الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه قصدنا، وأن نعاجله بما حضر عندنا، متوافرة الأعداد، غنيّة عن الاستمداد، غير مفتقرة إلى الازدياد؛ ومع هذا فقد أمرنا أهل الجهات كلّها باللّحاق بنا، وأن ينهض جميع أعدادهم من الخيل والبطل والرّماة على سبيلنا ومذهبنا، لتكون الأيدي في هذه المصلحة العامّة واحدة، والعقائد في دفع هذا الضرر عن الكافّة متعاقدة، حتّى يذهب أثر هذه النكّبة وعينها «1» ، ويزول عن بهجة الإحقاق والاتّفاق شينها «2» ؛ وإذا وجب على أهل هذه الجهات أن ينفروا في هذه الدّعاة خفافا وثقالا، ويبادروا ركبانا ورجالا، كان الوجوب في حقّكم وجوبين، والفرض عليكم فرضين؛ لما يخصّكم من هذه المصلحة التي أنتم أولى من يجتلي صورها، ويجتني ثمرها، ويجدّ في حاله واستقباله إثرها؛ فليكن استعدادكم بحسب ذلكم، واستوعبوا جميع أنجادكم، من خيلكم ورماتكم ورجالكم؛ وكونوا واقفين على قدم التأهّب إلى أن يكون الاجتياز من هنالكم؛ إن شاء الله تعالى والسلام» .
الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «أما بعد» وهو على ضربين)
الضرب الأوّل (أن تعقّب البعدية بالحمد لله، ويؤتى على الخطبة إلى آخرها، ثم يتخلّص إلى المقصود ويختم بالسلام على نحو ما تقدّم)
كما كتب أبو عبد الله بن الجيان «3» عن أبي عبد الله بن هود «4» أيضا إلى أكابر
بلده بالرّفق بالرعية عند ورود كتابهم عليه بتحصين البلد، وبلوغه جور المستخدمين بها على الرعية، وهو:
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحقّ ورافعه، ومولي متوالي الإنعام ومتابعه؛ والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله مشفّع الحشر وشافعه، المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه؛ وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه، والذابّين عن حوزة الإسلام، بمواضي الاعتزام، وقواطعه؛ والرضا عن الخليفة الإمام العباسيّ «1» أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سموّ مطالعه.
فإنا كتبنا إليكم- كتب الله لكم عزّة قدحها «2» بالثبوت فائز، وسعادة قسطها للنماء حائز- من فلانة «3» ، وكلمة الحق منصورة اللواء، منشورة الأضواء؛ والتوكّل على الله في الإعادة والإبداء، والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء، وحمد الله تعالى وشكره وصّلنا إلى نيل مزيد النّعماء والآلاء؛ ومكانتكم لدينا مكانة السّنيّ المناصب، المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب، المتحلّي في الغناء والاكتفاء، والخلوص والصّفاء، بأكرم السّجيّات والمناقب، المعلوم ما لديه من المصالحة السالكة بأكرم السّجيّات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسّنن اللاحب «4» .
وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وما رأيتموه من المصلحة في تحصينها، والاجتهاد في أسباب تأمينها؛ ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح، وتتوخّون ما تتوسّمون فيه النّجاح؛ لكن أهمّ الأمور عندنا، وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا، الرفق بالرعيّة، وحملها على قوانين الإحسان المرعيّة- وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب [أهل] فلانة «1» المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرّفين فيهم، ويتظلّمون من متحيّفيهم «2» ومتعسّفيهم؛ وفي هذا ما لا يخفى عليكم، ولا ترضون به لو انتهى إليكم؛ فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور، ولا يعلم طريقة الرّفق الجارية بوفق الخاصة والجمهور، أعاد التسكين تنفيرا، والتيسير تعسيرا، وتعلمون أنا لا نقدّم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا، ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا؛ وأنتم أولى من يعتقد فيه أنه يكمّل هذا المقصد، ويتحرّى في مصالح الرّعايا هذا السّنن الأرشد؛ وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم، ويبسط أملهم، وعرّفناهم بأنكم لو علمتم من جار عليهم من الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتقده، وأشعرناهم بأنّا قد استوصيناكم بهم خيرا، ونبّهناكم على ما يدفع عنه ضيما ويرفع ضيرا؛ وأنتم- إن شاء الله- تستأنفون نظرا جميلا، وتؤخّرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا، وتقدّمون عليهم من تحسن فيهم سيرته، وتكرم في تمشيته الرّفق علانيته وسريرته، ومثلكم لا يؤكّد عليه في مذهب تحسن عواقبه، وغرض يوافقه القصد الاحتياطيّ ويصاحبه، إن شاء الله تعالى والسلام.