الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن المشافهة أنه إن حصل التصميم على أن لا تبطل هذه الإغارات، ولا يقتصر «1» عن هذه الإثارات؛ فتعيّن مكانا يكون فيه اللّقاء، ويعطي الله النصر لمن يشاء؛ فالجواب عن ذلك أن الأماكن التي اتّفق فيها ملتقى الجمعين مرّة ومرّة ومرة قد عاف مواردها من سلف «2» من أولئك القوم، وخاف أن يعادوها فيعادوه مصرع ذلك اليوم؛ ووقت اللّقاء علمه عند الله لا يقدر، وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر؛ وما «3» نحن ممن ينتظر فلته، ولا ممّن له إلى غير ذلك لفته، وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغته؛ والله تعالى الموفّق لما فيه صلاح هذه الأمة، والقادر على إتمام كلّ خير ونعمه؛ إن شاء الله تعالى. مستهلّ شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وثمانين وستمائة. الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه. حسبنا الله ونعم الوكيل.
الأسلوب الثاني (أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطها «بقوّة الله تعالى وميامين الملة المحمدية» )
ويكون «بقوّة الله تعالى» سطرا. و «ميامين الملة المحمدية» سطرا ثانيا. ثم يؤتى ببعديّة وخطبة مختصرة؛ ثم يكتب سطران ببياض من الجانبين، فيهما:«بإقبال دولة السلطان الملك» وباقي الكلام في السطر الثاني. ثم يقال:
«فليعلم السلطان فلان» . ويؤتى على المقصود إلى آخره.
وهذه نسخة كتاب من إنشاء القاضي علاء الدين عليّ بن فتح الدين محمد ابن محيي الدين بن عبد الظاهر «4» ، صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية في
جواب كتاب ورد عن السلطان محمود غازان، القان بمملكة إيران، يذكر فيه أنّ جماعة من عساكر البلاد الشاميّة أغاروا على ماردين، وأن الحميّة اقتضت الرّكوب في مقابلة ذلك. وذكر أنه قدّم الرسل بالإنذار. ويذكر فيه أنهم صبروا على تماديهم في غيّهم؛ ويذكر فيه نصرته على العساكر الإسلامية في المرّة السابقة. ويذكر فيه أنه أقام بأطراف البلاد. ولم يدخلها خوف التخريب والفساد. ويذكر فيه جمع العساكر وتهيئة المجانيق وغير ذلك من آلة القتال. ويذكر أنه إذا لم تجر موجبات الصلح كانت دماء المسلمين مطلولة؛ ويذكر إرسال رسله بكتابه ويلتمس التّحف والهدايا، مما كتب به عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، في المحرّم سنة إحدى وسبعمائة وهي:
بسم الله الرّحمن الرّحيم بقوّة الله تعالى وميامين الملّة المحمدية أمّا بعد حمد الله الذي جعلنا من السابقين الأوّلين، الهادين المهتدين؛ التابعين لسنّة سيد المرسلين، بإحسان إلى يوم الدين؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين فضّل الله من سبق منهم إلى الإيمان في كتابه المكنون. فقال سبحانه وتعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
«1» بإقبال دولة السلطان الملك الناصر كلام محمد بن قلاوون.
فليعلم السلطان المعظّم محمود غازان «1» أنّ كتابه ورد، فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حقّ القصد فتلقيناه منّا بسلام؛ وتأمّلناه تأمّل المتفهّم لدقائقه، المستكشف عن حقائقه؛ فألفيناه قد تضمّن مؤاخذات بأمورهم بالمؤاخذة عليها أحرى، معتذرا في التعدّي بما جعله ذنوبا لبعض طالب بها الكلّ، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *
«2» أمّا حديث من أغار على ماردين من رجالة بلادنا المتطرّفة وما نسبوه إليهم من الأمور البديعة، والآثام الشّنيعة؛ وقولهم: إنهم أنفوا من تهجّمهم، وغاروا من تقحّمهم؛ واقتضت الحميّة ركوبهم في مقابلة ذلك، فقد تلمّحنا هذه الصورة التي أقاموها عذرا في العدوان، وجعلوها سببا إلى ما ارتكبوه من طغيان؛ والجواب عن ذلك أنّ الغارات من الطّرفين [و] لم يحصل من المهادنة والموادعة ما يكفّ يدنا الممتدّة، ولا يفترّ هممها المستعدّة؛ وقد كان آباؤكم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والشّقاق، وعدم المصافاة للإسلام والوفاق؛ ولم يزل ملك ماردين ورعيّته منفّذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم، متولّين كبر نكرهم؛ والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
«3» وحيث جعلتم هذا ذنبا للحميّة الجاهليّة، وحاملا على الانتصار الذي زعمتم أنّ همّتكم به مليّة؛ فقد كان هذا القصد الذي ادّعيتموه يتمّ بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجب ذلك فعلها، والاقتصار على أخذ الثار ممن ثار، اتباعا لقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها
«4» لا أن تقصدوا الإسلام بالجموع الملفّقة على اختلاف الأديان، وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصّلبان؛ وتنتهكوا حرمة البيت المقدّس الذي هو ثاني بيت
الله الحرام، وشقيق مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وإن احتججتم بأنّ زمام تلك الغارة بيدنا، وسبب تعدّيهم من سنّتنا؛ فقد أوضحنا الجواب عن ذلك، وأنّ عدم الصّلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك.
وأما ما ادّعوه من سلوك سنن المرسلين، واقتفاء آثار المتقدّمين، في إنفاذ الرّسل أوّلا، فقد تلمحنا هذه الصّورة، وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة؛ والجواب عن ذلك أنّ هؤلاء الرّسل ما وصلوا إلينا إلا وقد دنت الخيام من الخيام، وناضلت السهام السّهام، وشارف القوم، ولم يبق للّقاء إلا يوم أو بعض يوم؛ وأشرعت الأسنّة من الجانبين، ورأى كلّ خصمه رأى العين؛ وما نحن ممن لاحت له رغبة راغب فتشاغل عنها، ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النّفار، والله تعالى يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها
«1» كيف والكتاب بعنوانه! وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «ما أضمر إنسان شيئا إلا ظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه» . ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسّيوف وادعة في أغمادها، والأسنّة مستكنّة في أعوادها؛ والسّهام غير مفوّقة، والأعنّة غير مطلقة؛ لسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم.
وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم، وأبدوه من غليظ كلمهم؛ في قولهم: فصبرنا على تماديكم في غيّكم، وإخلادكم إلى بغيكم؛ فأيّ صبر ممن أرسل عنانه إلى المكافحة، قبل إرسال رسل المصالحة؛ وجاس خلال الدّيار، قبل ما زعمه من الإعذار والإنذار؟ وإذا فكّروا في هذه الأسباب، ونظروا ما صدر عنهم من خطاب، علموا العذر في تأخير الجواب، وما يتذكّر إلا أولوا الألباب.
وأمّا ما تبجّحوا به مما اعتقدوه من نصرة، وظنّوه من أنّ الله جعل لهم على حزبه الغالب في كلّ كرة الكرّة؛ فلو تأمّلوا ما ظنّوه ربحا لوجدوه هو الخسران المبين، ولو أنعموا النظر في ذلك لما كانوا به مفتخرين؛ ولتحققوا أنّ الذي اتّفق
لهم كان غرما لا غنما، وتدبّروا معنى قوله تعالى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً
«1» ولم يخف عنهم ما نالته السيوف الإسلامية منهم، وقد رأوا عزم من حضر من عساكرنا التي لو كانت مجتمعة عند اللّقاء ما ظهر خبر عنهم؛ فإنا كنّا في مفتتح ملكنا، ومبتدإ أمرنا، حللنا بالشام للنظر في أمور البلاد والعباد؛ فلما تحقّقنا خبركم، وقفونا أثركم؛ بادرنا نقدّ أديم الأرض سيرا، وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضررا وضيرا، ونؤدّي من الجهاد السنّة والفرض، ونعمل بقوله تعالى:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
«2» فاتفق اللّقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة، وثوقا بقوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
«3» وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلاميّة التي كم وطئت موطئا يغيظ الكفّار فكتب لها عمل صالح، وسارت في سبيل الله ففتح عليها أبواب المناجح؛ وتعدّدت أيام نصرتها التي لو دقّقتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس، ولما قدرتم أن تنكروها وفي تعب من ينكر ضوء الشمس، وما زال الله نعم المولى ونعم النصير، وإذا راجعتموهم قصّوا عليكم نبأ الاستظهار وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
«4» ؛ وما زالت تتّفق الوقائع بين الملوك والحروب، وتجري المواقف التي هي بتقدير الله فلا فخر فيها للغالب ولا عار على المغلوب؛ وكم من ملك استظهر عليه ثم نصر، وعاوده التأييد فجبر بعد ما كسر؛ خصوصا ملوك هذا الدّين، فإنّ الله تعالى تكفّل لهم بحسن العقبى فقال تعالى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ*
«5» وأما إقامتهم الحجة علينا، ونسبتهم التفريط إلينا؛ في كوننا لم نسيّر إليهم رسولا عند ما حلّوا بدمشق، فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية لم نزد على أن
اعتدّينا وجمعنا جيوشنا من كل مكان، وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان؛ وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل، ووثقنا بحسن الخلف لقوله تعالى:
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ
«1» ولمّا خرجنا من الديار المصرية، بلغنا خروج الملك من البلاد، لأمر حال بينه وبين المراد؛ فتوقّفنا عن المسير توقّف من أغنى رعبه عن حثّ الركاب، وتثبّتنا تثبّت الراسيات وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ
«2» وبعثنا طائفة من العساكر لمقاتلة من أقام بالبلاد فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر، وتقدّمت فتخطّفت من حمله على التأخّر الغرر، ووصلت إلى الفرات فما وقفت للقوم على أثر.
وأما قولهم: إننا ألقينا في قلوب العساكر والعوامّ أنهم فيما بعد يتلقّونا على حلب أو الفرات، وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى الفرات وإلى حلب مرتقبين؛ فالجواب عن ذلك أنهم من حين بلغنا حركتهم جزمنا، وعلى لقائهم عزمنا؛ وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الطاعة على كلّ مسلم، المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلّم؛ طائعين لله ولرسوله في أداء مفترض الجهاد، باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد؛ عالمين بأنه لا يتمّ أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته، ومن والاه فقد حفظه الله تعالى وتولّاه، ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذلّه الله؛ فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدّمت عساكرنا تملأ السّهل والجبل، وتبلّغ بقوّة الله تعالى في النصر الرّجاء والأمل؛ ووصلت أوائلها إلى أطراف حماة وتلك النواحي فلم يقدم أحد منهم عليها، ولا جسر أن يمدّ حتّى ولا الطّرف إليها؛ فلم نزل مقيمين حتّى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد، وإخلافه موعد اللقاء والله لا يخلف الميعاد؛ فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعتنا اندفاع السيل،
عاملين بقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ
«1» .
وأمّا ما جعلوه عذرا في الإقامة بأطراف البلاد وعدم الإقدام عليها، وأنهم لو فعلوا ذلك ودخلوا بجيوشهم ربما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فسدت أمورها؛ فقد فهم هذا المقصود، ومتى ألفت العباد والبلاد منهم هذا الإشفاق؟
ومتى اتّصفت جيوشهم بهذه الأخلاق؟ وها آثارهم موجودة على ملك آل سلجوق وما تعرّضوا لدار ولا جار، ولا عفّوا أثرا من الآثار؛ ولا حصل لمسلم منهم ضرر، ولا أوذي في ورد ولا صدر؛ وكان أحدهم يشتري قوته بدرهمه وديناره، ويأبى أن تمتدّ إلى أحد من المسلمين يد إضراره؛ هذه سنّة أهل الإسلام، وفعل من يريد لملكه الدوام.
وأما ما أرعدوا به وأبرقوا، وأرسلوا به عنان قلمهم وأطلقوا؛ وما أبدوا من الاهتمام بجمع عساكرهم وتهيئة المجانيق إلى غير ذلك مما ذكره من التهويل، فالله تعالى يقول: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
«2» .
وأما قولهم: وإلا فدماء المسلمين مطلولة، فما كان أغناهم عن هذا الخطاب، وأولاهم بأن لا يصدر إليهم عن ذلك جواب؛ ومن قصد الصّلح والإصلاح، كيف يقول هذا القول الذي عليه فيه من جهة الله تعالى ومن جهة رسوله أيّ جناح؟ وكيف يضمر هذه النية، ويتبجّج بهذه الطويّة؟ ولم يخف مواقع زلل هذا القول وخلله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«نيّة المرء أبلغ من عمله» وبأيّ طريق تهدر دماء المسلمين التي من تعرّض إليها يكون الله له في الدنيا والآخرة مطالبا وغريما، ومؤاخذا بقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً
«3» ؟ وإذا كان الأمر كذلك
فالبشرى لأهل الإسلام بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد، وجمع العساكر التي تكون لها الملائكة الكرام إن شاء الله تعالى من الأنجاد؛ والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفّرة العدد، المتكاثرة المدد؛ الموعودة بالنصر الذي يحفّها في الظّعن والإقامة، الواثقة [به] «1» من قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على عدوّهم إلى يوم القيامة» . المبلّغة في نصر دين الله آمالا، المستعدة لإجابة داعي الله إذا قال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا
«2» .
وأما رسلهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا، ووفدوا علينا؛ وأكرمنا وفادتهم، وغزّرنا لأجل مرسلهم من الإقبال مادّتهم، وسمعنا خطابهم، وأعدنا عليهم جوابهم؛ هذا مع كوننا لم يخف علينا انحطاط قدرهم، ولا ضعف أمرهم؛ وأنهم ما دفعوا لأفواه الخطوب، إلا لما ارتكبوه من ذنوب؛ وما كان ينبغي أن يرسل مثل هؤلاء لمثلنا من مثله، ولا ينتدب لمثل هذا الأمر المهمّ إلا من يجمع على فصل خطابه وفضله.
وأما ما التمسوه من الهدايا والتّحف، فلو قدّموا من هداياهم حسنة لعوّضناهم بأحسن منها، ولو أتحفونا بتحفة، لقابلناها بأجلّ عوض عنها. وقد كان عمّهم الملك أحمد راسل والدنا الشهيد، وناجى بالهدايا والتّحف من مكان بعيد؛ وتقرّب إلى قلبه بحسن الخطاب، فأحسن له الجواب؛ وأتى البيوت من أبوابها بحسن الأدب، وتمسّك من الملاطفة بأقوى سبب.
والآن فحيث انتهت الأجوبة إلى حدّها، وأدركت الأنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها؛ فنقول: إذا جنح الملك للسّلم جنحنا لها، وإذا دخل في الملّة المحمدية ممتثلا ما أمر الله تعالى به مجتنبا ما عنه نهى، وانتظم في سلك الإيمان، وتمسك بموجباته تمسّك المتشرف بدخوله فيه لا المنّان، وتجنّب التشبّه بمن قال