الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدا عنها، وقال: لئن كثر المال لأفرضنّ لكلّ رجل أربعة آلاف درهم: ألفا لفرسه «1» ، وألفا لسلاحه، وألفا لسفره، وألفا يخلّفها في أهله؛ وفرض للمنفوس»
مائة درهم، فإذا ترعرع فرض له مائتين، فإذا بلغ زاده. وكان لا يفرض للمولود شيئا حتّى يفطم، إلى أن سمع ليلة امرأة تكره ولدها على الفطام، وهو يبكي، فسألها عنه- فقالت: إن عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم فأنا أكرهه على الفطام حتى يفرض له- فقال يا ويح عمر! كم احتقب «3» من وزر وهو لا يدري؛ ثم أمر مناديا فينادي: ألا لا تعجلوا أولادكم بالفطام، فإنا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. قال الماورديّ: ثم روعي في التفضيل عند انقراض أهل السوابق التقدّم في الشجاعة والبلاء في الجهاد.
وأما تقدير العطاء فمعتبر بالكفاية حتّى يستغني بها عن التماس مادّة تقطعه عن حماية البيضة. ثم الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه: أحدها عدد من يعوله من الذّراريّ والمماليك- والثاني عدد ما يرتبط من الخيل والظّهر- والثالث: الموضع الذي يحلّه في الغلاء والرّخص فتقدّر [كفايته في]«4» نفقته وكسوته لعامه كلّه. ثم تعتبر حاله في كل عام، فإن زادت نفقاته زيد، وإن نقصت نقص؛ فلو تقدّر رزقه بالكفاية، فمنع الشافعيّ من زيادته على الكفاية وإن اتّسع المال، لأن أموال بيت المال لا توضع إلا في الحقوق اللازمة؛ وأجاز أبو حنيفة زيادته حينئذ.
الطرف الثالث (في بيان من يستحق إثباته في الديوان، وكيفية ترتيبهم فيه)
فأما من يستحق إثباته في الديوان، ففيه خمسة أمور:
أحدها- البلوغ. فلا يجوز إثبات الصّبيّ في الدّيوان؛ وهو رأي عمر رضي الله عنه، وبه أخذ الشافعيّ رضي الله عنه، بل يكون جاريا في جملة عطاء الذّراريّ.
الثاني- الحرّيّة. فلا يثبت في الديوان مملوك، بل يكون تابعا لسيّده داخلا في عطائه، خلافا لأبي حنيفة فإنه جوّز إفراد المملوك بالعطاء؛ وهو رأي أبي بكر رضي الله عنه.
الثالث- الإسلام، ليدفع عن الملّة باعتقاده، حتّى لو أثبت فيهم ذمّيّ لم يجز، ولو ارتد منهم مسلم سقط.
الرابع- السّلامة من الآفات المانعة من القتال. فلا يجوز أن يكون زمنا «1» ولا أعمى ولا أقطع، ويجوز أن يكون أخرس أو أصمّ. أما الأعرج، فإن كان فارسا جاز إثباته أو راجلا فلا.
الخامس- أن يكون فيه إقدام على الحرب ومعرفة بالقتال، فإن ضعفت همّته عن الإقدام، أو قلّت معرفته بالقتال لم يجز إثباته.
فإذا وجدت فيه هذه الشروط، اعتبر فيه خلوّه عن عمل وطلبه الإثبات في الديوان؛ فإذا طلب فعلى وليّ الأمر الإجابة إذا دعت الحاجة إليه. ثم إن كان مشهور الاسم فذاك، وإلا حلّي ونعت، بذكر سنّه وقدّه ولونه وصفة وجهه، ووصف بما يتميّز به عن غيره، كي لا تتفق الأسماء، أو يدّعي في وقت العطاء، ثم يضمّ إلى نقيب عليه أو عريف يكون مأخوذا بدركه.
وأما ترتيبهم في الديوان فقد جعلهم الماورديّ في «الأحكام السلطانية» على ضربين:
الضرب الأوّل- الترتيب العامّ. وهو ترتيب القبائل والأجناس حتّى تتميّز كلّ قبيلة عن غيرها وكلّ جنس عمن يخالفه، فلا يجمع بين المختلفين، ولا يفرّق بين المؤتلفين: لتكون دعوة الديوان على نسق معروف النسب يزول فيه التنازع والتجاذب. فإن كانوا عربا روعي فيهم القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما فعل عمر رضي الله عنه: فتقدّم العرب المستعربة: وهم عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام، على العرب العاربة: وهم بنو قحطان عرب اليمن: لأن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من عدنان. ثم عدنان تجمع ربيعة ومضر؛ فتقدّم مضر على ربيعة: لأن النّبوّة في مضر، ومضر تجمع قريشا وغير قريش، فتقدّم قريش على غيرهم: لأن النبوّة فيها، فيكون بنو هاشم هم قطب الترتيب، ثم من يليهم من أقرب الأنساب إليهم حتّى يستوعب قريشا، ثم من يليهم في النّسب حتّى يستوعب جميع مضر، ثم من يليهم حتى يستوعب جميع عدنان.
وإن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب، فالمرجوع إليه في أمرهم: إما أجناس وإما بلاد؛ فالمميّزون بالأجناس كالتّرك والهند؛ ثم تتميز التّرك أجناسا، والهند أجناسا. والمميّزون بالبلاد: كالدّيلم والجبل؛ ثم تميّز الديلم بلدانا، والجبل بلدانا. فإذا تميّزوا بالأجناس أو البلدان: فإن كانت لهم سابقة ترتّبوا عليها في الديوان، وإن لم تكن لهم سابقة ترتّبوا بالقرب من وليّ الأمر؛ فإن تساووا فبالسّبق إلى طاعته.
الضرب الثاني- الترتيب الخاصّ: وهو ترتيب الواحد بعد الواحد، فيقدّم فيه بالسابقة بالإسلام كما فعل عمر رضي الله عنه؛ فإن تساووا ترتّبوا بالدّين؛ فإن تقاربوا فيه رتّبوا بالسّن؛ فإن تقاربوا بالسّن رتّبوا بالشّجاعة؛ فإن تقاربوا فيها، كان وليّ الأمر بالخيار بين أن يرتّبهم بالقرعة أو على رأيه واجتهاده.