشكره العبّاس على ذلك، وقال: وصلتك رحم.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه «5» : أن بني عديّ جاءوا إلى عمر، فقالوا:
إنك خليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا؟ فقال: بخ. بخ يا بني عديّ!! إن أردتم إلّا الأكل على ظهري، وأن أذهب «6» حسناتي لكم، لا والله! حتّى تأتيكم الدعوة ولو انطبق «7» عليكم الدفتر. يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس. إنّ صاحبيّ سلكا طريقا، فإن خالفتهما خولف بي؛ والله ما أدركنا الفضل في الدنيا والآخرة «8» ، ولا نرجو الثواب
عند الله على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أشرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب؛ وو الله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بعمل دونهم، لهم أولى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم منّا يوم القيامة: فإنّ من قصّر به عمله لم يسرع به نسبه.
وروي أنّ عمر رضي الله عنه حين أراد وضع الديوان «1» ، قال: بمن أبدأ؟
فقال له عبد الرحمن بن عوف: ابدأ بنفسك، فقال عمر: أذكر أنّي حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبدأ ببني هاشم وبني عبد المطّلب؛ فبدأ بهم عمر، ثم بمن يليهم من قبائل قريش بطنا بعد بطن، حتى استوفى جميع قريش، ثم انتهى إلى الأنصار، فقال عمر: ابدأوا برهط سعد بن معاذ من الأوس «2» ، ثم بالأقرب فالأقرب لسعد.
وأما المساواة والمفاضلة في العطاء فقد اختلف فيه: فكان أبو بكر رضي الله عنه يرى التسوية [بينهم]«3» في العطاء [ولا يرى التفضيل بالسابقة]«4» كما حكاه عنه الماورديّ في «الأحكام السلطانية» .
قال أبو هلال العسكري في «الأوائل» : وقد روي عن عوانة أنه قال: جاء مال من البحرين إلى أبي بكر رضي الله عنه فساوى فيه بين الناس، فغضبت الأنصار، وقالوا له: فضّلنا، فقال: إن أردتم أن أفضّلكم فقد صار ما عملتموه للدّنيا، وإن شئتم كان ذلك لله، فقالوا: والله ما عملناه إلا لله! وانصرفوا؛ فرقي أبو بكر رضي الله عنه المنبر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار لو شئتم [أن]«5» تقولوا: إنا آويناكم وشاركناكم أموالنا ونصرناكم بأنفسنا لقلتم، وإنّ لكم من الفضل ما لا يحصى له عدد، وإن طال الأمد، فنحن وأنتم كما قال الغنويّ:
جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت «1»
…
بنا نعلنا في الواطئين «2» فزلّت
أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمنّا
…
تلاقي الّذي لا قوه «3» منّا لملّت
هم أسكنونا في ظلال بيوتهم
…
ظلال بيوت أدفأت وأكنّت
قال الماورديّ: وإلى ما رأى أبو بكر رضي الله عنه ذهب عليّ رضي الله عنه في خلافته، وبه أخذ الشافعيّ ومالك.
وكان عمر رضي الله عنه يرى التفضيل بالسابقة في الدّين، حتّى إنه ناظر أبا بكر رضي الله عنه في ذلك، حين سوّى بين الناس، فقال: أتساوي بين من هاجر الهجرتين وصلّى إلى القبلتين وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف؟! - فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدّنيا [دار]«4» بلاغ [للراكب]«5»
، فقال له عمر: لا أجعل [من قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمن قاتل معه؛ فلما وضع الديوان جرى]«6» على التفضيل بالسابقة؛ ففرض لكلّ رجل شهد بدرا من المهاجرين [الأوّلين]«7» خمسة آلاف درهم كلّ سنة، ولكل من شهد بدرا من الأنصار أربعة آلاف درهم «8» ، ولكلّ رجل هاجر قبل الفتح ثلاثة آلاف درهم، ولكلّ رجل هاجر بعد الفتح ألفين؛ وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين والأنصار أسوة من أسلم بعد الفتح؛ وفرض للناس على منازلهم، وقراءتهم القرآن، وجهادهم بالشام والعراق؛ وفرض لأهل اليمن وقيس: لكل رجل من ألفي درهم إلى ألف درهم، إلى خمسمائة درهم، إلى ثلاثمائة درهم «9» ، ولم ينقص