الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسلوب الثالث (أن يفتتح التوقيع المكتتب بالإقطاع بما فيه معنى الشجاعة والقتال وما في معنى ذلك، وهو أدنى من الذي قبله رتبة)
وهذه نسخة توقيع بإقطاع من هذا النّمط، كتب به لبعض الأمراء الصّغار؛ وهي:
القلم والرّمح قلمان كلاهما أسمر، وكما تشابها في المنظر فكذلك تشابها في المخبر؛ غير أنّ هذا يركب في عسكر من القول وهذا يحمل في عسكر؛ وقد نطق أحدهما بالثناء على أخيه فأحسن في نطقه، وأقرّ له بالفضيلة ومن الإنصاف أن يقرّ لذي الحق بحقّه؛ غير أنّ هذه الفضيلة تعزى إلى من يقيم أود الساعي بتقويم أوده، ولا يرى لها سبيلا قصدا إلا بالوطء على قصده؛ وهو أنت أيّها الأمير فلان، أيّدك الله!.
وقد اخترناك لخدمتنا على بصيرة، وأجريناك من اعتنائنا على أكرم وتيرة، ورفعنا درجتك فوق درجة المعلّي لمن سبقك وإنها لكبيرة.
ولم يكن هذا الاختيار إلا بعد اختبار لا يحتاج معه إلى شهادة، ولو كشف الغطاء لم يجد اليقين من زيادة «1» ؛ فطالما عجمت نبعتك، وتيمّنت طلعتك، ولم تعرض سلعة الغناء إلا نفقت سلعتك؛ ومثلك من تباهي الرجال بمكانه، وتخلّي له فضلة عنانه، ويتّسع ميدان القول في وصفه إذا ضاق بغيره سعة ميدانه؛ وما يقال إلا أنّك الرجل الذي تقذف الجانب المهمّ بعزمك، وترمي برأيك قبل رماء سهمك، وبك يحسر دجى الحرب الذي أعوزه الصّباح، ويحمى عقابها أن يحصّ «2» له جناح؛ فأسباب الاعتضاد بك إذن كثيرة الأعداد، وأنت الواحد المشار إليه ولا تكثر إلا مناقب الآحاد.
وقد بدأناك من العطاء بما يكون ببسم الله في صدر الكتاب، وجعلناه كالغمامة التي تأتي أوّلا بالقطار ثم تأخذ في الانسكاب؛ وخير العطاء ما ربّ بعد ميلاده، وأينع ثمره بعد جداده؛ وإن صادف ذلك وسائل خدم مستأنفة كان لها قرانا، وصادف الإحسان منه إحسانا؛ وقد ضمن الله تعالى للشّاكر من عباده مزيدا، ولم يرض له بأن يكون مبدئا حتّى يكون معيدا؛ وكذلك دأبه فيمن عرف مواقع نعمه، وعلم أن صحّتها لا تفارقه ما لم يعدها بسقمه.
ونحن أولى من أخذ بهذا الأدب الكريم، وألزم نفسه أن تتحلّى بخلقه وإنه للخلق العظيم؛ وعطاؤنا المنعم به عليك لم يذكر في هذا التوقيع على حكم الامتنان، بل إثباتا لحساب الجند الذين هم أعوان الدّولة ولا بدّ من إحصاء الأعوان؛ وهو كذا وكذا.
فامدد له يدا تجمع [مع]«1» الشّكر مواظبة، [ومع]«2» الطّاعة مراقبة، وكن في التّأهّب للخدمة كالسّهم الموضوع في وتره، وأصخ بسمعك وبصرك إلى ما تؤمر به فلا ائتمار لمن لم يصخ بسمعه وبصره.
وملاك ذلك كلّه أن تتكثر من فرسان الغوار، وحماة الذّمار، والذين هم زينة سلّم ومفزع حذار؛ ومثل هؤلاء لا يضمّهم جيش إلا تقدّمه جيش من الرّعب، ودارت منه الحرب على قطبها ولا تدور رحّى إلا على قطب؛ وإذا ساروا خلف رايتك نشرت ذوائبها على غابة من الآساد، وخفقت على بحر من الحديد يسير به طود من الجياد.
ومن أهمّ الوصايا إليك أن تضيف إلى غنائهم غنى يبرزهم في زهرة من اللّباس، ويعينهم على إعداد القوّة ليوم الباس، ويقصّر لديهم شقّة الأسفار التي تذهب بنزقات الشّماس، وينقطع دون قطعها طول الأنفاس؛ وأيّ فائدة في عسكر يأخذ بعد المسرى في حوره، ولا يزيد صبره بزيادة سفره، ويكون حافره وخفّه سواء في انتساب كلّ منهما إلى شدّة حجره.