الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
«1» ويستعظمون البراءة من اعتقادهم، ولقاء الله تعالى على القول بأن الأمر غير أنف.
وقد رتّب في «التعريف» أيمانهم على هذا المعتقد، فقال:
ويمينهم: «والله والله والله العظيم ذي الأمر الأنف، خالق الأفعال والمشيئة، وإلّا قلت: بأن العبد غير مكتسب، وأنّ الجعد بن درهم محتقب «2» ، وقلت: إن هشام بن عبد الملك أصاب دما حلالا منه، وإن مروان بن محمد كان ضالّا في اتّباعه، وآمنت بالقدر خيره وشرّه، وقلت: إن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني، ولم أقل: إنه إذا كان أمر قد فرغ منه ففيم أسدّد وأقارب، ولم أطعن في رواة حديث «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ولم أتأوّل معنى قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
. وبرئت مما اعتقد، ولقيت الله وأنا أقول: إنّ الأمر غير أنف. وبالله التوفيق والعصمة» .
المهيع الثاني (في الأيمان التي يحلّف بها أهل الكفر ممّن قد يحتاج إلى تحليفه؛ وهم على ضربين)
الضرب الأوّل (من زعم منهم التّمسّك بشريعة نبيّ من الأنبياء عليهم السلام؛ وهم أصحاب ثلاث ملل)
الملّة الأولى (اليهود)
واشتقاقها من قولهم: هاد إذا رجع. ولزمها هذا الاسم من قول موسى عليه
السلام: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ
«1» أي رجعنا وتضرّعنا. ومنتحلها اليهود المتمسّكون بشريعة موسى عليه السلام. قال السلطان عماد الدّين صاحب حماة في تاريخه «2» : وهم أعمّ من بني إسرائيل: لأن كثيرا من أجناس العرب والرّوم وغيرهم قد دخلوا في اليهوديّة وليسوا من بني إسرائيل. وكتابهم الذي يتمسّكون به «التّوراة» وهو الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام.
قال أبو جعفر النّحّاس، في «صناعة الكتّاب» : وهي «3» مشتقّة من قولهم:
ورت ناري ووريت، وأوريتها إذا استخرجت ضوءها: لأنه قد استخرج بها أحكام شرعة موسى عليه السلام، وكان النّحّاس بجنح إلى أن لفظ التّوراة عربيّ؛ والذي يظهر أنه عبرانيّ معرّب «4» : لأن لغة موسى عليه السلام كانت العبرانية، فناسب أن تكون من لغته التي يفهمها قومه، قال الشّهرستانيّ في «النّحل والملل» : وهي أوّل منزل على بني إسرائيل سمّي كتابا، إذ ما قبلها من المنزّل إنما كان مواعظ ونحوها. قال صاحب حماة: وليس فيها ذكر القيامة ولا الدّار الآخرة ولا بعث ولا جنّة ولا نار، وكلّ وعيد يقع فيها إنما هو بمجازاة دنيويّة، فيوعدون على مجازاة الطّاعة بالنّصر على الأعداء، وطول العمر، وسعة الرّزق ونحو ذلك؛ ويوعدون على الكفر والمعصية بالموت ومنع القطر والحميّات والحرب، وأن ينزل عليهم بدل المطر الغبار والظّلمة ونحو ذلك، يشهد لما قاله قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ
«5» ، الآية، فجعل الظّلم سببا للتحريم. قال: وليس فيها أيضا ذمّ الدنيا، ولا طلب الزّهد فيها، ولا وظيفة صلوات معلومة، بل في التوراة الموجودة بأيديهم الآن نسبة أمور إلى الأنبياء عليهم السلام من الأسباط وغيرهم لا تحلّ حكايتها.
واعلم أنّ التوراة على خمسة أسفار:
أوّلها- يشتمل على بدء الخليقة والتاريخ من آدم إلى يوسف عليه السلام.
وثانيها- فيه استخدام المصريّين بني إسرائيل، وظهور موسى عليه السلام عليهم، وهلاك فرعون، ونصب قبّة الزمان وهي قبّة [كان ينزل على موسى فيها الوحي]«1» وأحوال التّيه، وإمامة هارون عليه السلام، ونزول العشر كلمات في الألواح على موسى عليه السلام، وهي شبه مختصر ممّا في التوراة يشتمل على أوامر ونواه وسماع القوم كلام الله تعالى. وقد أخبر الله تعالى عنها بقوله: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ
«2» قال مجاهد: وكانت الألواح من زمرّدة خضراء، وقال ابن جبير: من ياقوتة حمراء، وقال أبو العالية: من زبرجد، وقال الحسن: من خشب نزلت من السماء، ويقال: إنها كانت لوحين.
وإنما جاءت بلفظ الجمع: لأن الجمع قد يقع على الاثنين، كما في قوله تعالى:
فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
والمراد اثنان.
وثالثها- فيه كيفية تقريب القرابين على سبيل الإجمال.
ورابعها- فيه عدد القوم، وتقسيم الأرض بينهم، وأحوال الرّسل الذين بعثهم موسى عليه السلام من الشام، وأخبار المنّ والسّلوى والغمام.
وخامسها- فيه أحكام التّوراة بتفصيل المجمل، وذكر وفاة هارون ثم موسى عليهما السلام، وخلافة يوشع بن نون عليه السلام بعدهما.
ثم قد ذكر الشّهرستانيّ وغيره أن في التّوراة البشارة بالمسيح عليه السلام، ثم بنيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قد ورد ذكر «المشيحا» في غير موضع، وأنه يخرج واحد في آخر الزمان، هو الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره. وغير خاف على ذي لبّ أنّ المراد بالمشيحا المسيح عليه السلام، وأنّ المراد بالذي يخرج في آخر
الزمان نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل ربّما وقعت البشارة بهما جميعا في موضع واحد، كما في قوله: إن الله تعالى جاء من طور سيناء وظهر «1» من ساعير وعلن بفاران.
وساعير هي جبال بيت المقدس حيث مظهر المسيح عليه السلام، وفاران جبال مكّة حيث ظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الشّهرستانيّ: ولما كانت الأسرار الإلهيّة، والأنوار الرّبانيّة، في الوحي والتنزيل، [والمناجاة والتّأويل] «2» على ثلاث مراتب: مبدإ ووسط وكمال، وكان المجيء أشبه شيء بالمبدإ، والظهور أشبه بالوسط، والعلن أشبه بالكمال، عبّر في التوراة عن ظهور صبح الشريعة [والتّنزيل]«3» بالمجيء [على طور سيناء]«4» ، وعن طلوع شمسها بالظهور [على ساعير]«5» ، وعن بلوغ درجة الكمال [والاستواء]«6» ، بالعلن [على فاران] »
؛ وقد عرفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بوصفه في التّوراة حقّ المعرفة: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ
«8» وقد ذكر المفسّرون عن ابن عبّاس رضي الله عنه أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح عند رجوعه إلى قومه، تكسّرت فلم يبق منها إلا سدسها.
ويروى أن التّوراة كانت سبعين وسق بعير.. «9» وأنها رفع منها ستّة أسباعها وبقي السّبع؛ ففي الذي بقي الهدى والرحمة، وفي الذي رفع تفصيل كلّ شيء.
وليعلم أنّ اليهود قد افترقوا على طوائف كثيرة، المشهور منها طائفتان: