الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملة الثالثة (المجوسيّة
: وهي الملّة التي كان عليها الفرس ومن دان بدينهم) وهم ثلاث فرق:
الفرقة الأولى- الكيومرتيّة
- نسبة إلى كيومرث، ويقال: جيومرت بالجيم بدل الكاف. وهو مبدأ النّسل عندهم كآدم عليه السلام عند غيرهم، وربّما قيل:
إن كيومرث هو آدم عليه السلام. وهؤلاء أثبتوا إليها قديما وسمّوه يزدان، ومعناه النّور، يعنون به الله تعالى، وإلها مخلوقا سمّوه أهرمن، ومعناه الظّلمة، يعنون به إبليس. ويزعمون أن سبب وجود أهرمن أنّ يزدان فكّر في نفسه أنه لو كان له منازع كيف يكون، فحدث من هذه الفكرة الرّدية أهرمن، مطبوعا على الشّرّ والفتنة والفساد والضّرر والإضرار، فخرج على يزدان وخالف طبيعته، فجرت بينهما محاربة كان آخر الأمر فيها على أن اصطلحا أن يكون العالم السّفليّ لأهرمن سبعة آلاف سنة، ثم يخلّي العالم ويسلّمه ليزدان. ثم إنه أباد الذين كانوا في الدّنيا قبل الصّلح وأهلكهم، وبدأ برجل يقال له كيومرت، وحيوان يقال له الثّور، فكان من كيومرت البشر ومن الثّور البقر وسائر الحيوان.
وقاعدة مذهبهم تعظيم النور، والتّحرّز من الظّلمة، ومن هنا انجرّوا إلى النار فعبدوها: لما اشتملت عليه من النور. ولمّا كان الثّور هو أصل الحيوان عندهم المصادف لوجود كيومرت، عظّموا البقر حتّى تعبّدوا بأبوالها.
الفرقة الثانية- الثّنويّة
- وهم على رأي الكيومرتيّة في تفضيل النّور والتحرّز من الظّلمة، إلا أنهم يقولون: إن الاثنين اللذين هما النور والظلمة قديمان.
الفرقة الثالثة- الزّرادشتية
الدائنون بدين المجوسيّة- وهم أتباع زرادشت الذي ظهر في زمن كيستاسف «1» السّابع من ملوك
الكيانية، وهم الطّبقة الثانية من ملوك الفرس، وادّعى النبوّة وقال بوحدانيّة الله تعالى، وأنّه واحد لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ، وأنه خالق النّور والظّلمة ومبدعهما، وأن الخير والشّرّ والصّلاح والفساد إنما حصل من امتزاجهما، وأن الله تعالى هو الذي مزجهما لحكمة [رآها] في التركيب، وأنهما لو لم يمتزجا لما كان وجود للعالم، وأنّه لا يزال الامتزاج حتّى يغلب النّور الظّلمة، ثم يخلص الخير في عالمه وينحطّ الشّر إلى عالمه، وحينئذ تكون القيامة. وقال باستقبال المشرق حيث مطلع الأنوار، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، واجتناب الخبائث. وأتى بكتاب قيل صنّفه، وقيل أنزل عليه.
قال الشّهرستاني: اسمه «زندوستا» «1» وقال المسعوديّ في «التنبيه والإشراف» : واسم هذا الكتاب «الإيستا» وإذا عرّب أثبتت فيه قاف فقيل:
«الإيستاق» وعدد سوره إحدى وعشرون سورة، تقع كلّ سورة في مائتي ورقة؛ وعدد حروفه ستّون حرفا، لكلّ حرف سورة مفردة، فيها حروف تتكرر وفيها حروف تسقط. قال: وزرادشت هو الذي أحدث هذا الخطّ والمجوس تسمّيه: دين تبره، أي كتاب الدين.
وذكر أنه كتب باللغة الفارسيّة الأولى في اثني عشر ألف جلد ثور بقضبان الذّهب حفرا، وأن أحدا اليوم لا يعرف معنى تلك اللغة، وإنما نقل لهم إلى هذه الفارسية شيء من السّور في أيديهم يقرؤونها في صلواتهم: في بعضها الخبر عن مبتدإ العالم ومنتهاه، وفي بعضها مواعظ. قال: وعمل زرادشت لكتاب «الإيستا» شرحا سماه «الزند» ومعناه عندهم: ترجمة كلام الرّب، ثم عمل لكتاب «الزند» شرحا سماه:«بادزنده» وعملت علماؤهم لذلك الشّرح شرحا سموه: «يازده» .
ومن حيث اختلاف الناس في كتاب زرادشت المقدّم ذكره هذا: نزّل عليه أو صنّفه قال الفقهاء: إن للمجوس شبهة كتاب: لأنه غير مقطوع بكونه كتابا منزّلا.
وأتى زرادشت كيستاسف الملك بمعجزات.
منها: أنه أتى بدائرة صحيحة بغير آلة، وهو ممتنع عند أهل الهندسة.
ومنها: أنه مرّ على أعمى، فأمرهم أن يأخذوا حشيشة سمّاها ويعصروها في عينيه، فأبصر. قال الشّهرستانيّ: وليس ذلك من المعجزة في شيء، إذ يحتمل أنه كان يعرف خاصّة الحشيشة.
وهم يقولون: إن الله تعالى خلق في الأوّل خلقا روحانيّا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ الله تعالى مشيئته في صورة من نور متلأليء على [تركيب]«1» صورة الإنسان، وخلق الشّمس والقمر والكواكب والأرض (وبنو آدم حينئذ غير متحرّكين) في ثلاثة آلاف سنة.
ثم المجوس يفضّلون الفرس على العرب وسائر الأمم، ويفضّلون مالهم:
من مدن وأبنية على غيرها من الأبنية؛ فيفضّلون إقليم بابل على غيره من الأقاليم، ومدينته على سائر المدن، من حيث إنّ أو شهنج أوّل طبقة الكيانية «2» من ملوك الفرس هو الذي بناها؛ ويقولون: إنه أوّل من جلس على السّرير، ولبس التّاج، ورفع الأعمال، ورتّب الخراج؛ وكان ملكه بعد الطّوفان بمائتي سنة، وقيل: بل كان قبل الطوفان.
ويفضّلون الكتابة الفهلوية وهي الفارسية الأولى على غيرها من الخطوط، ويزعمون أن أوّل من وضعها طهمورث: وهو الذي ملك بعد أو شهنج المقدّم ذكره.
ويجحدون سياسة بني ساسان، وهم الطّبقة الثالثة «3» من ملوك الفرس منسوبون إلى ساسان، ويسخطون [على]«4» الروم، لغزوهم الفرس وتسلّطهم
عليهم ببلاد بابل، ويعبدون النّار، ويرون أنّ الأفلاك فاعلة بنفسها، ويستبيحون فروج المحارم من البنات والأمّهات، ويرون جواز الجمع بين الأختين إلى غير ذلك من عقائدهم.
ويعظّمون النّيروز: وهو أوّل يوم من سنتهم وعيدهم الأكبر. وأوّل من رتّبه جمشيد أخو طهمورث. ويعظّمون أيضا المهرجان: وهو عيد مشهور من أعيادهم.
ويسخطون [على] بيوراسب؛ وهو رابع ملوكهم: وهو الضحاك، يقال له بالفارسية: الدهاش، ومعناه عشر آفات. وكان ظلوما غشوما، سار فيهم بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل، وسنّ العشور والمكوس واتّخذ المغنّين والملاهي، وكان على كتفه سلعتان مستورتان بثيابه يحرّكهما إذا شاء، فكان يدّعي أنهما حيّتان، تهويلا على ضعفاء العقول، ويزعم أن ما يأخذه من الرّعية يطعمه لهما ليكفّهما عن الناس، وأنهما لا يشبعان إلا بأدمغة بني آدم؛ فكان يقتل في كلّ يوم عددا كثيرا من الخلق بهذه الحجة. ويقال: إن إبراهيم الخليل عليه السلام كان في آخر أيامه.
وكان من شأنه أنه لما كثر جوره وظلمه على الناس، ظهر بأصبهان رجل اسمه كابي، ويقال: كابيان من سفلة الناس، قيل حدّاد، كان الضّحّاك قد قتل له ابنين فأخذ كابي المذكور درفسا، وهو الحربة، وعلّق بأعلاها قطعة نطع كان يتّقي بها النّار، ونادى في الناس بمحاربة الضّحّاك، فأجابه خلق كثير، واستفحل أمره، وقصد الضّحاك بمن معه، فهرب الضّحاك منه، فسأله الناس أن يتملّك عليهم فامتنع لكونه من غير بيت الملك، وأشار بتولية إفريدون من عقب جمشيد المقدّم ذكره، فولّوه، فتبع الضّحاك فقبض عليه وقتله، وسار فيهم بسيرة العدل وردّ ما اغتصبه الضحّاك إلى أهله، فصار لكابي المذكور عندهم المقام الأعلى، وعظّموا درفسه الذي علق به تلك القطعة من النّطع، وكللوه بالجواهر، ورصّعوه باليواقيت، ولم يزل عند ملوكهم يستفتحون به في الحروب العظيمة حتّى كان
معهم أيام يزدجرد آخر ملوكهم عند محاربة المسلمين لهم في زمن عثمان، فغلبهم المسلمون واقتلعوه منهم.
وهم يعظمون أفريدون ملكهم المقدّم ذكره، لقيامه في هلاك الضّحاك وقتله. وفي أوّل ملك أفريدون هذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام. ويقال: إنه ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم.
وهم يعظمون أيضا من ملوكهم سابور الملقّب بذي الأكتاف، لأخذه بثار العجم من العرب. وذلك أنه كان يتبع العرب بالجزيرة الفراتيّة وما جاورها، وسار في طلبهم حتّى بلغ البحرين، ليهلكهم قتلا، لا يقبل من أحد منهم فداء؛ ثم أخذ في خلع أكتافهم، فلذلك سمّي ذا الأكتاف.
ويعظمون ماني بن فاتن «1» : وهو رجل ظهر في زمن سابور بن أردشير بعد عيسى عليه السلام، وادّعى النبوّة وأحدث دينا بين المجوسية والنّصرانية. وكان يقول: بنبوة المسيح عليه السلام، ولا يقول بنبوّة موسى عليه السلام، وقال: إنّ العالم مصنوع من النّور والظّلمة، وأنهما لم يزالا قديمين حسّاسين سميعين بصيرين. وله أتباع يعرفون بالمانويّة.
ويتبرؤون من مزدك: وهو رجل مشهور منسوب عندهم إلى الزندقة أيضا، ظهر في زمن قباذ أحد ملوك الفرس من الأكاسرة، وادّعى النبوّة ونهى عن المخالفة والمباغضة، وزعم أنّ ذلك إنما يحصل بسبب النساء والمال، فأمر بالاشتراك والمساواة فيهما، وتبعه قباذ على ذلك، فتوصّلت سفلة الرجال إلى أشراف النّساء، وحصل بذلك مفسدة عظيمة. وكان يقول: إن النّور عالم حساس، والظلام جاهل أعمى، والنّور يفعل بالقصد والاختيار، والظّلمة تفعل على الخبط والاتفاق، وإنّ امتزاج النّور والظّلمة كان بالاتفاق والخبط دون القصد والاختيار، وكذلك الخلاص. وله أتباع يقال لهم المزدكيّة، ولم يزل على ذلك حتّى قتله