الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إقطاع خراجها فسيأتي في إقطاع الاستغلال فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وإن كان الموات قد مات عنه أربابه من غير وارث، صار لبيت المال ملكا لعامّة المسلمين. ثم قيل: تصير وقفا على المسلمين بمجرّد الانتقال إلى بيت المال، لا يجوز إقطاعها ولا بيعها. وقيل: لا تصير وقفا حتّى يقفها الإمام؛ ويجوز للإمام بيعها إذا رأى فيه المصلحة ويصرف ثمنها في ذوي الحاجات. ثم قيل: يجوز إقطاعها كما يجوز بيعها، ويكون تمليك رقبتها بالإقطاع كتمليك ثمنها. وقيل: لا يجوز إقطاعها وإن جاز بيعها: لأن البيع معاوضة والإقطاع صلة.
الضرب الثاني (من الإقطاع إقطاع الاستغلال)
«1» فأما الخراج: فإن كان من يقطعه الإمام من أهل الصّدقات لم يجز أن يقطع مال الخراج: لأن الخراج فيء لا يستحقّه أهل الصدقة كما لا يستحقّ الصدقة أهل الفيء؛ وأجاز إقطاعه أبو حنيفة.
وإن كان من أهل المصالح ممن ليس له رزق مفروض فلا يصحّ أن يقطعه على الإطلاق، وإن جاز أن يعطى من مال الخراج: لأنهم من نفل أهل الفيء لا من فرضه، وما يعطونه إنما هو من غلّات المصالح؛ فإن جعل لهم من مال الخراج شيء أجري عليه حكم الحوالة لا حكم الإقطاع.
وإن كان من مرتزقة أهل الفيء وهم أهل الجيش، فهم أخصّ الناس بجواز الأقطاع: لأن لهم أرزاقا مقدّرة تصرف إليهم مصرف الاستحقاق، من حيث إنها أعواض عما أرصدوا نفوسهم له من حماية البيضة والذّبّ عن الحريم.
ثم الخراج: إما جزية وهو الواجب على الجماجم، وإما أجرة وهو الواجب على رقاب الأرض. فإن كان جزية لم يجز إقطاعه أكثر من سنة، لأنه غير موثوق باستحقاقه بعدها لاحتمال أن يسلم الذمّيّ فتزول الجزية عنه. وإن كان أجرة جاز إقطاعه سنين لأنه مستقرّ الوجوب على التأييد.
ثم له ثلاث أحوال:
إحداها- أن يقدّر بسنين معلومة، كما إذا أقطعه عشر سنين مثلا، فيصحّ، بشرط أن يكون رزق المقطع معلوم القدر عند الإمام، وأن يكون قدر الخراج معلوما عند الإمام وعند المقطع، حتّى لو كان مجهولا عندهما أو عند أحدهما لم يصحّ. ثم بعد صحّة الإقطاع يراعى حال المقطع في مدّة الإقطاع: فإن بقي إلى إنقضاء مدّة الإقطاع على حال السلامة فهو على استحقاق الإقطاع إلى انقضاء المدّة، وإن مات قبل انقضاء المدّة بطل الإقطاع في المدّة الباقية، ويعود الإقطاع إلى بيت المال. وإن كان له ذرّية دخلوا في عطاء الذراريّ دون أرزاق الأجناد، ويكون ما يعطونه تسبّبا لا إقطاعا. وإن حدث بالمقطع زمانة في تلك المدّة ففي بقاء الإقطاع قولان:(أحدهما) أنّ إقطاعه باق عليه إلى انقضاء المدّة (والثاني) أنه يرتجع منه.
الثانية- أن يقطعه مدّة حياته ثم لعقبه وورثته بعد موته، فلا يصحّ: لأنه يخرج بذلك عن حقوق بيت المال إلى الأملاك الموروثة، فلو قبض منه شيئا بري أهل الخراج بقبضه: لأنه عقد فاسد مأذون فيه ويحاسب به من جملة رزقه:
فإن كان أكثر ردّ الزيادة، وإن كان أقلّ رجع بالباقي؛ وعلى السلطان أن يظهر فساد الإقطاع حتّى يمتنع هو من القبض ويمتنع أهل الخراج من الدّفع ولم يبرأوا بما دفعوه إليه حينئذ.
الثالثة- أن يقطعه مدّة حياته. ففي صحّة الإقطاع قولان للشافعي بالصحّة والبطلان؛ ثم إذا صحّ الإقطاع فللسلطان استرجاعه منه بعد السنة التي هو فيها، ويعود رزقه إلى ديوان العطاء. أما السنة التي هو فيها: فإن حلّ رزقه فيها قبل حلول خراجها لم يسترجع منه في سنته لاستحقاق خراجها في رزقه، وإن حل
خراجها قبل حلول رزقه جاز استرجاعه منه: لأنّ تعجيل المؤجّل وإن كان جائزا فليس بلازم.
وأما العشر فلا يصحّ إقطاعه، لأنه زكاة الأصناف، فيعتبر وصف استحقاقهم عند دفعها إليهم؛ وقد يجوز أن لا يوجد فلا تجب.
قلت: هذا حكم الإقطاع في الشريعة، وعليه كان عمل الخلفاء والملوك في الزمن السالف؛ أما في زماننا فقد فسد الحال وتغيّرت القوانين، وخرجت الأمور عن القواعد الشرعية، وصارت الإقطاعات ترد من جهة الملوك على سائر الأموال: من خراج الأرضين، والجزية، وزكاة المواشي، والمعادن، والعشر، وغير ذلك. ثم تفاحش الأمر وزاد حتّى أقطعوا المكوس على اختلاف أصنافها، وعمّت بذلك البلوى؛ والله المستعان في الأمور كلّها.