الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر السادس- معرفة ما يلزم الإمام لهم بعد عقد الذّمّة
. إذا عقد لهم الإمام الذّمّة فينبغي أن يكتب أسماءهم ودينهم وحلاهم، وينصب على كلّ جمع عريفا: لمعرفة من أسلم منهم، ومن مات ومن بلغ من صبيانهم، ومن قدم عليهم أو سافر منهم، وإحضارهم لأداء الجزية، أو شكوى من تعدّى الذّمّيّ عليه من المسلمين ونحو ذلك؛ وهذا العريف هو المعبّر عنه في زماننا بالديار المصرية بالحاشر. ثم يجب الكفّ عنهم بأن لا يتعرّض متعرّض لأنفسهم ولا أموالهم، ويضمن ما أتلف منها، ولا تراق خمورهم إلا أن يظهروها، ولا تتلف خنازيرهم إذا أخفوها، ولا يمنعون التّردّد إلى كنائسهم؛ ولا ضمان على من دخل دار أحد منهم فأراق خمره وإن كان متعدّيا بالدّخول، وأوجب أبو حنيفة عليه الضّمان. ويجب ذبّ الكفّار عنهم ما داموا في دارنا، بخلاف ما إذا دخلوا دار الحرب.
الأمر السابع- معرفة ما يطلب منهم إذا عقد لهم الذّمّة
. ثم المطلوب منهم ستّة أشياء:
منها: الجزية: وهي المال الذي يبذلونه في مقابلة تقريرهم بدار الإسلام.
قال الماورديّ في «الأحكام السلطانية» : وهي مأخوذة من الجزاء: إمّا بمعنى أنها جزاء لتقريرهم في بلادنا، وإما بمعنى المقابلة لهم على كفرهم «1» وقد اختلف الأئمة في مقدارها: فذهب الشّافعيّ رضي الله عنه إلى أنها مقدّرة الأقلّ، وأقلّها دينار أو اثنا عشر درهما نقرة «2» في كلّ سنة على كلّ حالم، ولا يجوز الاقتصار على أقلّ من الدّينار؛ وغير مقدّرة الأكثر، فتجوز الزيادة على الأقلّ برضا المعقود له. ويستحبّ للإمام المماكسة: بأن يزيد «3» عليهم بحسب ما
يراه. ونقل ابن الرّفعة عن بعض أصحاب الشافعيّ أنه إذا قدّر على العقد غاية لم يجز أن ينقص عنها. ويستحبّ أن يفاوت فيها: فيأخذ من الفقير دينارا، ومن المتوسّط دينارين، ومن الغنيّ أربعة دنانير.
وذهب أبو حنيفة إلى تصنيفهم ثلاثة أصناف: أغنياء، يؤخذ منهم ثمانية وأربعون درهما. وأوساط يؤخذ منهم أربعة وعشرون درهما. وفقراء، يؤخذ منهم اثنا عشر درهما «1» فجعلها مقدّرة الأقل والأكثر، ومنع من اجتهاد الإمام ورأيه فيها.
وذهب مالك إلى أنه لا يتقدّر أقلّها ولا أكثرها، بل هي موكولة إلى الاجتهاد في الطّرفين.
ومنها: الضّيافة: فيجوز للإمام بل يستحبّ أن يشترط على غير الفقير منهم ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين زيادة على الجزية، ويعتبر ذكر مدّة الإقامة، وأن لا تزيد على ثلاثة أيام، وكذلك يعتبر ذكر عدد الضّيفان من فرسان ورجّالة، وقدر طعام كلّ واحد وأدمه، وقدر العليق وجنس كلّ منهما، وجنس المنزل.
ومنها: الانقياد لأحكامنا؛ فلو ترافعوا إلينا أمضينا الحكم بينهم برضا خصم واحد منهم، ونحكم بينهم بأحكام الإسلام.
ومنها: أن لا يركبوا الخيل. ولهم أن يركبوا الحمير بالأكف عرضا: بأن يجعل الرّاكب رجليه من جانب واحد. وفي البغال النفيسة خلاف: ذهب الغزاليّ وغيره إلى المنع منها والراجح الجواز، إلا أنهم لا يتخذون اللّجم المحلّاة بالذّهب والفضّة «2»
ومنها: أن ينزلوا المسلمين صدر المجلس وصدر الطريق. وإن حصل في الطّريق ضيق [ألجئوا]«1» إلى أضيقه. ويمنعون من حمل السّلاح.
ومنها: التمييز عن المسلمين في اللّباس: بأن يخيطوا في ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونها، سواء في ذلك الرجال والنّساء. والأولى باليهود الأصفر، وبالنّصارى الأزرق والأكهب (وهو المعبّر عنه بالرّماديّ) وبالمجوسيّ- الأسود والأحمر. ويشدّ الرجال منهم الزّنّار من غير الحرير في وسطه، وتشدّه المرأة تحت إزارها، وقيل فوقه. ويميّزون ملابسهم عن ملابس المسلمين، وتغاير المرأة لون خفّيها: بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أسود، ونحو ذلك. ويجعل في عنقه في الحمّام جلجلا أو خاتما من حديد. وإن كان على رأس أحدهم شعر أمر بجزّ ناصيته. ويمنعون من إرسال الضّفائر كما تفعل الأشراف. ولهم لبس الحرير والعمامة والطّيلسان. والذي عليه عرف زماننا في التّمييز أنّ اليهود مطلقا تلبس العمائم الصّفر، والنّصارى العمائم الزّرق، ويركبون الحمير على البراذع، ويثني أحدهم رجله قدّامه، وتختصّ السّامرة بالشّام بلبس العمامة الحمراء، ولا مميّز يعتادونه الآن سوى ما قدّمناه.
ومنها: أنهم لا يرفعون ما يبنونه على [بنيان]«2» جيرانهم من المسلمين، ولا يساوونه به ولو كان في غاية الانخفاض، ويمنع من ذلك وإن رضي الجار المسلم، لأن الحقّ للدين دون الجار، وله أن يرفع ما بناه بمحلّة منفصلة عن أبنية المسلمين. ولو اشترى بناء عاليا بقي على حاله، فلو انهدم فأعاده لم يكن له الرّفع على المسلم ولا المساواة.
ومنها: أنهم لا يحدثون كنيسة ولا بيعة فيما أحدثه المسلمون من البلاد:
كالبصرة، والكوفة، وبغداد، والقاهرة، ولا في بلد أسلم أهلها عليها: كالمدينة واليمن. فإن أحدثوا فيها شيئا من ذلك نقض، نعم يترك ما وجد منها ولم يعلم