الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّألف، وانضمّت الجوانح بميمون رأيه على التعاطف؛ وحصل له في ذلك من جزيل الأجر، وجميل الذكر؛ وجليل الفخر، وأريج النّشر، ما لا تزال الرّواة تدرسه، والتواريخ تحرسه، والقرون تتوارثه، والأزمان تتداوله؛ والخاصّة تتحلّى بفضله، والعامّة تأوي إلى ظله.
فالحمد لله كثيرا، والشّكر دائما على هذه الآلاء المتواترة، والعطايا المتناصرة، والمفاخر السامية، والمآثر العالية؛ وإيّاه أسأل أن يعرّف مولانا الملك الخيرة فيما ارتآه وأمضاه، والبركة فيما أولاه وأجراه؛ وأن يهنئه نعمه عنده، ويظاهر مواهبه لديه، ويسهّل عليه أسباب الصلاح، ويفتح أمامه أبواب النجاح، ويعكس إلى طاعته الرقاب الآبية، ويذلل لموافقته النفوس النائية؛ ولا يعدمه وموالينا الأمراء أجمعين المنزلة التي يرى معها ملوك الأرض قاطبة التعلّق بحبلهم أمنا، والإمساك بذمامهم حصنا، والانتماء إلى مخالطتهم عزّا، والاعتزاء إلى مواصلتهم حرزا، إنه جل وعزّ على ذلك قدير، وبإجابة هذا الدعاء جدير.
وقد اجتهدت في القيام بحقّ هذه النعمة التي تلزمني، وتأدية فرضها الذي يجب عليّ: من الإشادة بها والإبانة، والإشاعة والإذاعة؛ حتّى اشتهرت في أعماله التي أنا فيها، واستوى خاصّتها وعامّتها في الوقوف عليها، وانشرحت صدور الأولياء معها، وكبت الله الأعداء بها، واعتددت بالنعمة في المطالعة بها والمكاتبة فيها؛ وأضفتها إلى ما سبق من أخواتها وأمثالها، وسلف من أترابها وأشكالها؛ فإن رأى مولانا الأمير الجليل عضد الدولة أن يأمر أعلى الله أمره بإجرائي على أكرم عاداته فيها، واعتمادي بعوارض أمره ونهيه كلّها، فإن وفور حظّي من الإخلاص، يقتضي لي وفور الحظ من الاستخلاص، فعل. ان شاء الله تعالى.
الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بالإصدار)
مثل: أصدر الخادم أو العبد ونحوه، ويؤتى بالصدر إلى آخره؛ ثم يتخلّص
إلى المقصود بما يقتضيه المقام، ويختم بقوله: وللرأي العالي مزيد العلوّ ونحو ذلك.
كما كتب عن بعض وزراء الراشد أو المسترشد إلى السلطان سنجر السّلجوقي «1» ، في حق قطب الدين أبي منصور أزدشير العباديّ: وقد ورد إلى أبواب الخلافة ببغداد رسولا، وكان أبوه وخاله وسلفه من أهل العلم والزّهد، وهو من الفصحاء البلغاء ما صورته:
أصدر خادم المجلس العالي هذه الخدمة عن ضمير معمور بالولاء، وإخلاص دواعيه متصلة على الولاء، وعكوف على ما يرجو به حصول المراضي العليّة، والتحقّق لمشايعته الواضحة شواهدها الجليّة، والحمد لله رب العالمين.
وبعد، فما زال الجناب العالي السلطانيّ الشاهنشاهيّ الأعظميّ أعلاه الله لكلّ خير منبعا، وحرمه الآمن للفوائد الجمّة مغاثا ومربعا، والسعادة والتوفيق مقرونين بسامي آرائه، مطيفين به من أمامه وورائه؛ في كل رأي يرتئيه، ومقرّب يصطفيه، وامرىء يتخيّره ويقلّده، وأمر يحلّه ويعقده، وصنع جميل يصيب من الاستحقاق موضعه، ويعيد طيب الذكر مجهّزه ومبضعه؛ مناقب تفوت الإحصاء عدّا، وترد من مفاخر الوصف منهلا عذبا وتسير بذكرها الرّفاق غورا ونجدا، وتجاوز غايات المدح علاء ومجدا، وكفى على ذلك دليلا قاطعا، وبرهانا ساطعا؛ ما اقتضته الآراء العلية من التعويل على فلان العبّاديّ في تحمّل الرسالة الأعظميّة التي عدقت «2» منه بالنقيّ الجيب، البريء من العيب، العاري من دنس الشكّ
والرّيب؛ فإن اختياره لهذا الأمر طبّق مفصل الصواب، ولشاكلة «1» رمي الرأي أصاب؛ إذ هو الفذّ في علمه وفضله، السديد في قوله وفعله، البارع في إيجاز الخطاب وفصله، المعرق في الزّهادة والدّيانة المزيّنين لفرعه وأصله.
ولما وصل إلى الأبواب العزيزة الإماميّة- ضاعف الله تعالى مجدها- مثل بالخدمة مؤدّيا من فرضها ما يلزم أمثاله من ذوي العقائد الصحيحة، والموالاة المحضة الصريحة؛ وصادف من التّكرمة والإنعام ما يوجبه له محلّه من العلم الذي لا تكدّر الدّلاء بحره، ولا تدرك الأرشية «2» بطولها قعره؛ فهو فيه نسيج وحده، وناسج برده، وناشر علمه، ومستغزر ديمه. وألقى من ذلك ما يقتضيه اختبار أحواله الشاهدة بأنه ممن أصحب في يده قياد الفصاحة الأبيّ، وملّكته زمامها الممتنع على من عداه العصيّ، وجمع له من الفضائل ما أصبح في سواه متفرّقا، وخير له منها ما جعل جفن حاسده لفرط الكمد مؤرّقا، إلى ما زان هذه الخصائص التي تفرّد فيها وبرع، وطال مناكب الأقران وفرع: من الإخلاص الدالّ على تمسّكه بحبل الدّين المتين، واستمراره على جدده الواضح المبين، وفصل عن الأبواب العزيزة فائزا من شرف الإرعاء، ما وفّر الحظوظ والأنصباء؛ حاصلا من حميد الآراء، على أنفس العطاء وأجزل الحباء؛ وقد تمهّد له من الوجاهة والمكانة ما يفخر بمكانه، وتنقطع دون بلوغ شأوه أنفاس أقرانه؛ ورسم- أعلى الله المراسيم الإمامية وأمضاها- مطالعة المجلس العالي السلطانيّ أعلاه الله بهذه الحال، تقريرا لها عند العلم الكريم واستمدادا للطّول والإنعام، باختصاص قطب الدّين بالاحترام؛ الذي هو حقيق بمثله، وخليق أن لا يضحى عن وارف ظله، وما يوعز به من ذلك يصادف من دواعي الاستحقاق أوفاها، ويرد من مناهل الذكر الجميل أعذبها وأصفاها، ويتلقّى من شرف المحامد بألطفها وأحفاها، وللرأي العالي علوّ رأي، إن شاء الله تعالى.