الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ
«1» ، وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ
«2»
الطرف الثاني (في الأقسام التي تقسم بها الخلق؛ وهي على ضربين)
الضّرب الأوّل (ما كان يقسم به في الجاهليّة)
اعلم أنّ مبنى الأيمان على الحلف بما يعظّمه الحالف ويتّحرّز من الحنث عند الحلف به. فأهل كلّ ملّة يحلفون بما هو عظيم لديهم في حكم ديانتهم. ولا خفاء في أنّ كلّ معترف لله تعالى بالرّبوبيّة من أهل الديانات يحلف به، سواء كان من أهل الكتاب أو مشركا، ضرورة اعترافهم بألوهيّته تعالى، والانقياد إلى ربوبيّته.
وقد حكى الله تعالى عن الكفّار في القرآن الكريم رعاية القسم بالله فقال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها
«3» وقال جلّ وعزّ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ
«4» ، وقال جلّ من قائل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ
«5» ثم اليهود يحلفون بالتّوراة، والنّصارى يحلفون بالإنجيل، وعبدة الأوثان من العرب كانوا يحلفون بأوثانهم؛ وكان أكثر حلف عرب الحجاز باللّات والعزّى.
وربما جنحوا عن صورة القسم إلى ضرب من التّعليق، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعليّ كذا، أو فأنا كذا، أو فأكون مخالفا لكذا أو خارجا عن كذا أو داخلا في كذا، وما أشبه ذلك.
وقد كانت العرب تأتي في نظمها ونثرها [عند]«1» حلفها بالتّعليق بإضافة المكروه إلى مواقعة ما يحذرونه: من هلاك الأنفس والأموال، وفساد الأحوال، وما يجري مجرى ذلك.
قال الجاحظ: قال الهيثم: يمين لا يحلف بها أعرابيّ أبدا، وهي أن يقول:
لا أورد الله لك صافيا «2» ، ولا أصدر لك واردا، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك، يعني إن فعلت كذا.
وقال النّابغة الذّبيانيّ:
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه
…
إذا فلا رفعت سوطي إليّ يدي
وقال الأشتر النّخعيّ:
بقّيت وفري وانحرفت عن العلى،
…
ولقيت أضيافي بوجه عبوس!
إن لم أشنّ على ابن حرب غارة
…
لم تخل يوما من نهاب نفوس!
وقال معد [ان]«3» بن جوّاس الكنديّ:
إن كان ما بلّغت عنّي، فلا منى
…
صديقي وشلّت من يديّ الأنامل!
وكفّنت وحدي منذرا بردائه
…
وصادف حوطا من أعاديّ قاتل!