الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة التاسعة (فيما يكتب في الدّفن عن الملوك)
قال في «التعريف» : صورته أن يكتب بعد البسملة: «هذا دفن لذنوب فلان، من الان لا تذكر ولا يطالب بها، ولا يؤاخذ بسببها، اقتضته المراحم الشّريفة السّلطانية الملكيّة الفلانية، ضاعف الله تعالى حسناتها وإحسانها: وهي ما بدا من الذنوب لفلان من الجرائم التي ارتكبها، والعظائم التي احتقبها، وحصل العفو الشّريف عن زللها، وقابل الإحسان العميم بالتغمّد سوء عملها؛ وهي: كذا وكذا (وتذكر) دفنا لم تبق معه مؤاخذة بسبب من الأسباب، ومات به الحقد وهيل عليه التّراب، ولم يبق معه لمطالب بشيء منه مطمع، ولا في إحيائه رجاء وفي غير ما وارت الأرض فاطمع، وتصدّق بها سيّدنا ومولانا السلطان الأعظم (ويذكر ألقابه واسمه) تقبّل الله صدقته- وعفا عنها، وقطع الرّجاء باليأس منها، وأبطل منها كلّ حقّ يطلب، وصفح منها عن كل ذنب كان [به] «1» يستذنب، ودفنها تحت قدمه، ونسيها في علم كرمه، وخلّاها نسيا منسيّا لا تذكر في خفارة ذممه، وجعله بها مقيما في أمن الله تعالى إلى أن يبعث الله تعالى خلقه، ويتقاضى كما يشاء حقّه، لا يتعقّب في هذا الأمان متعقّب، ولا ينتهي إلى أمد له نظر مترقّب، لا ينبش هذا الدّفين، ولا يوقف له على أثر في اليوم ولا بعد حين، ولا يخشى فيه صبر مصابر، ولا يقال فيه: إلّا وهبها كشيء لم يكن أو كنازح به الدّار أو من غيّبته المقابر. ورسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ
الفلانيّ- أعلاه الله تعالى وشرّفه، وغفر به لكلّ مذنب ما أسلفه- أن يكتب له هذا الكتاب بما عفي له عنه وحفر له ودفن، وأصبح بعمله غير مرتهن، ودفن له فيه دفن العرب، وقطع في التّذكّر له أرب كلّ [ذي]«1» أرب، ودرس في القبور الدّوارس، وغيّب مكانه فيما طمر في اللّيالي الدّوامس.
وسبيل كلّ واقف على هذا الكتاب- وهو الحجّة على من وقف عليه، أو بلغه خبره، أو سمعه أو وضح له أثره- أن يتناسى هذه الوقائع، ويتّخذها فيما تضمّنته الأرض من الودائع، ولا يذكر منها إلا ما اقتضاه حملنا الذي يؤمن معه التّلف، وعفونا الذي شمل وعفا الله عمّا سلف.
قال في «التثقيف» : ولم أكن رأيت شيئا من هذا ولا وجدته مسطورا إلا في كتابة «التعريف» . قال: والذي أعتقده أنه لم يكتب به قطّ، وإنما الرجل بسعة فضله وفضيلته، أراد أن يرتّب هذه النّسخة لاحتمال أن يؤمر بكتابة شيء من هذا المعنى، فلا يهتدي الكاتب إلى ما يكتبه. ثم قال: على أنه كرّر فيها ذكر السلطان مرّتين، والثالثة قال: رسم بالأمر الشريف، فهي على غير نحو من النّظام المعهود والمصطلح المعروف، بحكم أن فيها أيضا توسّعا كثيرا في العبارة والألفاظ التي تؤدّي كلّها معنى واحدا. قال: وكان الأولى بنا اختصار ذلك وعدم كتابته، لكنّنا أرادنا التنبيه على ما أشار إليه، ليكون هذا الكتاب مستوعبا لجميع ما ذكر، ممّا يستعمل ومما لا يستعمل.
قلت: ما قاله في «التثقيف» كلام ساقط صادر عن غير تحقيق؛ فإنّه لا يلزم من عدم اطّلاعه على شيء كتب في هذا المعنى ولا سطّر فيه أن لا يكون مسطورا لأحد في الجملة. وماذا عسى يبلغ اطّلاع المطّلع فضلا عن غيره؟ وإن كان صاحب «التعريف» هو الذي ابتكر ذلك، كما أشار إليه في «التثقيف» فنعمت السّجيّة الاتية بمثل ذلك مما لم يسبق إليه. وأما إنكاره تكرير ذكر السلطان فيها،
فلا وجه له بعد انتظام الكلام وحسن ما أتى به في «التعريف» سواء كان فيه مبتكرا أو متّبعا أو منتزعا له من الأصل السابق.
وأحسن ما يكتب في ذلك في تأمين العربان: لأنه إنما أخذ عنهم؛ فإذا صدر إليهم شيء يعرفونه ويجري على قواعدهم التي يألفونها، تلقّوه بالقبول، واطمأنّت إليه قلوبهم، ووقع منهم أجلّ موقع؛ وبالله المستعان.