الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظائف الدّين، ويجعلكم ممن أنعم الله عليه من المجاهدين؛ والسلام الكريم يخصّكم ورحمة الله وبركاته.
الضرب الثاني (أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه، وهو على صنفين)
الصنف الأول (ما يكتب به إلى بعض الملوك)
والرسم فيه أن يقال: من فلان إلى فلان، بألقابه ونعوته ونعوت آبائه على ما تقدّم؛ ثم يؤتى بالسلام، ويقال أما بعد حمد الله، ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا؛ ثم يقال: وإلى هذا فإن كذا وكذا، ويؤتى على المقصود إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام على نحو ما مرّ.
كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر إلى بعض ملوك الغرب يهنّئه بدخول مدينة بجاية «1» في طاعته ما صورته:
من أمير المسلمين عبد الله محمد، ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجّاج، ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر أيّد الله أمره، وأعز نصره، إلى محلّ أخينا الذي نصل له أسباب الإعظام والإجلال، ونثني عليه بما له من كريم الشّيم وحميد الخلال، ونسرّ له ببلوغ الآمال، ونجاح الأعمال، في طاعة ذي الجلال، السلطان فلان ابن السلطان فلان، بالألقاب اللائقة بكل منهم، وصل الله له سعدا متصل الدّوام دائم الاتّصال، وصنعا تتجلّى وجوهه من ثنايا القبول والإقبال، وعزّا اتتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمال؛ سلام كريم، برّ عميم، يخصّ
سلطانكم الأسنى، ويعتمد مقامكم المخصوص بالزيادة والحسنى، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله الواهب الفاتح، المانع المانح، مظهر عنايته بمن خلّص إليه قصده، وقصر على ما لديه صدره وورده؛ أبدى من محيّا النهار الواضح، الذي وعد من اتّقاه حقّ تقاته، على ألسنة سفرة الوحي وثقاته، بنجح الخواتم والفواتح، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله المبتعث لدرء المفاسد ورعي المصالح، وسعادة الغادي والرائح، منقذ الناس يوم الفزع الأكبر وقد طاحت بهم أيدي الطّوائح، وهاديهم إلى سواء السبيل بأزمّة النّصائح، ومظفرهم من السعادة الدائمة بأربح البضائع وأسنى المنائح، والرضا عن آله وأصحابه، وعترته وأحزابه، الذين خلفوه أمتثالا لأمر الصّحائف وإعمالا للصّفائح، وكانوا لأمّته من بعده في الابتداء بسنّته والمحافظة على سننه كالنّجوم اللوائح، والدعاء لسلطانكم الأسمى، بالسّعد الذي يغنى بوثاقة سببه، ووضوح مذهبه، عن زجر البارح والسانح «1» ، والعزّ البعيد المطارح، السامي المطامح، والصنع الجميل الباهر الملامح؛ ولا زال توفيق الله عائدا على تدبيركم السعيد بالسّعي الناجح، والتّجر الرابح.
فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من فضله أوفر الأقسام وأوفاها، وأوردكم من موارد عنايته أعذب الجمام وأصفاها، كما أسبغ عليكم أثواب المواهب وأضفاها. [وأبدى لكم وجوه اللطائف الجميلة وأحفاها]«2» - من حمراء غرناطة- حرسها الله- وفضل الله هامية ديمه، وعوائد اللّطف يصلها فضله وكرمه، والإسلام بهذا الثغر الجهاديّ مرعيّة ذممه، وجاه النبوّة المحمديّة يعمل بين إرغام العدوّ الكافر، وإهداء المسرّات والبشائر، سيفه وقلمه، والسّرور بما يبلغ من
مزيد سعدكم وميضه خافق علمه، وودّكم ثابت في مواقف الخلوص قدمه.
وقد اتصل بنا ما كان من دخول حضرة بجاية حرسها الله في طاعتكم، وانتظامها في سلك جماعتكم، وانقطاعها إلى عصمتكم، وتمسّكها بأزمّتكم، وعقدكم منها ومن أختها السابقة الذّمام، الخليقة بمزيد الاهتمام، على عقيلتي الأقطار التي لا يجمع بينهما إلا ملك همام، وخليفة إمام، ومن وضحت من سعادته أحكام، وشهّرت بعناية الله له أدلّة واضحة وأعلام، ومن جمع الله له بين البرّ المتراكض الخيول، والجيش المتدافع السّيول، والخصب الذي تنضي مواجده»
المستنجزة ظهور الخيول، وبين البحر الشهير بنجدة الأسطول، وإنجاز وعد النصر الممطول، ومرسى السّفن التي تخوض أحشاء البحار، وتجلب مرافق الأمطار والأقطار، وتتحف على النّأي بطرف الأخبار.
بجاية وما بجاية دار الملك الأصيل العتيق وكرسيّ العزّ الوثيق، والعدّة، إذا توقّعت الشّدّة، كم ثبتت على الزّلزال، وصابرت مواقف النّزال، أمطاكم السّعد صهوتها، وأحلّكم التوفيق ربوتها، من غير مطاولة حصار، ولا استنفاد ذي وسع واقتدار، ولا تسوّر جدار، فأصبحت دولتكم السعيدة تتفيّأ [جنى الجنّتين، وتختال في حلّتين، وتجمع بفتيا]«2» السيوف المالكيّة بين هاتين الأختين؛ أوزعكم الله شكرها من نعمة جلّت مواهبها، ووضحت مذاهبها، وصنيعة بهرت عجائبها. وإذا كانت عقائل النّعم «3» تخطب أكفاءها، وموارد المنن تعرض على الورّاد صفاءها، فأنتم أهلها الذين لكم تذخر، وبمن دونكم تسخر؛ فإنكم تميزتم بخصال العفاف والبسالة، والحسب والجلالة، وأصبحتم في بيتكم صدرا، وفي هالة قومكم بدرا، مواقفكم شهيرة، وسيرتكم في الفضل لا تفضلها سيرة، ونحن