الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف الرابع عشر (فيما يختص بالأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم)
والرسم فيه أنه إن كان الجواب صادرا عن ملك، فالتعبير عن الملك بنون الجمع، وخطاب المكتوب إليه بالكاف. وإن كان عن بعض أتباع الملك إليه، فالتعبير عن المكتوب عنه بالخادم، أو العبد، أو المملوك ونحو ذلك، ومخاطبة الملك بما تليق به مخاطبة الملوك. ثم الجواب تارة يكون الابتداء [فيه] بنفس ورود المكاتبة، وقد تقدّم في مثل ذلك في الكتب الصادرة عن الخلفاء أن المكاتبة يبتدأ فيها بلفظ عرض. أما الأجوبة المتعلّقة بالملوك فإنه يقال فيها بدل عرض:
وصل، أو ورد، أو نحو ذلك.
ثم هى على ضربين:
الضرب الأوّل (الأجوبة الصادرة عن الملوك إلى غيرهم، وفيه ثلاث جمل)
الجملة الأولى (في الأجوبة الصادرة عن ملوك المشرق، وفيه أسلوبان)
الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلفظ: «كتابنا» و «وصل كتابك» )
ويذكر تاريخ الكتاب، ويشار إلى ما فيه، ثم يؤتى بالجواب إلى آخره، ويختم باستماحة الرأي في ذلك الأمر؛ كما كتب أبو إسحاق الصابي «1» عن صمصام الدولة «2» إلى حاجب الحجّاب أبي القاسم سعد بن محمد، وهو مقيم
بنصيبين «1» على محاربة باد الكرديّ «2» كتابنا، ووصل كتابك مؤرّخا بيوم كذا، تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك، ووكلت إلى تدبيرك ورأيك: من رد باد الكرديّ عن الأعمال التي تطرّقها، وحدّث نفسه بالتغلّب عليها، وتصرّفك في ذلك على موجبات الأوقات، والتردّد بين أخينا وعدّتنا أبي حرب زياد بن شهرا كويه وبينك من المكاتبات، وحسن بلائك في تحيّفه «3» ، ومقاماتك في حصّ «4» جناحه، وآثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من أصحابه، واضطرارك إيّاه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها، والسياسات التي سست أمره بها، إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة، وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية، وتراجع عن السّوم «5» إلى الاقتصار وعن السّرف إلى الاقتصاد، وعن الإباء إلى الانقياد، وعن الاعتياص «6» إلى الإذعان. وأن الأمر استقرّ على أن قبلت منه الإنابة، وبذلت له فيما طلب الاستجابة؛ واستعيد إلى الطاعة، واستضيف إلى الجماعة، وتصرّف على أحكام الخدمة، وجرى مجرى من تضمّه الجملة؛ وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والأيمان المغلّظة، وجدّدت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده، وضربت عليها حدوده؛ وفهمناه.
وقد كانت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب [زياد بن شهراكويه]«1» مولى أمير المؤمنين ترد علينا، وتصل إلينا، مشتملة على كتبك إليه، ومطالعاتك إيّاه؛ فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك، وسداد قولك، وصواب اعتمادك، ووقوع مضاربك في مفاصلها، وإصابة مراميك أغراضها؛ وما عدوت في مذاهبك كلّها، ومتقلّباتك بأسرها، المطابقة لإيثارنا، والموافقة لما أمرت به عنّا؛ ولا خلت كتب أخينا وعدّتنا أبي حرب من شكر لسعيك، وإحماد لأثرك، وثناء جميل عليك، وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك، والموالاة اللازمة لك، والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك، ولا يستكثر ممن حلّ في المعرفة محلّك؛ ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه، ومعدل عدلت إليه، مكافحة هذا الرجل ومراغمته، ومصابرته ومنازلته، والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول، وتنازعتماه من حدّ، فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إيّاك، وارتضائنا ما كان منك، المنّة عليه إذ سكّنت جاشه، وأزلت استيحاشه؛ واستللته من دنس [لباس] المخالفة، وكسوته من حسن شعار الطاعة، وأطلت يده بالولاية، وبسطت لسانه بالحجّة، وأوفيت به على مراتب نظرائه، ومنازل قرنائه؛ حتّى هابوه هيبة الولاة، وارتفع بينهم عن مطارح العصاة.
فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا وعند أخينا وعدّتنا أبي حرب مشكورا، وعلى هذا الرجل مانّا، وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا؛ وإيّاه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار راياتنا، ونصرة أوليائنا، والحكم لنا على أعدائنا، وإنزالهم على إرادتنا، طوعا أو كرها، وسلما أو حربا؛ فلا يخلو أحد منهم أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر، أو منّة عفو؛ إنه جلّ ثناؤه بذلك جدير، وعليه قدير. ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكرديّ إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب: لتكون في خزائننا محفوظة، وفي