الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني من المقالة السابعة (فيما يكتب في الإقطاعات في القديم والحديث؛ وفيه فصلان)
الفصل الأوّل في أصل ذلك
والأصل فيه ما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أقطع تميما الدّاريّ أرضا بالشأم وكتب له بها كتابا.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فيه طرقا مختلفة، فروى بسنده إلى زياد بن فائد «1» ، عن أبيه فائد، عن زياد بن أبي هند، عن أبي هند الداريّ أنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكّة ونحن ستّة «2» نفر:
تيم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله، وهو صاحب الحديث، وأخوه الطيّب بن عبد الله [كان اسمه برا]«3» فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الرحمن «4» ، وفاكه بن النعمان، فأسلمنا وسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشأم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«سلوا حيث شئتم» . فقال
تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند:[هذا محلّ ملك العجم]«1» وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتمّ لنا هذا، فقال تميم:
فنسأله بيت جبرين وكورتها، فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر. فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي تقع فيها تلّ مع آثار إبراهيم، فقال تميم: أصبت ووفّقت- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتميم: «أتحبّ أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟» - فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أردتم أمرا فأراد هذا غيره» ونعم الرأي رأى- قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطعة جلد من أدم، فكتب لنا فيها كتابا نسخته:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
«هذا [كتاب] «2» ذكر [فيه]«3» ما وهب محمد رسول الله للدّارييّن؛ إذا أعطاه الله الأرض، وهب لهم بيت عينون وحبرون «4» [والمرطوم]«5» وبيت إبراهيم بمن فيهنّ لهم أبدا «6» «شهد عبّاس بن عبد المطّلب، وجهم «7» بن قيس، وشرحبيل بن حسنة، وكتب» .
قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله [فعالج]«8» في زاوية الرّقعة وغشّاه بشيء لا يعرف، وعقده من خارج الرّقعة بسير عقدتين، وخرج إلينا به مطويّا وهو يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ
وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ
«1» ثم قال: انصرفوا حتّى تسمعوا بي قد هاجرت. قال أبو هند:
فانصرفنا. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، قدمنا عليه فسألناه أن يجدّد لنا كتابا، فكتب لنا كتابا نسخته:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» *
«هذا ما أنطى «2» محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتميم الدّاريّ وأصحابه، إنّي أنطيتكم عينون وحبرون والرطوم وبيت إبراهيم برمّتهم وجميع ما فيهم نطيّة «3» بتّ، ونفّذت وسلّمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد؛ فمن آذاهم فيها آذاه الله» .
«شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب» «4» فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبو بكر وجّه الجنود إلى الشام، فكتب لنا كتابا نسخته:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» *
«من أبي بكر الصدّيق إلى عبيدة بن الجرّاح «5» ؛ سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو» .
«أما بعد: امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى
الدّارييّن؛ وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأراد الدّاريّون أن يزرعوها «1» فليزرعوها، فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحقّ بهم والسلام عليك» .
وروى بسنده أيضا إلى الزّهريّ وثور بن يزيد عن راشد بن سعد، قالا:
قام تميم الداريّ وهو تميم بن أوس، رجل من لخم، فقال يا رسول الله، إنّ لي جيرة من الرّوم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى، وأخرى يقال لها بيت عينون: فإن فتح الله عليك الشأم فهبهما لي، قال: هما لك، قال: فاكتب لي بذلك، فكتب له:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» *
«هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتميم بن أوس الداريّ؛ إنّ له قرية حبرى «2» وبيت عينون، قريتها «3» كلّها، سهلها وجبلها، وماءها وحرّتها، وأنباطها وبقرها، ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحد بظلم. فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وكتب عليّ.
فلما ولي أبو بكر، كتب لهم كتابا نسخته:
«هذا كتاب من أبي بكر، أمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للدّارييّن: أن لا تفسد عليهم مأثرتهم «4» قرية حبرى وبيت عينون، فمن كان يسمع ويطيع فلا يفسد منها شيئا، وليقم عمرو بن العاص «5» عليهما فليمنعهما من المفسدين» .
وروى ابن مندة بسنده إلى عمرو بن حزم رضي الله عنه أنه قال: أقطع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تميما الداريّ، وكتب:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» *
«هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداريّ: إنّ له صهيون «1» قريتها كلّها، سهلها وجبلها، وماءها وكرومها، وأنباطها وورقها، ولعقبه من بعده، لا يحاقّه فيها أحد، ولا يدخل عليه بظلم؛ فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فإنّ عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» .
قلت: وهذه الرّقعة التي كتب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة بأيدي التميميّين خدّام «2» حرم الخليل عليه السلام إلى الآن؛ وكلّما نازعهم أحد أتوا بها إلى السلطان بالديار المصريّة ليقف عليها ويكفّ عنهم من يظلمهم. وقد أخبرني برؤيتها غير واحد؛ والأديم التي هي فيه قد خلق لطول الأمد.