الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ما لاح طلبه على قدر الزمان، والأنفس تطلب على مقدار الإحسان؛ فإنّ في استنهاض نيّات الخدّام بالإنعام ما يعود على الدولة منافعه، وتنكأ الأعداء مواقعه، وتبعث العزائم من موت منامها، وتنفض عن البصائر غبار ظلامها؛ والله تعالى ينجد إرادتنا في الخدمة بمضاعفة الاقتدار، ومساعدة الأقدار، إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني (ما كان يكتب لنوّاب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان عن الديار المصرية)
والعادة أن يكتب فيما يتعلق بمهمّات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها، وما يترتّب فيها، وما يمشى على حكمه بمصر والقاهرة المحروستين، وسائر أعمال الديار المصرية، وما تبرز به المراسيم الشريفة في أمورها وقضاياها، واستخراج أموالها وحمولها، وعمل جسورها وحفائرها، وما يتجدّد في ذلك، وما يجري هذا المجرى من سائر التعلّقات، وتصدر بذلك التذكرة.
وهذه نسخة تذكرة سلطانية كتب بها عن السلطان الملك الصالح عليّ، ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، لكافل السلطنة بالديار المصرية، الأمير زين الدين كتبغا، عند سفر السلطان الملك [المنصور] »
إلى الشام، واستقرار كتبغا المذكور نائبا عنه في سنة تسع [وسبعين]«2» وستمائة، من إنشاء [محمد]«3» بن المكرّم بن أبي الحسن الأنصاريّ، أحد كتّاب الدرج يومئذ ومن خطّه نقلت؛ وهي:
تذكرة نافعة، للخيرات جامعة، يعتمد عليها المجلس العاليّ، الأميريّ، الزّينيّ، كتبغا المنصوريّ، نائب السلطنة الشريفة- أدام الله عزه- في مهمّات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها، وما يترتّب بها، وما يبتّ ويفصل في القاهرة ومصر المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية، صانها الله تعالى، وما تستخرج به المراسيم الشريفة، المولوية، السلطانية، الملكية، الصالحيّة الفلانية- أنفذها الله تعالى- في أمورها وقضاياها، وولاياتها وولاتها، وحمولها وحفيرها وحفظها ومتجدّداتها على ما شرح فيه:
- فصل الشّرع الشريف:
يشدّ من حكّامه وقضاته في تنفيذ قضاياه وتصريف أحكامه، والشّدّ منه في نقضه وإبرامه.
- فصل العدل والانصاف والحق:
يعتمد ذلك في جميع المملكة الشريفة: مدنها وقراها وأعمالها وولاياتها:
بحيث يشمل الرعايا من خاصّ وعامّ، وبعيد وقريب، وغائب وحاضر، ووارد وصادر، ويستجلب الأدعية الصالحة من جميع الناس لهذه الأيّام الزاهرة، ويستنطق الألسنة بذلك؛ فإنّ العدل حجة الله ومحجّة الخير، فيدفع كلّ ضرر ويرفع كلّ ضير.
- فصل الدماء:
يعتمد فيها حكم الشرع الشريف. ومن وجب عليه قصاص يسلّم لغريمه ليقتصّ منه بالشرع الشريف، ومن وجب عليه القطع يقطع بالشرع الشريف.
- فصل الأمور المختصّة بالقاهرة ومصر المحروستين، حرسهما الله تعالى:
لا يتجوّه «1» فيها أحد، ولا يقوى قويّ على ضعيف، ولا يتعدّى أحد على أحد جملة كافية.
- فصل:
يتقدم بأن لا يمشي أحد في المدينة ولا ضواحيها في الحسينيّة والأحكار «2» في الليل إلا لضرورة، ولا يخرج أحد من بيته لغير ضرورة ماسّة، والنساء لا ينصرفن في الليل ولا يخرجن ولا يمشين جملة كافية.
- فصل الحبوس:
تحرس وتحفظ بالليل والنهار؛ وتحلق لحى الأسارى كلّهم: من فرنج وأنطاكيّين وغيرهم، ويتعهّد ذلك فيهم كلما تنبت، ويحترز في أمر الداخل إلى الحبوس، ويحترز على الأسارى الذين يستعملون، والرجال الذي يخرجون معهم، وتقام الضّمّان الثّقات على الجانداريّة «3» الذين معهم، ولا يستخدم في
ذلك غريب، ولا من فيه ريبة، ولا تبيت الأسارى الذين يستعملون إلا في الحبوس، ولا يخرج أحد منهم لحاجة تختص به ولا لحمّام ولا كنيسة ولا فرجة، وتتفقّد قيودهم وتوثّق في كل وقت.
ويضاعف الحرس في الليل على خزانة البنود «1» باظهار ظاهرها وعلوّها وحولها وكذلك خزانة الشمائل «2» وغيرها من الجيوش.
- فصل:
يرتّب جماعة من الجند مع الطّوّاف «3» في المدينة لكشف الأزقّة وغلق الدّروب وتفقّد أصحاب الأرباع، وتأديب من يخلّ بمركزه من أصحاب الأرباع، وتكون الدّروب مغلقة. وكذلك تجرّد جماعة الحسينيّة والأحكار وجميع المراكز، ويعتمد فيها هذا الاعتماد؛ ومن وجد في الليل قد خالف المرسوم ويمشي لغير عذر يمسك ويؤدّب.
- فصل [الأبواب] :
يحترز على الأبواب غاية الاحتراز، ويتفقّد في الليل خارجها وباطنها وعند فتحها وغلقها.
- فصل:
الأماكن التي يجتمع فيها الشّباب وأولو الدّعارة ومن يتعانى العيث والزّنطرة «1» ، لا يفسح لأحد في الاجتماع بها في ليل ولا نهار، ويكفّون الأكفّ اللئام بحيث تقوم المهابة وتعظم الحرمة، وينزجر أهل الغيّ والعيث والعبث.
- فصل:
يرتّب المجرّدون «2» حول المدينتين بالقاهرة ومصر المحروستين على العادة، وكذلك جهة القرافة وخلف القلعة وجهة البحر، وخارج الحسينية، ولا يهمل ذلك ليلة واحدة، ولا يفارق المجرّدون مراكزهم إلا عند السّفور وتكامل الضوء.
- فصل:
يتقدّم بأن لا تجتمع الرجال والنساء في ليالي الجمع بالقرافتين «3» ، ويمنع النساء من ذلك.
- فصل:
مهمّات الغائبين في البيكار «1» المنصور تلحظ ويشدّ من نوّابهم في أمورهم ومصالحهم، ويستخلص حقوقهم لنوّابهم وغلمانهم ووكلائهم؛ ومن كانت له جهة يستخلص حقّه منها ولا يتعرّض إلى جهاتهم المستقرّة فيما يستحقّونه؛ ويقوّي أيديهم، وتؤخذ الحجج على وكلائهم بما يقبضونه حتى لا يقول مؤكّلوهم في البيكار: إنّ كتب وكلائنا وردت بأنهم لم يقبضوا لنا شيئا، فيكون ذلك سببا لردّ شكاويهم.
- فصل:
خليج القاهرة ومصر المحروستين يرسم بعمله وحفره وإتقانه في وقته:
بحيث يكون عملا جيّدا متقنا من غير حيف على أحد، بل كلّ أحد يعمل ما يلزمه عملا جيّدا.
- فصل:
جسور ضواحي القاهرة يسرع في إتقانها وتعريضها، ويجتهد في حسن رصفها وفتح مشاربها، وحفظها من الطارق عليها، وتبقى متقنة مكملة إلى وقت النّيل المبارك؛ ولا يخرج في أمرها عن العادة، ولا يحتمي أحد عن العمل فيها بما يلزمه؛ ويحمل الأمر في جراريفها ومقلقلاتها «2» على ما تقدّمت به المراسيم الشريفة في أمر الجسور القريبة والبعيدة.
- فصل في الأعمال والولايات:
تتنجّز الأمثلة الشريفة السلطانية، المولوية، الملكية، الصالحية، الفلانية، شرفها الله تعالى، بإتقان عمل الجسور وتجويدها وتعريضها وتفقّد القناطر والتّراع، وعمل ما تهدّم منها وترميم ما وهى، وإصلاح ما تشعّث من أبوابها،
وتحصيل أصنافها التي تدعو الحاجة إليها في وقت النّيل، وتعتمد المراسيم الشريفة من أنّ أحدا لا يعمل بالجاه، ومن وجب عليه فيها العمل يعمل على العادة في الأيام الصالحيّة؛ ويؤكّد على الولاة في مباشرتها بنفوسهم، وأن لا يتّكلوا على المشدّين «1» ؛ وأيّ جهة حصل منها نقص أو خلل كان قبالة ذلك روح والي ذلك العمل وماله؛ ويشدّد على الولاة في ذلك غاية التشديد، ويحذّر أتمّ التحذير، وتؤخذ خطوط الولاة بأنّ الجسور قد أتقن عملها على الوضع المرسوم به، وأنها أتقنت ولم يبق فيها خلل، ولا ما يخشون عاقبته، ولا ما يخافون دركه، وأنها عملت على ما رسم.
- فصل:
يتقدّم إلى الولاة ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية بترتيب الخفراء على ما كان الحال رتّب عليه في الأيام الظاهريّة: أن يرتّب من البلد إلى البلد خفراء ينزلون ببيوت شعر على الطّرقات على البلدين، يخفرون الرائح والغادي؛ وأيّ من عدم له شيء يلزمه دركه، وينادى في البلاد أن لا يسافر أحد في الليل ولا يغرّر، ولا يسافر الناس إلا من طلوع الشمس إلى غروبها، ويؤكّد في ذلك التأكيد التام.
- فصل الثغور المحروسة:
يلاحظ أمورها ومهمّاتها، ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية في مهمّاتها وأحوالها وحفظها، والاحتراز على المعتقلين بها، والاستهظار في حفظهم، والتيقّظ لمهمّات الثغر، واستجلاب قلوب التّجار، واستمالة خواطرهم، ومعاملتهم بالرّفق والعدل حتى تتواصل التجار وتعمر الثغور، ويؤكّد عليها في المستخرج وتحصيل الأموال، وأصناف الذّخائر، وأصناف الخزائن المعمورة والحوائح خاناه «2» ، ويوعز إليهم بأنّ هذا وقت انفتاح البحر وحضور التّجار وتزجية
الأموال، وصلاح الأحوال، والنهضة في تكثير الحمول، ويؤكّد عليهم في المواصلة بها، وأن تكون حمولا متوفّرة، وأنه لا يفرّط في مستخرج حقوق المراكب الواصلة، ولا يقلّل متحصّلها، ولا ينقص حملها، ويسيّر بحملها حملا إلى بيت المال المعمور على العادة، ويؤكّد عليهم في الاستعمالات، وتحصيل الأقمشة والأمتعة على اختلاف أصنافها وإزالة الأعذار فيها: بحيث لا يتوقّف أمر الاستعمالات ولا يؤخّر مهمّها عن وقته؛ ومهما وصل من المماليك والجواري والحرير والوبر والأطلس والفضّة الحجر، وأقصاب الذهب المغزول يعتمد في تحصيله العادة.
- فصل:
يؤكّد على ولاة الأعمال في استخلاص الحقوق الديوانية من جهاتها، والمواصلة بالحمول في أوقاتها، ومباشرة أحوال الأقصاب ومعاصرها في أوقاتها، واعتماد مصلحة كل عمل على ما يناسبه وتقتضيه مصلحته: من مستخرج ومستغل، ومحمول ومزدرع، ومستعمل ومنفق، ويحذّرهم عن حصول خلل، أو ظهور عجز، أو فتور عزم، أو تقصير رأي، أو ما يقتضي الإنكار ويوجب المؤاخذة، ويشدّد في ذلك ما تقتضيه فرص الأوقات التي ينبغي انتهازها على ما يطالعون به.
- فصل [أموال]«1» الخراج الديوانية:
يحترز عليها وتربّى وتنمّى، ولا يطلق منها شيء إلا بمرسوم شريف منّا، ويطالع بأنّ المرسوم ورد بكذا وكذا ويعود الجواب بما يعتمد في ذلك.
- فصل حقوق الأمراء والبحرية والحلقة «2» المنصورة والجند وجهاتهم:
يستخلص أموالهم ووكلاءهم، ويوجد الشهادات بما عليهم من غلّة
ودراهم، وغير ذلك، ولا يحوج الوكلاء إلى شكوى منهم تتصل بمن هو في البيكار، ويحسم هذه المادّة، ويسدّ أبواب المماطلة عنهم.
- فصل:
يتقدّم إلى الولاة والنّظّار والمستخدمين بعمل أوراق بما يتحصّل للمقطعين الأصلية «1» في كل بلد، ولمقطع الجهة، ولمن أفرد له طين بجهة، ولمن جهته على الرسوم: ليعلم حال المقطعين في هذه السنة الجيشيّة والجهاتيّة وما تحصّل لكل منهم، ولا يحصل من أحد من الولاة مكاشرة ولا إهمال، ولا يطمع في الوكلاء لأجل غيبة الأمراء والمقطعين في البيكار، ولا يحوج أحد من المقطعين إلى شكوى بسبب متأخّر ولا ظليمة ولا إجحاف.
- فصل:
إذا خرج جاندار «2» من مصر إلى الأعمال لا يعطى في العمل أكثر من درهمين نقرة «3» ، ويوصّل الحقّ الذي جاء فيه لمستحقّه؛ فإن حصل منه قال وقيل أو حيف أو تعنّت يرسم عليه، ويسيّر الحقّ مع صاحبه معه، ويطالع بأن فلانا الجاندار حضر وجرى منه كذا وكذا، ويشرح الصورة ليحسم الموادّ بذلك.
- فصل:
إذا سيّر أحد من الولاة رسولا بسبب خلاص حقّ من بعض قرى أعماله فيكون ما يعطى الجاندار عن مسافة سفر يوم نصف نقرة، وعن يومين درهم واحد