الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافة العبّاسيّة «فطاعته» تجب قطعا، ومخالفته تحرم شرعا؛ ولم يبق إلا أن يبين للعيان شخصه، ويرد على الآذان نصّه؛ فيكون يومه غرّة الليالي المعتكرات، وعلم الأيام المنكّرات، واليوم الذي به تؤرّخ الأيام المستقبلة، وترفع فيه الأعمال المتقبّلة. وبإقبال الركاب السعيد إلى هذه ينزل به من سماء العلياء محكم وحكمة، ويصل به إلى الأنام فضل من الله ونعمة، ويقتضى دين على الأيام، لا يبقى معه عسرة، ويوجد جبر للإسلام، لا يكون بده كسرة، وشفاء لقلوب الأولياء هو للأعداء حسرة.
الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بلفظ «سيدي» أو «مولاي» مع حرف النداء أو دونه)
كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب الأندلس عن نفسه إلى السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن المرينيّ صاحب فاس، عند ورود كتابه إلى الأندلس بفتح تلمسان «1» ، معرّضا بأنّ صدور كتابه من عند قبر والده السلطان أبي الحسن بالأندلس، ما صورته:
مولاي! فاتح الأقطار والأمصار، فائدة الأزمان والأعصار، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار، قدوة أولي الأيدي والأبصار، ناصر الحق عند قعود «2» الأنصار، مستصرخ الملك الغريب من وراء البحار، مصداق دعاء الأب المولى في الآصال والأسحار. أبقاكم الله! لا تقف إيالتكم عند حدّ، ولا تحصى فتوحات الله عليكم بعدّ، ولا يفيق أعداؤكم من كدّ، ميسّرا على مقامكم الكريم ما عسر على كل أب كريم وجدّ.
عبدكم الذي خلص إبريز عبوديّته لملك ملككم المنصور، المعترف لأدنى رحمة من رحماتكم بالعجز عن شكرها والقصور، الداعي إلى الله سبحانه أن يقصر عليكم سعادة القصور، ويذلّل بعز طاعتكم أنف الأسد الهصور، ويبقي الملك في عقبكم إلى يوم ينفخ في الصّور. فلان.
من الضّريح المقدّس «1» : وهو الذي تعدّدت على المسلمين حقوقه، وسطع نوره وتلألأ شروقه، وبلغ مجده السماء لمّا بسقت فروعه ورسخت عروقه، وعظم بتبوّئكم فخره فما فوق البسيطة فخر يفوقه، حيث الجلال قد رست هضابه، والملك قد سترت بأستار الكعبة الشريفة قبابه، والبيت العتيق قد ألحفت الملاحد الإمامية أثوابه، والقرآن العزيز ترتّل أحزابه، والعمل الصالح يرتفع إلى الله ثوابه، والمستجير يخفي باطنه سؤاله فيجهر بنعرة العزّ جوابه؛ وقد تفيّأ من أوراق الذكر الحكيم حديقة، وخميلة أنيقة، وحطّ بجوديّ «2» الحقّ نفسا في طوفان الضّرّ غريقة، والتحف برق الهيبة الذي لا تهتدي للنفس فيها إلا بهداية الله طريقة، واعتزّ بعزّ الله وقد توسّط جيش الحرمة المرينيّة حقيقة، إذ جعل المولى المقدّس المرحوم أبا الحسن مقدّمه وأباه وجدّه سقاه المولى الكريم بهذا المجد سيب رحماه، وطنّب عليه من الرّضا فسطاطا، وأعلى به يد العناية المرينيّة اهتماما واغتباطا، وحرّر له أحكام الحرمة نصّا جليّا واستنباطا، وضمن له حسن العقبى التزاما واشتراطا؛ وقد عقد البصر بطريق رحمتكم المنتظرة المرتقبة، ومدّ اليد إلى اللطائف بشفاعتكم التي تتكفّل بعتق المال كما تكفّلت بعتق الرّقبة، وشرع في
المراح بميدان نعمكم بعد اقتحام هذه العقبة؛ لما شنفت الآذان البشرى التي لم يبق طائر إلا سجع بها وصدح، ولا شهاب دجنّة إلا اقتبس من نورها واقتدح، ولا صدر إلا انشرح، ولا غصن عطف إلا مرح؛ بشرى الفتح القريب، وخبر النّصر الصحيح الحسن الغريب، ونبأ الصّنع العجيب، وهداية السميع المجيب: فتح تلمسان «1» الذي قلّد المنابر عقود الابتهاج، ووهب الإسلام منيحة النصر غنيّة عن الهياج، وألحف الخلق ظلّا ممدودا، وفتح باب الحجّ وكان مسدودا، وأقرّ عيون أولياء الله الذين يذكرون الله قياما وقعودا، وأضرع بسيف الحقّ جباها أبيّة وخدودا، وملّككم حقّ أبيكم الذي أهان عليه الأموال، وخاض من دونه الأهوال، وأخلص في الضّراعة والسّؤال، من غير كدّ يغمز عطف المسرّة، ولا جهد يكدّر صفو النعم الثّرّة، ولا حصر ينفض به المنجنيق ذؤابته، ويظهر بتكرّر الركوع إنابته.
فالحمد لله الذي أقال العثار، ونظم بدعوتكم الانتشار، وجعل ملككم يجدّد الآثار ويأخذ الثار «2» والعبد يهنيء مولاه، بما أنعم الله عليه وأولاه؛ وما أجدره بالشّكر وأولاه! فإذا أجال العبيد السّرور فللعبد المعلّى والرّقيب «3» ، وإذا استهموا «4» حظوظ الجذل فلي القسم الوافرة والنصيب؛ وإذا اقتسموا فريضة شكر
الله تعالى فلي الحظّ والتعصيب «1» ، لتضاعف أسباب العبودية قبلي، وترادف النّعم التي عجز عنها قولي وعملي، وتقاصر في ابتغاء مكافأتها وجدي وإن تطاول أملي؛ فمقامكم المقام الذي نفّس الكربة، وآنس الغربة، ورعى الوسيلة والقربة، وأنعش الأرماق، وفكّ الوثاق، [وأدّر الأرزاق، وأخذ على الدّهر بالاستقالة بالعهد والميثاق]«2» وإن لم يباشر العبد اليد العالية بهذا الهناء، ويتمثّل بين يدي الخلافة العظيمة السّنا والسّناء، ويمدّ بسبب البدار إلى تلك السماء؛ فقد باشر به اليد التي يحنّ مولاي لتذكّر تقبيلها، ويكمّل فروض المجد بتوفية حقوقها الأبويّة وتكميلها؛ ووقفت بين يدي ملك الملوك الذي أجال عليها القداح، ووصل في طلب وصالها المساء بالصّباح، وكأن فتحه إيّاها أبا عذرة «3» الافتتاح؛ وقلت يهنيك يا مولاي ردّ ضالّتك المنشودة، وخبر لقطتك المعرّفة المشهودة؛ [ودالتك المودودة]«4» فقد استحقّها وارثك الأرضى، وسيفك الأمضى، وقاضي دينك، وقرّة عينك، مستنقذ دارك من يد غاصبها، ورادّ رتبتك إلى مناصبها، وعامر المثوى الكريم، وستر الأهل والحريم.
مولاي! هذه تلمسان قد أطاعت، وأخبار الفتح على ولدك الحبيب إليك قد شاعت، والأمم إلى هنائه قد تداعت؛ وعدوّك وعدوّه قد شرّدته المخافة، وانضاف إلى عرب الصحراء فخفضته الإضافة؛ وعن قريب تتحكّم فيه يد احتكامه، وتسلمه السلامة إلى حمامه؛ فلتطب يا مولاي نفسك، وليستبشر رمسك، فقد نمت بركتك وزكى غرسك. نسأل الله أن يورد على ضريحك من أنباء نصره ما
تفتّح له أبواب السماء قبولا، ويرادف إليك مددا موصولا، وعددا آخرته خير لك من الأولى، ويعتريه بركة رضاك ظعنا وحلولا، ويضفي عليه منه سترا مسدولا.
ولم يقنع العبد بخدمة النّثر، حتّى أجهد القريحة التي ركضها الدهر وأنضاها، واستشفّها الحادث الجلل وتقاضاها؛ فلفّق من خدمة المنظوم ما يتغمّد حلمكم تقصيره، ويكون إغضاؤكم إذا لقي معرّة العتب وليّه ونصيره؛ وإحالة يا مولاي على الله في نفس جبرها، ووسيلة عرفها مجده فما أنكرها، وحرمة بضريح مولاي والده شكرها؛ ويطّلع العبد منه على كمال أمله، ونجح عمله، وتسويغ مقترحه، وتتميم مطمحه، إن شاء الله تعالى:
[يا ابن الخلائف يا سميّ محمد
…
يا من علاه ليس يحصر حاصر!
أبشر فأنت مجدّد الملك الذي
…
لولاك أصبح وهو رسم داثر!
من ذا يعاند منك وارثه الذي
…
بسعوده فلك المشيئة دائر!
ألقت إليك يد الخلافة أمرها
…
إذ كنت أنت لها الوليّ الناصر!
هذا وبينك للصريح وبينها
…
حرب مضرّسة وبحر زاخر!
من كان هذا الصّنع أوّل أمره
…
حسنت له العقبى وعزّ الآخر!
مولاي عندي في علاك محبّة
…
والله يعلم ما تكنّ ضمائر!
قلبي يحدّثني بأنّك جابر
…
كسري وحظّي منك حظّ وافر!
بثرى وجودك قد حططت قريحتي
…
ووسيلتي لعلاك نور باهر!
وبذلت سعيي واجتهادي مثل ما
…
يلقى لملك سيف أمرك عامر!
وهو المواليّ الذي اقتحم الرّدى
…
وقضى العزيمة وهو سيف باتر!
ووليّ جدّك في الشّدائد عندما
…
خذلت علاه قبائل وعشائر!
فاستهد منه النّجح واعلم أنّه
…
في كلّ معضلة طبيب ماهر
إن كنت قد عجّلت بعض مدائحي
…
فهي الرّياض وللّرياض بواكر] «1»