الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بميم الجمع وإن كان واحدا، والتزام الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا إليكم ونحو ذلك. وعادتهم أن يكتب كتاب السلطان في طومار كامل، فإن استوعب الكلام جميع الطومار كتب على حاشيته، ويكتب صاحب العلامة علامة السلطان في آخره، ويطوى طيّا عريضا في نحو ثلاث أصابع معترضة، ثم يكسر ويطوى نصفين، ويكتب العنوان بالألقاب التي في الصّدر ويخزم «1» بدسرة من الورق، ثم يختم بخاتم السلطان على شمع أحمر كما تقدّم بيانه.
وهي على ثلاثة أساليب:
الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بالّلقب اللائق بالمكتوب إليه، وهو على أضرب)
الضرب الأوّل (أن يبتدأ بلفظ «المقام» وهو مختصّ بالكتابة إلى الملوك)
والرسم فيه عندهم أن يقال: «المقام» وينعت بما يليق به، ثم يقال:
«محلّ أخينا، أو محلّ ولدنا، أو محلّ والدنا السلطان» ويؤتى بألقابه ثم يسمّى؛
ثم يقال: «من فلان» ويفعل فيه كذلك إلى منتهى نسبه، ويدعى له بالبقاء وما يتبعه؛ ثم يقال: معظّم قدره أو معظّم مقامه، وما أشبه ذلك، ويذكر اسم المكتوب عنه؛ ثم يقال: أما بعد حمد الله ويؤتى بالخطبة إلى آخرها؛ ثم يقال: فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا، ويؤتى على المقصود إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام.
كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب المقدّم ذكره عن سلطانه ابن الأحمر المذكور أعلاه، إلى السلطان أبي عنان بن أبي الحسن المرينيّ «1» صاحب فاس، عند موت الطاغية ملك قشتالة «2» من إقليم أشبيلية، وطليطلة، وقرطبة وما معها بعد نزوله على جبل الفتح «3» من مملكة المسلمين بالأندلس لمحاربة المسلمين فيه، ورحيل قومه بعد موته به، وهو:
المقام الذي أنارت آيات سعده، في مسطور الوجود، وتبارت جياد مجده، في ميدان البأس والجود، وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغربية تجديد السّعود،
وإعادة العهود، واختلفت كتائب تأييد الله ونصره لوقته المشهور فيها ويومه المشهود، مقام محلّ أخينا الذي نعظّمه ونرفعه، ويوجب له الحقّ العليّ موضعه، السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن، أبن السلطان أبي سعيد، ابن السلطان أبي يوسف، بن عبد الحق- أبقاه الله يتهلّل للبشرى جنابه، ويفتح لوارد الفتح الإلهيّ بابه؛ وتعمل في سبيل الله مكارمه وعزائمه وركابه، ويتوفّر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخره وثوابه، معظّم قدره الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر، سلام كريم مشفوع بالبشائر والتّهاني، محفوف [الركاب]«1» ببلوغ الأماني، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصنائع العجيبة متألّقة الغرر، ومنشيء سحائب الألطاف، الكريمة الأوصاف، هامية الدّرر، الكريم الذي يجيب دعوة المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السّوء وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر؛ حجب كامن ألطافه عن قوى الفطن ومدارك الفطر، فما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ
«2» والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهرة والآيات الكبر، الذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر، وبنور هداه نستضيء عند التباس الورد والصّدر، فنحصل على الخير العاجل والمنتظر، والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر، الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظّفر، وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر، وانتظموا في سلك الملّة الرفيعة انتظام الدّرر، والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال المسرّات وتوالي البشر، والسعد الذي تجري بأحكامه النافذة تصاريف القدر، والصّنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصّور، فإنا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من حظوظ فضله وإحسانه أجزل
الأقسام، وعرّفكم عوارف نعمه الثّرّة «1» وآلائه الجسام- من حمراء غرناطة- حرسها الله- واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت، وكاشف الشدائد بعد ما أبرقت وأرعدت. ثم ما عندنا من الاعتداد بإيالتكم «2» التي أنجزت لنا في الله ما وعدت، ومددنا إليها يد الانتصار على أعدائه فأسعدت، إلا الصّنع العجيب، واليسر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب؛ واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب، ومدّ رواقه الفرج القريب؛ وإلى هذا أيّدكم الله على أعدائه، وأجزل لديكم مواهب آلائه، وحكم للإسلام على يديكم بظهوره واعتلائه، وعرّفكم من أخبار الهنيّ المدفع «3» وأنبائه كلّ شاهد برحمته واعتنائه. فإنا كتبناه إليكم نحقّق لديكم البشرى التي بمثلها تنضى الرّكاب «4» ، ويخاض العباب، ونعرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب، المفتّح للأبواب، علما بما عندكم من فضل الأخلاق، وكرم الأعراق؛ وأصالة الأحساب، والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب، والعناية بأمور هذا القطر الذي تعلّق أذيال ملككم السامي الجناب. [وقد تقرر لدى مقامكم الأسنى ما كانت الحال آلت إليه بهذا الطاغية]«5» الذي غرّه الإمهال والإملاء «6» ، وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتوب والابتلاء؛ فتملّأ «7» تيها وعجبا، وارتكب من قهر هذه الأمة المسلمة مركبا صعبا، وسام كلمة الإسلام بأسا وحربا، فكتائب برّه توسع الأرجاء طعنا وضربا، وكتائب بحره تأخذ كلّ سفينة غصبا، والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا، والقلوب قد بلغت الحناجر
غمّا وكربا، وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار، وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار، ومسلك الملّة الحنيفيّة إلى هذه الأقطار، قد رماه ببوائقه، وصيّر ساحته مجرّ عواليه ومجرى سوابقه؛ واتّخذه دار مقامه، وجعله شغل يقظته وحلم منامه، ويسّر له ما يجاوره من المعاقل إملاء [من الله] لأيامه؛ فاستقرّ به القرار، واطمأنّت الدار، وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار، ورجمت الظّنون «1» وساءت الأفكار، وشجر «2» نظّار القلوب الاضطرار، إلى رحمة الله والافتقار، فجبر الله الخواطر لمّا عظم بها الانكسار، ودار بإدالة «3» الإسلام الفلك الدّوّار، وتمخّض عن عجائب صنع الله الليل والنهار، وهبّت نواسم الفرج، عاطرة الأرج، ممن يخلق ما يشاء ويختار، لا إله إلا هو الواحد القهّار.
وبينما نحن نخوض من الشّفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجّة مترامية المعاطب «4» ، ونقتعد صعبا لا يليق بالراكب؛ ولولا التعلّق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب، وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب، ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب، وكتبكم التي تقوم عند العدوّ مقام الكتائب، وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب «5» ، لما رجع الكفر بصفقة الخائب، إذ تجلّى نور الفرج من خلال تلك الظّلمة، وهمت سحائب الرحمة والنّعمة على هذه الأمّة، ورمى الله العدوّ بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدّة، وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشّدّة، وأهلك الطاغية حتف أنفه، وقطع به عن أمله قاطع حتفه، وغالته أيدي المنون في غيله «6» ، وانتهى
إلى حدود القواطع القويّة والأشعّة المرّيخيّة نصير دليله، فشفى الله منه داء، وأخذه أشدّ ما كان اعتدادا واعتداء، وحمى الجزيرة الغربية «1» وقد صارت نهبة طغاته، وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته؛ سبحانه لا مبدّل لكلماته.
فانتثر سلكه الذي نظّمه، واختلّ تدبيره الذي أحكمه، ونطقت بتبار «2» محلّاته ألسنة النار، وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار، وركدت ريحه الزّعزع من بعد الإعصار، وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ
«3» وولّوا به يحثون التّراب فوق المفارق والتّرائب «4» ، ويخلطون تبر السّبال الصّهب «5» بذوب الذّوائب، قد لبسوا المسوح «6» حزنا، وأرسلوا الدموع مزنا، وشقّوا جيوبهم أسفا، وأضرموا قلوبهم تلهّفا، ورأوا أنّ حصن استطبونة «7» لا يتأتّى لهم به امتناع، ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع، فأخلوه من سكّانه، وعاد فيه الإسلام إلى مكانه، وهو ما هو من طيب البقعة، وانفساح الرّقعة؛ ولو تمسّك به العدوّ لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدودا، والمسلك إلى الجبل- عصمه الله- مسدودا، فكان الصنيع فيه طرازا على عاتق تلك الحلّة الضافية، ومزيدا لحسنى العارفة الوافية، فلمّا استجلينا غرّة هذا الفتح الهنيّ، والمنح السّنيّ، قابلناه بشكر الله تعالى وحمده، وضرعنا إليه في صلة نعمه فلا نعمة إلا من عنده؛ وعلمنا أنه عنوان على مزيد ملككم الأعلى وعلامة على سعده، وأثر نيّته للإسلام وحسن قصده، وفخر ذخره
الله لأيامكم لا نهاية لحدّه، فإنكم صرفتم وجه عنايتكم إلى هذا القطر على نأي المحلّ وبعده، ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح شأنه وإجزال رفده.
وأما البلد المحصور، فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدّق الآزال والظّنون، وشرح الصّدور بمقامكم وأقرّ العيون: من صلة الإمداد على الخطر، وتردّد السابلة «1» البحرية على بعد الوطن وتعذّر الوطر، واختلاف الشّواني «2» التي تسري إليه سرى الطّيف، وتخلص سهامها إلى غرضه بعد أنّى وكيف، حتّى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها، ولا عدّة يهمّ شأنها؛ فجزاؤكم عند الله موفور القسم، وسعيكم لديه مشكور الذّمم؛ كافأ الله أعمالكم العالية الهمم، وخلالكم الزاكية الشّيم؛ فقد سعد الإسلام- والحمد لله- بملككم الميمون الطائر، وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثل السائر؛ وما هو إلا أن يستتبّ اضطراب الكفّار واختلافهم، ويتنازع الأمر أصنافهم، فتغتنمون إن شاء الله فيهم الغرّة «3» التي ترتقبها العزائم الشريفة، والهمم المنيفة؛ وتجمع شيمكم الغليا، بين فخر الآخرة والدّنيا، وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا»
؛ فاهنأوا بهذه النّعمة التي خبأها الله إلى أيّامكم، والتّحفة التي بعثها السعد إلى مقامكم، فإنما هي بتوفيق الله ثمرة إمدادكم، وعقبى جهادكم؛ أوزعنا الله وإيّاكم شكرها وألهمنا ذكرها.
عرّفناكم بما اتّصل لدينا، وورد من البشائر علينا؛ عملا بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيّدات، والأحوال الواردات، ووجّهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنّا في هذا الهناء، ويقرّر ما عندنا من الولاء، وما يتزيّد لدينا بالأنباء، خالصة إنعامنا المتميّز بالوسيلة المرعيّة إلى مقامنا، الحظيّ لدينا، المقرّب إلينا، القائد
الفلانيّ أبا الحسن عبادا وصل الله عزّته، ويمّن وجهته؛ ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه، فيما أحلنا فيه من ذلك عليه، والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم؛ والسلام.
وكما كتب عنه أيضا إلى السلطان (أبي سعيد عثمان بن يغمراسن)«1» صاحب تلمسان، عند بعثه بطعام إلى الأندلس، شاكرا له على ذلك، ومخبرا بفتح حصن من حصون الأندلس يسمّى حصن قنيط، وهو:
المقام الذي تحدّثت بسعادته دولة أسلافه، واتّفق به قولها من بعد اختلافه، وعاد العقد إلى انتظامه والشّمل إلى ائتلافه؛ مقام وليّنا في الله الذي هيّأ الله له من جميل صنعه أسبابا، وفتح به من [مبهم]«2» السّعد أبوابا؛ وأطلع منه في سماء قومه شهابا. وصفيّنا الذي نسهب القول في شكر جلاله ووصف خلاله إسهابا؛ السلطان أبو سعيد عثمان، ابن الأمير أبي زيد، ابن الأمير أبي زكريّا، ابن السلطان أبي يحيى يغمراسن، بن زيان، مع ذكر ألقاب كل منهم بحسبه- أبقاه الله للدولة الزّيّانية- يزيّن بالأعمال الصالحة أجيادها، ويملك بالعدل والإحسان قيادها، ويجري في ميدان النّدى والباس، ووضع العرف بين الله والناس، جيادها. سلام كريم كما زحفت للصباح شهب المواكب، وتفتّحت عن نهر المجرّة أزهار الكواكب؛ ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله جامع الشّمل بعد انصداعه وشتاته، وواصل الحبل بعد انقطاعه وانبتاته؛ سبحانه لا مبدّل لكلماته، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الصادع بآياته، المؤيّد ببيّناته، الذي اصطفاه لحمل الأمانة العظمى، وحباه
بالقدر الرفيع والمحلّ الأسمى؛ والله أعلم حيث يجعل رسالاته. والرضا عن آله وصحبه وأنصاره وحزبه وحماته، المتواصلين في ذات الله وذاته، القائمين بنصر دينه وقهر عداته. فإنّا كتبناه إليكم- كتب الله لكم سعدا ثابت الأركان، وعزّا سامي المكان، ومجدا وثيق البنيان، وصنعا كريم الأثر والعيان- من حمراء غرناطة- حرسها الله- والثقة بالله سبحانه أسبابها وثيقة، وأنسابها عتيقة، والتوكّل عليه لا تلتبس من سالكه طريقه ولا تختلط بالمجاز منه حقيقة؛ وعندنا من الاعتداد بكم في الله عقود مبرمة، وآي في كتاب الإخلاص محكمة؛ ولدينا من السّرور، بما سنّاه الله لكم من أسباب الظّهور، الذي حلله معلمه «1» ، وحججه البالغة مسلّمة، ما لا تفي العبارة ببعض حقوقه الملتزمه؛ وإلى هذا- أيد الله أمركم- فإننا ورد علينا فلان وصل الله كرامته، وسنّى سلامته، صادرا عن جهتكم الرفيعة الجانب، السامية المراقب، طلق اللسان بالثناء بما خصّكم الله به من فضل الشمائل وكرم المذاهب، محدّثا عن بحر مكارمكم بالعجائب، فحضر بين يدينا ملقيا ما شاهده من ازدياد المشاهد، بتلك الإياله، واستبشار المعاهد، بعودة ذلك الملك الرفيع الجلاله، الشهير الأصاله؛ ووصل صحبته ما حمّلتم جفنة «2» من الطعام برسم إعانة هذه البلاد الأندلسيّة، والإمداد الذي افتتحتم به ديوان أعمالكم السنيّة، وأعربتم به عمّا لكم في سبيل الله من خالص النّيّة؛ وأخبر أنّ ذلك إنما هو رشّة من غمام، وطليعة من جيش لهام، ووفد من عدد، وبعض من مدد، وأنّ عزائمكم في الإعانة والإمداد على أوّلها، ومكارمكم ينسى الماضي منها بمستقبلها؛ فأثنينا على قصدكم الذي لله أخلصتموه، وبهذا العمل البرّ خصصتموه، وقلنا: لا ينكر الفضل على أهله، وهذا برّ صدر عن محلّه؛ فليست إعانة هذه البلاد الجهاديّة ببدع من مكارم جنابكم الرفيع، ولا شاذّة فيما أسدى على الأيام من حسن الصّنيع؛ فقد علم الشاهد والغائب، ولو سكتوا أثنت عليها الحقائب، ما تقدّم لسلفكم في