الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسلوب الثاني (أن لا يتعرّض في الأمان لالتماس المستأمن الأمان)
وهذه نسخة أمان على هذا الأسلوب، أورده أبو الحسين بن الصابي «1» في كتابه «غرر البلاغة» ونصه بعد البسملة:
هذا كتاب من فلان مولى أمير المؤمنين لفلان.
إننا أمّنّاك على نفسك ومالك وولدك وحرمك، وسائر ما تحويه يدك، ويشتمل عليه ملكك، بأمان الله جلّت أسماؤه، وعظمت كبرياؤه، وأمان محمد رسوله صلى الله عليه وسلم، وأماننا- أمانا صحيحا غير معلول، وسليما غير مدخول، وصادقا غير مكذوب، وخالصا غير مشوب، لا يتداخله تأويل، ولا يتعقّبه تبديل، قد كفله القلب المحفوظ، وقام به العهد الملحوظ- على أن تشملك الصّيانة فلا يلحقك اعتراض معترض، وتكنفك الحراسة فلا يطرقك اغتماض مغتمض، وتعزّك النّصرة فلا ينالك كفّ متخطّف، ولا تمتدّ إليك يد متطرّف، بل تكون في ظلّ السلامة راتعا، وفي محاماة الأمانة وادعا، وبعين المراعاة ملحوظا، ومن كلّ تعقّب وتتبّع محفوظا؛ لك بذلك عهد الله الذي لا يخفر، ومواثيقه التي لا تنكث، وذمامه الذي لا يرفض، وعهده الذي لا ينقض.
المذهب الثاني (مما يكتب به في الأمانات لأهل الإسلام- أن يفتتح الأمان بلفظ: «رسم» كما تفتتح صغار التواقيع والمراسيم؛ وهي طريقة غريبة)
وهذه نسخة أمان على هذا النّمط، أوردها محمد بن المكرّم أحد كتّاب ديوان الإنشاء في الدولة المنصورية «قلاوون» في تذكرته التي سماها:«تذكرة اللّبيب» كتب بها عن المنصور قلاوون المقدّم ذكره، للتّجّار الذي يصلون إلى
مصر من الصّين والهند والسّند واليمن والعراق وبلاد الرّوم، من إنشاء المولى فتح الدّين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية؛ وهي:
رسم «1» - أعلى الله الأمر العالي- لا زال عدله يحلّ الرعايا من الأمن في حصن حصين، ويستخلص الدعاء لدولته الزاهرة [من]«2» أهل المشارق والمغارب فلا أحد إلا وهو من المخلصين، ويهيّيء برحابها للمعتفين جنّة عدن من أيّ أبوابها شاء الناس دخولا: من العراق، من العجم، من الرّوم، من الحجاز، من الهند، من الصّين- أنه من أراد من الصّدور الأجلّاء الأكابر التّجّار وأرباب التّكسّب، وأهل التّسبّب، من أهل هذه الأقاليم التي عدّدت والتي لم تعدّد، ومن يؤثر الورود إلى ممالكنا إن أقام أو تردّد- النّقلة إلى بلادنا الفسيحة أرجاؤها، الظّليلة أفياؤها وأفناؤها، فليعزم عزم من قدّر الله له في ذلك الخير والخيرة، ويحضر إلى بلاد لا يحتاج ساكنها إلى ميرة ولا إلى ذخيرة: لأنها في الدنيا جنّة عدن لمن قطن، ومسلاة لمن تغرّب عن الوطن؛ ونزهة لا يملّها بصر، ولا تهجر للإفراط في الخصر «3» ، والمقيم بها في ربيع دائم، وخير ملازم؛ ويكفيها أن من بعض أوصافها أنها شامة الله في أرضه، وأن بركة الله حاصلة في رحل من جعل الإحسان فيها من قراضه والحسنة من قرضه، ومنها ما إذا أهبط إليها آمل كان له ما سأل، إذ أصبحت دار إسلام بجنود تسبق سيوفهم العذل؛ وقد عمّر العدل أوطانها، وكثّر سكّانها، واتّسعت أبنيتها إلى أن صارت ذات المدائن، وأيسر المعسر فيها فلا يخشى سورة المداين؛ إذ المطالب بها غير متعسّرة، والنّظرة فيها إلى ميسرة، وسائر الناس وجميع التّجار، لا يخشون فيها من يجور فان العدل قد أجار.
فمن وقف على مرسومنا هذا من التّجار المقيمين باليمن والهند، والصّين والسّند، وغيرهم، فليأخذ الأهبة في الارتحال إليها، والقدوم عليها، ليجد الفعال من المقال أكبر، ويرى إحسانا يقابل في الوفاء بهذه العهود بالأكثر، ويحلّ منها في بلدة طيّبة وربّ «1» غفور، وفي نعمة جزاؤها الشّكر- وهل «2» يجازى إلا الشّكور- وفي سلامة في النّفس والمال، وسعادة تجلّي الأحوال وتموّل الآمال؛ ولهم منا كلّ ما يؤثرونه: من معدلة تجيب داعيها، وتحمد عيشتهم دواعيها، (وتبقي أموالهم على مخلّفيهم، وتستخلصهم لأن يكونوا متفيّئين في ظلالها وتصطفيهم)«3» ؛ ومن أحضر معه بضائع من بهار وأصناف تحضرها تجّار الكارم فلا يحاف عليه في حقّ، ولا يكلّف أمرا يشقّ، فقد أبقى لهم العدل ما شاق ورفع عنهم ما شقّ؛ ومن أحضر معه منهم مماليك وجواري فله في قيمتهم ما يزيد على ما يريد، والمسامحة بما يتعوّضه بثمنهم على المعتاد في أمر من يجلبهم من البلد القريب فكيف من البعيد: لأن رغبتنا مصروفة إلى تكثير الجنود، ومن جلب هؤلاء فقد أوجب حقّا على الجود؛ فليستكثر من يقدر على جلبهم، ويعلم أن تكثير جيوش الإسلام هو الحاثّ على طلبهم: لأنّ الإسلام بهم اليوم في عزّ لواؤه المنشور، وسلطانه المنصور، ومن أحضر منهم فقد أخرج من الظلمات إلى النّور، وذمّ بالكفر أمسه وحمد بالإيمان يومه، وقاتل عن الإسلام عشيرته وقومه.
هذا مرسومنا إلى كلّ واقف عليه من تجّار شأنهم الضّرب في الأرض:
يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
«4» ، ليقرأوا منه ما تيسّر لهم من حكمه، ويهتدوا «5» بنجمه، ويغتذوا «6» بعلمه، ويمتطوا «7» كاهل الأمل الذي يحملهم على الهجرة، ويبسطوا «8» أيديهم بالدّعاء لمن يستدني إلى بلاده