الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة السادسة
(فيما يكتب من الإطلاقات: إمّا تقريرا لما قرّره غيره من الملوك السابقة، وإمّا ابتداء لتقرير ما لم يكن مقرّرا قبل، وإما زيادة على ما هو مقرّر؛ وفيه طرفان)
الطرف الأوّل (فيما يكتب عن الأبواب السلطانية؛ وهو على ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى (ما يكتب في قطع الثلث مفتتحا بالحمد لله؛ وهو أعلاها)
وهذه نسخة توقيع شريف باستقرار ما أطلقه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب بالديار المصرية للعمريّين أعصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون «1» ، من إنشاء المقرّ الشّهابي بن فضل الله؛ وهي:
الحمد لله الذي أبدأ الجميل وأعاده، وأجرى تكرّمنا على أجمل عادة، وقفّى بنا آثار الذين أحسنوا الحسنى وزيادة.
نحمده على أن جعل جودنا المقدّم وإن تأخّر أياما، والمطيّب لذكر من تقدّم
حتّى كأنما حاله مثل المسك ختاما، والصّيّب «1» الذي تقدّمه من بوادر الغيث قطر ثم استهلّ هو غماما، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرفع أعلامها ونمنع أن تطمس الليالي لمن جاهد عليها من ملوك الزمان أعلاما، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي هدى به إلى أوضح المسالك، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا من الأرض ما وعد أنه سيبلغ ملك أمّته إلى ما زوي «2» من ذلك، وسلم.
وبعد، فإن أفضل النّعم ما قرن بالإدامة، وأعظم الأجور [أجر]«3» من سنّ سنة [حسنة]«4» فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وأحسن الحسنات ما رغّبت السلف الصالح في خلفهم، وأمرّت بأيديهم ما حازوه من ميراث سلفهم؛ وكان المولى الشهيد الملك الناصر صلاح الدين، منقذ بيت المقدس من المشركين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب- قدّس الله روحه- هو الذي كان على قواعد العمريّين بانيا، والفاتح لكثير من فتوحات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتوحا ثانيا؛ ولما أعلى الله بمصر دولته المنيرة، ومحا به من البدع الإسماعيلية عظائم كثيرة، حبّس ناحية «شباس الملح» «5» وما معها جميع ذلك بحدّه وحدوده وقريبه وبعيده، وعامره وغامره، وأوّله وآخره، على المقيمين بالحرمين الشريفين من الذّرّية العمريّة، كما قاله في توقيعه الشريف المكتتب بالخط الفاضل عمر الأنام، واقتفى بهداه بعده من إخواننا الصالحين ملوك الإسلام؛ فجدّدنا لهم هذا التوقيع الشريف تبرّكا بالمشاركة واستدراك ما فاتنا مع سلفهم الكريم بالإحسان إلى أعقابهم. ومرسومنا أن يحملوا على حكم التوقيع
الشريف الصّلاحيّ وما بعده من تواقيع الملوك الكرام، ولا يغيّر عليهم فيه مغيّر من عوائد الإكرام، ولا يقبل فيهم قول معترض ولا تتعرّض إليهم يد معترّض، ولا يفسح فيهم لمستعص إن لم يكن رافضا فإنه برفض حقّهم مترفّض، وليعامل الله فيهم بما يزيد جدّهم رضي الله عنه رضا، ويحبّس تحبيسا ثانيا لولانا لقيل لمن يطالب بها كيف تطالب بشيء مضى مع من مضى؛ ونحن نبرأ إلى الله ممن سعى في نقضها بسبب من الأسباب، أو مدّ فيها إلى فتح باب، أو تأوّل في حكم هذا الكتاب عليهم وقد وافق حكم جدّهم حكم الكتاب، وأن لا يقسم شيء من ريع هذه الناحية على غير المقيمين منهم بالحرمين الشريفين. ومن خاف على نفسه في المقام فيهما ممن كان في أحدهما ثم فارقه على عزم العود إلى مكانه، وأقام وله حنين إلى أوطانه، ولم يلهه استبدال أرض بأرض وجيران بجيران عن أرضه وجيرانه، إتباعا لشرطها الأوّل بمثله، واتّباعا [لمن] فيها «1» فاز مع السابقين الأوّلين بمزيد فضله.
وليكن النظر فيه لأمثل هذا البيت من المستحقين لهذا الحبس «2» كابرا عن كابر، ناظرا بعد ناظر، اتّباعا للمراد الكريم الصّلاحيّ في مرسومه المقدّم، وتفسيرا لمن لا يفهم، من غير مشاركة معهم لأحد من الحكّام، لا أرباب السيوف ولا أرباب الأقلام: لنكون نحن ومحبّسها- أثابه الله على هذه الحسنة- متناصرين، ولتجد البقيّة التي قد ناصرها ناصرين الناصر الأوّل منهما بناصرين، وليحذر من تتبّع عليهم تأويلا، ومن وجد في قلبه مرضا فأعداهم به تعليلا؛ فما كتبناه لتأويل حصل عليهم، ولا لتعليل المراسيم الملوكية التي هي في يديهم، وإنما هو بمثابة إسجال اتّصل من حاكم إلى حاكم، وسيف جدّدنا