الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني (من الأيمان التي يحلّف بها المسلمون أيمان أهل البدع؛ والذين منهم بهذه المملكة ثلاث طوائف)
الطائفة الأولى (الخوارج)
وهم قوم ممن كانوا مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، حملوه على أن رضي بالتّحكيم بينه وبين معاوية، وأشاروا بإقامة أبي موسى الأشعريّ حكما عن عليّ، وإقامة عمرو بن العاص حكما عن معاوية، فخدع عمرو أبا موسى: بأن اتّفق معه على أن يخلعا عليّا ومعاوية جميعا، ويقيم المسلمون لهم خليفة يختارونه؛ فتقدّم أبو موسى وأشهد من حضر أنّه خلعهما، فوافق عمرو على خلع عليّ، ولم يخلع معاوية؛ وبقي الأمر لمعاوية؛ فأنكروا ذلك حينئذ، ورفضوا التّحكيم، ومنعوا حكمه، وكفّروا عليّا ومعاوية ومن كان معهما بصفّين، وقالوا: لا حكم إلا لله ورسوله، وخرجوا على عليّ، فسمّوا الخوارج، ثم فارقوه وذهبوا إلى النّهروان فأقاموا هناك، وكانوا أربعة آلاف غوغاء لا رأس لهم؛ فذهب إليهم عليّ رضي الله عنه فقاتلهم، فلم يفلت سوى تسعة أنفس:
ذهب منهم اثنان إلى عمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى اليمن؛ فظهرت بدعتهم بتلك البلاد وبقيت بها.
ثم من مذهبهم منع التّحكيم على ما تقدّم، وتخطئة عليّ وأصحابه، ومعاوية وأصحابه بصفّين في اعتمادهم إيّاه، بل تكفيرهم على ما تقدّم؛ ومنها امتناع ذلك عن رضا أصلا «1» وأنهم يمنعون التأويل في كتاب الله تعالى. ومنهم من يقول: إن سورة يوسف عليه السلام ليست من القرآن، وإنما هي قصّة من
القصص، ومن أدخلها في القرآن فقد زاد فيه ما ليس منه، على ما سيأتي ذكره.
ويقولون: إن إمارة بني أميّة كانت ظلما، وإنّ قضاءهم الذي رتّبوه على التحكيم باطل. ويذهبون إلى تخطئة عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعريّ فيما اتفقا عليه عند تحكيمهما؛ ويشنّعون على معاوية وأصحابه، ويقولون: استباحوا الفروج والأموال بغير حقّ.
ثم منهم من يكفّر بالكبائر، ومنهم من يكفّر بالإصرار على الصّغائر بخلاف الكبائر من غير إصرار على ما يأتي ذكره. ويصوّبون فعلة عبد الرحمن بن ملجم في قتله عليّا رضي الله عنه، وينكرون على من ينكر ذلك عليه، لا سيما من ذهب من الشّيعة إلى أن ذلك كفر. وفي ذلك يقول شاعرهم:
يا ضربة من وليّ «1» ما أراد بها
…
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لأذكره يوما فأحسبه
…
أوفى الخليقة عند الله ميزانا
وكذلك يصوّبون فعل عمرو بن بكر الخارجيّ في قتل خارجة بن أبي حبيبة «2» صاحب شرطة عمرو بن العاص بمصر، حين قتله على ظنّ أنه عمرو بن العاص، لما لهم عنده من الإحن والضّغائن، وأنهم يصوّبون فعل قطام زوج عبد الرحمن بن ملجم في [اشتراطها على ابن ملجم حين خطبها ثلاثة آلاف وعبدا وقينة وقتل عليّ]«3» ، وأنهم يستعظمون خلع طاعة رؤوسهم، وأنهم يجوّزون كون الإمام غير قرشيّ، بل هم يجوّزون إمامة الحرّ والعبد جميعا، وينسبون من خالفهم إلى الخطإ، ويستبيحون دماءهم بمقتضى ذلك.
واعلم أن ما تقدّم ذكره من معتقدات الخوارج هو مقتضى ما رتّبه من يمينهم في «التعريف» على ما سيأتي ذكره. على أن بعض هذه المعتقدات يختصّ بها
بعض فرق الخوارج دون بعض على ما سيأتي بيانه، ولكلّ منهم معتقدات أخرى تزيد على ما تقدّم ذكره.
وهأنا أذكر بعض فرقهم، وبعض ما اختصّت به كلّ فرقة منهم، ليبني على ذلك من أراد ترتيب يمين لفرقة منهم:
فمنهم المحكّمة- وهم الذين يمنعون التّحكيم.
ومنهم الأزارقة- وهم أتباع نافع بن الأزرق، وهم الذين خرجوا بفارس وكرمان أيّام ابن الزّبير، وقاتلهم المهلّب بن أبي صفرة، وهم الذين يكفّرون عليّا مع جمع من الصحابة، ويصوّبون فعل ابن ملجم، ويكفّرون القعدة عن القتال مع الإمام وإن قاتل أهل دينه، ويبيحون قتل أطفال المخالفين ونسائهم، ويسقطون الرّجم عن الزّاني المحصن، وحدّ القذف عن قاذف الرّجل المحصن دون قاذف المرأة المحصنة، ويخرجون أصحاب الكبائر عن الإسلام، ويقولون: التّقيّة غير جائزة.
ومنهم النّجدات- وهم أصحاب نجدة بن عامر، يكفّرون بالإصرار على الصغائر دون فعل الكبائر من غير إصرار، ويستحلّون دماء أهل العهد والذّمّة وأموالهم في دار التّقيّة، ويتبرّأون ممن حرّمها.
ومنهم البيهسيّة- وهم أصحاب أبي بيهس بن [جابر]«1» ، يرون أنه لا حرام إلا ما وقع عليه النّصّ بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً
«2» الآية. ويكفّرون الرّعيّة بكفر الإمام.
ومنهم العجاردة «3» - وهم الذين ينكرون كون سورة يوسف من القرآن،
ويقولون: إنما هي قصّة من القصص، ويوجبون التّبرّي من الطّفل، فإذا بلغ دعي إلى الإسلام.
ومنهم الميمونية «1» - وهم فرقة يقولون: إن الله تعالى يريد الخير دون الشّر، ويجوّزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الإخوة والأخوات.
ومنهم الإباضيّة «2» - يرون أنّ مرتكب الكبيرة كافر للنعمة لا مشرك، ويرون أنّ دار مخالفيهم من المسلمين دار توحيد، ودار السلطان منهم دار بغي.
ومنهم الثّعالبة «3» - يرون ولاية الطّفل حتّى يظهر عليه إنكار الحقّ فيتبرّأون منه.
ومنهم الصّفريّة «4» - يرون أنّ ما كان من الكبائر فيه حدّ كالزّنا لا يكفّر به، وما كان منها ليس فيه حدّ: كترك الصّلاة يكفّر به.
وكأن الذي أورده في «التعريف» متّفق عليه عندهم، أو هو قول أكثرهم فاكتفى به.