الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريقة الثانية (ما كان يكتب في الإقطاعات عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية)
وهو على نحو مما كان يكتب عن خلفاء بني العبّاس.
قال في «موادّ البيان» : والرسم فيها أن يكتب:
أمير المؤمنين بما وهبه الله تعالى: من شرف الأعراق، وكرم الأخلاق، ومنحه من علوّ الشان، وارتفاع السّلطان، يقتدي بإذن الله سبحانه في إفاضة إنعامه وبرّه، على الناهضين بحقوق شكره، ويوقع أياديه عند من يقوم بحقّها، ويتألّفها بحمدها وشكرها، ولا ينفّرها ويوحشها بكفرها وجحدها، ويتحرّى بعوارفه المغارس التي تنجب شجرتها، وتحلولي ثمرتها؛ والله تعالى نسأله أن يوفّقه في مقاصده، ويريه مخايل الخير في مصادره وموارده، ويعينه على إحسان يفيضه ويسبغه، وامتنان يضفيه ويفرغه.
ولما كان فلان بن فلان ممن غرس أمير المؤمنين [إحسانه]«1» لديه فأثمر، وأولاه طوله فشكر، ورآه مستقلّا بالصّنيعة، حافظا للوديعة، مقابلا العارفة بالإخلاص في الطاعة، مستدرّا بالانقياد والتّباعة، أخلاف الفضل والنّعمة (ويوصف الرجل المقطع بما تقتضيه منزلته) ثم يقال: رأى أمير المؤمنين مضاعفة أياديه لديه، ومواصلة إنعامه إليه، وإجابة سؤاله، وإنالته أقاصي آماله، وتنويله ما نحت إليه أمانته، وطمحت نحوه راحته، وإسعافه بما رغب فيه من إقطاعه الناحية الفلانية، أو الدار أو الأرض، أو تسويغه ما يجب عليه من خراج ملكه، وما يجري هذا المجرى. ثم يقال: ثقة بأنّ الإحسان مغروس منه في أكرم مغرس وأزكاه، وأحقّ منزل بالتنويل وأولاه، وخرج أمره بإنشاء هذا المنشور بأنه قد أقطعه الناحية الفلانية، لاستقبال سنة كذا بحقوقها وحدودها، وأرضها العامرة ووجوه جباياتها، (وينص على كلّ حق من حقوقها، وحدّ من
حدودها) فإذا استوفى القول عليه، قال: إنعاما عليه، وبسطا لأمله، وإبانة عن خطره.
فليعلم ذلك كافّة الولاة والنّظّار والمستخدمين من أمير المؤمنين ورسمه، ليعلموا عليه وبحسبه، وليحذروا من تجاوزه وتعدّيه، وليقرّ بيده بعد العمل بما نصّ فيه، إن شاء الله تعالى.
قلت: والتحقيق أنّ لهم في ذلك أساليب: منها ما يفتتح بلفظ «هذا» والمعروف أنه كان يسمّى ما يكتب في الإقطاعات عندهم سجلّات كالذي يكتب في الولايات.
وهذه نسخة منشور من مناشيرهم، من إنشاء القاضي الفاضل لولد من أولاد الخليفة اسمه حسن ولقبه حسام الدين، مفتتح بلفظ «هذا» ، وهي:
هذا كتاب من أمير المؤمنين لولده الذي جلّ قدرا أن يسامى، وقرّ في ناظر الإيمان نورا وسلّته يد الله حساما، وحسن به الزمان فكان وجوده في عطفه حلية والغرّة ابتساما، وأضاءت وجوه السعادة لمنحها «1» بكريم اسمه إتّساما، وتهيّأت الأقدار لأن تجري على نقش خاتم إرادته امتثالا وارتساما- الأمير فلان، جريا على عادة أمير المؤمنين التي أوضح الله فيها إشراق العوائد، واتّباعا لسنّة آبائه التي هي سنن المكارم والمراشد، وارتفادا مع ارتياح [إلى موارد]«2» كرمه التي هي موارد لا يحلّأ «3» عنها وارد، واختصاصا بفضله لمن كفاه من الشّرف أنّه له والد، وعموما بما يسوقه الله على يده من أرزاق العباد، وإنعاما جعل نجله طريقه إلى أن يفيض على كلّ حاضر وباد.
وأمير المؤمنين بحر ينتشيء من آله السّحاب المنزّل، ويمدّهم جوادّ العطاء الأجزل- أمر بكتبه لما عرضت لمقامه رقعة بكذا وكذا، وخرج أمر أمير المؤمنين إلى وليّه وناصره، وأمينه على ما استأمنه الله عليه وموازره، السيد الأجلّ الذي لم تزل آراؤه ضوامن للمصالح كوافل، وشهب تدبيره من سماء التوفيق غير غاربة ولا أوافل، وخدمه لأمير المؤمنين لا تقف عند الفرائض حتّى تتخطّى إلى النّوافل، وجاد فأخلاف النّعم به حوافل، وأقبل فأحزاب الخلاف به جوافل، وأيقظ عيونا من التدبير على الأيّام لا تدّعي الأيّام أنها غوافل- بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بإقطاع ناحية كذا بحدّها، والمعتاد من وصفها المعاد، وما يدلّ عليه الديوان من عبرتها «1» ، ويتحصّل له من عينها وغلّتها، إلى الديوان الفلانيّ:
إقطاعا لا ينقطع حكمه، وإحسانا لا يعفو رسمه، وتسويغا لا يطيش سهمه، وتكميلا لا يمحى وسمه، وتخويلا لا يثنى عزمه، يتصرّف فيه هذا الديوان ويستبدّ به مالكا، ويفاوض فيه مشاركا، ويزرعه متعمّلا ومضمّنا، ويستثمره عادلا في أهله محسنا، لا تتعقّبه الدواوين بتأوّل ما، ولا الأحوال بتحوّل ما، ولا الأيّام بتقلّبها، ولا الأغراض بتعقّبها، ولا اختلاف الأيدي بتنقّلها، ولا تعترضه الأحكام بتأوّلها.
وقد أوجب أمير المؤمنين على كلّ وال أن يتحامى هذه الناحية بضرره، ويقصدها بجميل أثره، ويحيطها بحسن نظره، ويتّقي فيها ركوب عواقب غرره، ويجتنب فيها مطالب ورده وصدره، ونزول مستقرّه، ولا يمكّن منها مستخدما، ولا يكلّف أهلها مغرما، ويجريها مجرى ما هو من الباطل حمى، ما لم يقل فيها بميل، أو يخف من سبلها سبيل؛ وله أن يتطلّب الجاني بعينه، ويقتضيه بأداء ما استوجب من دينه، وأخذه مسوقا بجرائم ذنبه إلى موقف حينه؛ فمن قرأه فليعمل به.
وهذه نسخة سجلّ بإقطاع، عن العاضد آخر خلفاء الفاطميين أيضا لبعض أمراء الدولة، من إنشاء القاضي الفاضل أيضا؛ وهي:
أمير المؤمنين- وإن عمّ جوده كما عمّ فضل وجوده، وسار كثير إحسانه وبرّه في سهول المعمور ونجوده، ورحم الله الخلق بما استأثره دون الخلائق من قربه في سجوده- فإنه يخص بني القربى من جدّه، والضاربين معه في أنصباء مجده: من سلالته الزكيّة، وطينته المسكيّة، وأعراقه الشريفة، وأنسابه المنيفة؛ فكل غرّاء لا تخفى أوضاحها، إلا إذا فاضت أنوارهم، وكل عذراء لا يعهد إسماحها «1» ، إلا إذا راضت أخطارهم.
ولمّا عرضت بحضرته ورقة من ولده الأمير فلان الذي أقرّ الله به عين الإسلام، وأنجز به دين الأيّام، وأطلعه بدرا في سماء الحسب، وجلا بأنواره ظلام النّوب، وامتاح «2» من منبع النبوّة وارتوى، واستولى على خصائص الفضل الجليّ واحتوى، وأعدّ الله لسعد الأمّة ذا مرّة «3» شديد القوى، وأدنى الاستحقاق من الغايات حتّى تأهّب لأن يكون بالواد المقدّس طوى، وأضحت كافّة المؤمنين مؤمّنين على مكارمه، وأمست كافّة الخائفين خائفين من سيل أنفسهم على صوارمه؛ وآراؤه أعلى أن يضاهيها [رأي]«4» وإن جلّ خطره، وأعطيته أرقى أن يدانيها عطاء وإن حسن في الأحوال أثره؛ وإن جلّ خطره؛ وأعطيته أرقى أن يدانيها عطاء وإن حسن في الأحوال أثره؛ وإنما ينبع بملكه منها ما راق بعين اختياره وإيثاره، وسعد بالانتظام في سلك جوده الذي يعرّضه أبدا لانتثاره؛ وتضمّنت هذه الرّقعة الرغبة في كذا وكذا، وذكر الديوان كذا.
خرج أمر أمير المؤمنين إلى فتاه وناصره، ووزيره ومظاهره، السيد الأجلّ الذي انتصر الله به لأمير المؤمنين من أعدائه، وحسم بحسامه ما أعضل من
عارض الخطب ودائه، ونطقت بفضله ألسن حسّاده فضلا عن ألسنة أودّائه، وسخت الملوك بأنفسها أن تكون فداء له إذا حوّزها المجد في فدائه، الذي ذخره الله لأمير المؤمنين من آدم ذخيرة، وجمع له في طاعته بين إيقاظ البصيرة وإخلاص السّريرة، وفضّلت أيامه على أيّام أوليائه بما حلّاها من جميل الأحدوثة وحسن السّيرة، وسهّل عليه التّقوّي في المنافع والعكوف على المصالح، وأجنى من أقلامه ورماحه ثمرات النّصائح، وفاز بما حاز من ذخائر العمل الصالح بالمتجر الرّابح، وألهمه من حراسة قانون الملك ما قضى بحفظ نظامه، ولم ينصرف له عزم إلا إلى ما صرف إليه رضا ربّه ورضا إمامه.
ونفذت أوامره بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجل إلى الديوان الفلانيّ بإقطاعه الناحية وما معها منسوبا إليها وداخلا فيها لاستقبال [سنة] كذا، منحة سائغة، لا يعترضها التكدير، ونعمة سابغة، لا ينقضها التّغيير، وحباء موصول الأسباب، وعطاء بغير منّ ولا حساب، يتحكّم فيه على قضايا الاختيار، وتنفذ فيه أوامره الميمونة الإيراد والإصدار.
ومنها- أن يفتتح السّجلّ بلفظ: «إنّ أمير المؤمنين» ويذكر من وصفه ما سنح له، ثم يذكر حكم الإقطاع، وكيفية خروجه.
وهذه نسخة سجلّ من ذلك كتب به لبعض وزرائهم، من إنشاء القاضي الفاضل؛ وهي:
إنّ أمير المؤمنين لما أطلق الله يد برّه من أميال تبدو على الأحوال شواهد آثارها، وتروض الآمال سحائبها بسائب مدرارها، وتتنزّه مواعدها عن إنظارها، ومواردها عن أن يؤتى بأنظارها، ويقوم بناصرها فيكون أقوى أعوانها على الشكر وأنصارها، وألهمه من مواصلة المنن التي لا تنقطع روايتها ولا تتناهى مراتبها، وموالاة المنح التي تهبّ على جناب الخير شمائلها وجنائبها، وتلتقي في مسارح المدائح غرائبها ورغائبها، وحبّبه إليه من انتهاز فرص المكارم في الأكارم، وابتداء المعروف وابتدار مغانمه التي لا تعقبها مغارم- يولي آلاءه من يجزي عن
حسنتها عشرا، ويعقل عقائلها عند من يسوق إليها من استحقاقها مهرا، ويقابل بالإحسان إحسان أجلّ أوليائه قدرا، ويضاعف الامتنان عند من لم يضعف في موازرته أزرا، ويودع ودائع جوده في المغارس الجيّدة بالزّكاء والنّماء، ويزكّي أصول معروفه لمن يفتخر بالانضواء إلى موالاته والانتماء، ويستكرم مستقرّ مننه وآلائه، ويحسن إلى الإحسان ثم يبتهج بموالاته لديه وإيلائه.
ولما كان السيد الأجلّ أمير الجيوش آية نصر أمير المؤمنين التي انبرت فما تبارى، ونعمة الله التي أشرقت أنوارها وأورت فما تتوارى، وسيف حقّه الذي لا تكلّ مقاطعه، وبحر جوده الذي لا تكدّر مشارعه، والمستقلّ من الدّفاع عن حوزته بما عجزت عنه الأمم، والعليّ على مقدار الأقدار إذا تفاوتت قيم الهمم، والكاشف الجلّى عن دولته وقد عظمت مظالم الظّلم، والجامع على المماراة والمواراة قلب المؤالف والمخالف ولسان العرب والعجم، والمتبوّيء من الملك ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، والمتوقّل «1» من الفخر محلّا لا يطمع النّجم فيه من بعده، والمغير على الحرب العوان بقبليّة البكر، والمنفّذ بمبتدع العزمات ما لولا وقوعه لما وقع [في]«2» الفكر، والقاضي للدّين بحدّ سيوفه مطلول حقّه وممطول دينه، والقائم لأمير المؤمنين مقاما قام به أبوه في نصرة جدّه صلى الله عليهما يوم بدره ويوم حنينه.
ولقد أظهر الله آيات نضارة نظره على الأرض فأخذت زخرفها وازّينت، وابتدت أيديه الجنى فتظاهرت أدلّتها على دولته وتبينت، واستلأمت «3» المملكة من تدبيره بجنّة تتحاماها الأقدار وهي سهام، ووثقت من عنايته إلى هجر الخطوب بما يعيد نارها وهي برد وسلام؛ وما ضرّها مع تيقّظ جفنه أن يهجع في جفنه طرف الحسام، ولا احتاجت وقلبه يساور جسيم أمورها أن تتعب في وأدها
الأجسام؛ فأيّ خير يولى- وإن عظم- يناهض استحقاقه؟ وأيّ غاية وإن جلّت تروم نيل مدى مسعاه ولحاقه؟؛ وأنّى لأعراض الدنيا أن تهدي لجوهره عرضا، ولا تبلغ مبالغ النعم الجلائل أن تعتدّ اليوم من مساعيه عوضا؟، وهل لأمير المؤمنين أعمال في مجازاته عن قيامه بغمد رأيه ومجرّد عضبه، ودفاعه عن حوزة عدّته وذبّه، وكرّه في مواقف كربه، وكفايته للأمة في سلمه وحربه، وإيالته التي خصّ الأرض منها فضل خصبه، إلا أن يذكره بقلبه عند ربّه، وأن يرفع الحجب عند كلّ سؤال كما يرفع الله عند دعائه مسدل حجبه؟.
وعرضت بحضرة أمير المؤمنين مطالعة منه عن خبر باسمه الكريم مقصور على الرّغبة في خروج الأمر بتمليك جهته التي تقوم عدّتها عدّة ألف، مستخرجا بها الخطّ الشريف بإمضاء التمليك وإجازته، وتسليم الملك وحيازته.
فتلقّى أمير المؤمنين هذه الرغبة بإفراز جرى فيه من الأوامر على أفضل سنن، وتقبّلها منه بقبول حسن، وتهللت عليه لسؤاله مصابيح الطّلاقة والبشر، ونفذت «1» مواقع توقيعه ما لا تبلغه مواقع ماء المزن في البلد القفر، وشمله خطّه الشريف بما نسخته: خرج أمره إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السّجلّ بتمليك الجهة المقدّم ذكرها بجميع حدودها وحقوقها، وظاهرها وباطنها، وأعاليها وأسافلها، وكلّ حقّ لها، داخل فيها وخارج عنها، وما هو معروف بها ومنسوب إليها، تمليكا مخلّدا، وإنعاما مؤبّدا، وحقّا مؤكّدا، يجري على الأصل والفرع، ويحكم أحكام الكرم والشّرع، ماضيا لا تتعقّب حدوده بفسخ، جائزا لا تتجاوز عقوده بنسخ، موصولة أسبابه فلا تتطرّق أسباب التغيير إليها، موروثا حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.
فليعتمد كافّة ولاة الدّواوين، ومن يليهم من المتصرّفين، حمل الأمر على موجبه، والحذر من تعدّيه وتعقّبه، وامتثال ما رسمه أمير المؤمنين وحدّه،