الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثاني (ما صار إليه الأمر بعد وصول أطلمش إليه)
وهذه نسخة جواب والعنوان سطران بقلم الثلث بماء الذهب ما صورته:
«المقام الشريف، العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجأ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين؛ تيمور كوركان- زيدت عظمته-.
والطرّة ثلاثة أوصال، والبسملة الشريفة في أوّل الوصل الرابع. ثم «الحمد لله» وتتمة الخطبة بالذّهب، وبيت العلامة عرض أربعة أصابع مضمومة، وما يليها من الأسطر سعة ثلاثة أصابع، والعلامة الشريفة بين السطر العاشر والحادي عشر من سطور الكتابة، موافقا لانتهاء الخطبة عند «أما بعد فقد صدرت هذه المفاوضة» . والعلامة الشريفة بجليل الثلث بماء الذهب «المشتاق فرج بن برقوق» . وهامش الكتاب أربعة أصابع مطبوقة، والخطبة وما يليها من البعدية وألقاب المقام القطبي المركبة والمفردة الجميع بالذهب. ومضمونه بعد البسملة:
الحمد لله الذي شيّد قواعد الإصلاح، ومهّد مواطن الرّشد والنّجاح، وجعل أذان المؤمن يجيب داعي الفلاح.
نحمده على أن ألفّ بين القلوب بلطيف الارتياح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله زمّ نفوس المؤمنين بحبل التقوى من حميّة الجماح، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي وضح من نور رسالته فجر الإيمان ولاح، ونفح من نور معجزاته زهر الدين الحنيفيّ وفاح؛ صلّى الله عليه وعلى آله الذين شدّوا ظهور كلمهم من الصّدق بأتقن وشاح، وعلى صحابته الذين بينوا من عهودهم بفقههم في الدين الواجب والمندوب والمحظور والمباح؛ وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فقد صدرت هذه المفاوضة إلى المقام الشريف، العالي، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، المظفّريّ، الملجئيّ، الملاذيّ، الوالديّ، القطبيّ، نصرة الدين، ملجإ القاصدين، ملاذ العائذين، قطب الإسلام والمسلمين:
ملك يفوق الخلق طرّا هيبة
…
فبه نهاية غاية التّأميل!
تيمور كوركان- زيدت عظمته، ودامت معدلته؛ ولا زالت رايات نصره خافقة البنود، وآيات فضله متلوّة في التهائم «1» والنّجود؛ وسحب فضائله هامية بالكرم والجود، ومهابة سطوته تملأ الوجود- تهدي إليه من السلام ما حلا في حالتى الصّدور والورود، ومن الإخلاص ما صفا وضفت منه البرود.
وتبدي لعلمه الشريف أن مفاوضته الشريفة وردت علينا جوابا عما كتبناه إلى حضرته الشريفة، على يد المجلس العالي الأميريّ الشهابي، أحمد بن غلبك وسيف الدين، قاني بيه الناصري، المجهّزين صحبة المجلس العالي، الأميريّ، الجلاليّ أطلمش، لزم المقام الشريف، بوصول الأمير جلال الدين أطلمش إلى حضرته الشريفة طيّبا، مبديا بين يديه ما حمّلناه من رسائل الأشواق، مبيّنا ما هو اللائق بخلاله الحسنة عن حضرتنا ما دبّج به الأوراق، شاكرا لإنعاماتنا التي هي في الحقيقة من شيم فضلكم الخفّاق، مثبتا منه ومن فحوى الخطاب في نظم الكتاب صدق المقال وصحّة العهد ورسوخ الميثاق، وأنه قد ثبت بما بثّ من غرائب المعاني حصول الأمانيّ، وسرى بعد ما يكون من هدايا التّهاني، وأن الذي اتفق الآن هو المطلوب، والمكتوب به إلى والدنا الشهيد الطاهر أوّلا هو المرغوب؛ وخلافه كان موجبا لنقل الحركات الشريفة إلى جهة البلاد، وما اتفق فيه للعباد، ولكن كلّ بقضاء وقدر. ولما حصل قبول الإشارة بتجهيز الرّسل والأمير أطلمش، صارت القلوب متّفقة، والعيون قارّة؛ وصفت موارد الصّفاء، وضفت برود الوفاء؛
وقطعت حبال المنافاة والجفاء. وأنّ المقام الشريف كان أقسم في كتبه قسما وأعاده، ثم فصّل مجمله وأفاده؛ وهو- والله الطالب الغالب، المدرك المهلك، الحيّ الذي لا ينام ولا يموت- من يومه هذا لا يخالف ما صدر من عقد الصّلح المسطور، ولا يرجع عن حكمه للعهد المزبور «1» ؛ ويحبّ من يحبّنا ويبعض من يبغضنا؛ ويكون سلما لمسالمينا، حربا لمحاربينا؛ ومتى استنصرنا به على أحد من مخالفينا أمدّنا بما شئنا من العساكر، وأنه أمر ما ناله أحد من الناس غيرنا، وإنه لو كان القسم على الوجه الذي ذكره مصرّحا مذكورا في لفظ الكتاب، وعبارة الخطاب، لكان أوضح والتبيين أملح؛ وأنه حيث كان بأطراف ممالكه المجاورة لممالكنا أحد من المفسدين يجهّزه إلينا مقيّدا. وحيث كان أحد من المفسدين بممالكنا المجاورة لممالكه يعرّفنا به لنجهّزه إليه: لاتفاق الكلمتين، واتحاد المملكتين، وطمأنينة لقلوب الرعايا والسالكين من الجهتين؛ وما تفضّل به: من سؤال المقام الشريف الله عز وجل زيادة أسباب دولتنا، ونموّ إيالتنا، وأن الهلال إذا رأيت نموّه، أيقنت أن سيصير بدرا كاملا. وأنّا سنرى ما يصنعه المقام الشريف، من الفضل المنيف، ومن تلافي الأمور، ما يظهر للخاصّة والجمهور، مما يزيد بدرنا نموّا، وقدرنا بين الملوك سموّا: لأنه لنا أكفى كفيل، وأشفق من الولد والصاحب والخليل؛ وإن من علامة الصفا، إظهار ما خفى، وهو أن في أطراف ممالكنا الآن بلادا كانت داخلة في ممالكه، وهي أبلستين، وملطية، وكركر، وكختا، وقلعة الرّوم، والبيرة؛ وأنه كان حمل معناها على لسان المجلس السامي، النظامي، مسعود الكججاني أوّلا، المجهّز الآن صحبة الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه، وأن القصد أن نأمر من بها من النوّاب أن تسلّمها لنوّابه، والمعوّل في انتظام الأمور على ما تحمّله المشار إليه وعوّل عليه؛ وأنه شاكر لمرافقنا، موافق لموافقنا؛ وأنه يصغى إلى ما نبديه، ونتحف به ونهديه، على الصورة التي أبداها، والتحيّة التي بكريم الشّيم أهداها؛ فقد علمنا ذلك
جملة وتفصيلا، وشكرنا حسن صنيعه إقامة ورحيلا؛ وتضاعف سرورنا بوصول الأمير أطلمش إلى الحضرة الشريفة. ووصل إلينا الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه مرتّلين من ذكر محاسنكم ترتيلا، وعرضا ما تفضلتم به في حقّنا إكراما وتوقيرا وتبجيلا، وأنهيا بين أيدينا ما عوملا به من الفضل الذي ما عليه مزيد، والبرّ الذي تعجز الفصحاء أن تبديء بعض محاسنه أو تعيد؛ وأنهما كانا كلّ يوم من توفّر الفضل في يوم عيد، وحصل لهما من الإقبال ما لا يحصى بالحصر والتحديد؛ فحمدنا للمقام الشريف الوالديّ حسن هذا الفضل العام، وشكرنا جميل تفضّله ألذي أخجل الغمام؛ وتزايد شوقنا وحبّنا حيث زمزمت «1» ألفاظ المفاوضة الشريفة إلى ذلك المقام.
ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد!
وهذا هو اللائق بالخلال الشريفة، والمؤمّل في جلال صفاته المنيفة؛ ووصل الخواجا نظام الدين صحبتهما مبديا عن جنابكم من رسائل المحبّة والصّفاء، والمودّة والوفاء، ما يعجر عن وصفه الناظم والناثر، مظهرا من حسن المودّة وغزير المعرفة ما يفخر به الموالي والمؤاثر؛ سالكا من تأكيد أسباب الصّلح ما تتجمّل به مفارق المفاخر، معتذرا عما تقدّم فما قدّر ربما يكون سببا لإصلاح الآخر؛ متكفّلا عن صفاء طويّتكم لنا بما يسرّ السرائر؛ فضاعفنا إكرامه، ورادفنا إنعامه، ووفّرنا من العزّ أقسامه، وأنزلناه منزلا يليق به، ووصلنا كلّ خير بسببه؛ وما هو إلا مستحقّ لكل ما يراد به من فيض فضل وفضل.
وأمّا ما أشار إليه من إعادة القسم تأكيدا للصّلح، وتوضيحا للنّجح؛ ولو كان القسم الذي أقسمنا به مصرّحا لكان أولى، فقد علمنا ذلك وكتبنا ألفاظ القسم في كتاب الصّلح مصرّحة، وأعدناه إلى حضرته ليقرأ على مسامعه الشريفة؛ ويشمله
الخط الشريف ويعاد إلينا، ونحن نكرّر القسم، بباريء النّسم؛ الذي لا إله إلا هو، الطالب الغالب، المدرك المهلك، الحيّ الذي لا ينام ولا يموت، أنّا من يومنا هذا لا نخالف ما انتظم من عقد الصّلح المسطور، إلى يوم البعث والنّشور؛ ولا تحلّ عراه الوثيقة المشار إليها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ ونكون حربا لمن حاربه، وسلما لمن سالمه، ومبغضين لمبغضيه، ومحبّين لمحبّيه؛ ومن أشار بإشاره، أو شنّ على أحد من [رعاياه] غاره، رادفنا إسعافه وضاعفنا استظهاره، وأخلصنا القول والعمل في مصافاة المقام الشريف: لأن الصلح بحمد الله قد تمّ وكمل، فيكون ذلك في شريف علمه.
وأمّا ما أشار إليه من أمر القرى التي قصد تسليمها لنوّابه، وأنّها داخلة في حدود مملكته: كأبلستين، وملطية، وكركر، وكختا، وقلعة الرّوم، والبيرة، فقد علمنا ذلك. ونحن نبدي إلى علومه الشريفة أنّ هذه البلاد لا يحصل لنا منها خراج، ولا ينال ملكنا ونوّابنا منها في كلّ وقت إلا الانزعاج؛ وإذا جهّزنا إليها أحدا من النّوّاب، نتكفّل له غالبا بالخيل والرّجل والرّكاب؛ وبضواحيها من سرّاق التّركمان، وقطّاع الطريق من العربان، ما لا يخفى عن مقامه. ولو كانت دمشق أو حلب، أو أكبر من ذلك مماله «1» عن الطّلب؛ ما توقّفنا فيها عن قبول إشارته لتأكيد المحبّة، واتّحاد الكلمتين من الجانبين في أعلى رتبة؛ غير أنّ لتسليمها من الوهن لمملكتنا منافاة لما تفضّل به المقام الشريف من سؤال الله تعالى في زيادة سلطنتنا. خصوصا وقد وعد المقام الشريف الوالديّ بما سنرى، وسوف تظهر نتيجته مما يتفضّل به بين الورى؛ وأنّ الذي سمح لنا به من الاستظهار ما ناله أحد من الناس، وما حصل لنا بما أبداه الخواجا مسعود بين أمراء دولتنا من المشافهة عن مقامه الشريف من قوّة الجاش والإيناس؛ ونحن نترقّب بيمن حركاته، وسديد إشاراته، زيادة الخبر في النّفس والملك والمال، ونتوقّع من جميل كفالته السعادة الأبديّة في الحال والمآل؛ فيكون ذلك في شريف علمه.
وقد جهّزنا بهذه المفاوضة المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الأعزيّ، الأخصّيّ، المقرّبيّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، النّصيريّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء الخواصّ في العالمين، منتخب الملوك والسلاطين، منكلي بغا الناصري أمير حاجب «1» ، أدام الله تعالى سعده، وأنجح قصده؛ وعلى يده من الهديّة المصرية ما تهيّأ تجهيزه بمقتضى القائمة الملصقة بذيلها، وأعدنا المجلس العالي النّظاميّ: مسعودا ومن معه إلى المقام الشريف، متحمّلين من رسائل الأشواق والاتّحاد، ما لا يقع عليه الحصر والتّعداد؛ وما أخرنا الخواجا نظام الدين مسعودا هذه المدّة بالباب الشريف إلا لأمر عرض من قضيّة السلطان أحمد بن أويس، وهربه «2» من بغداد إلى حلب، وجهّزنا من الباب الشريف من يحضره إلى دمشق ليحصل منه الأرب؛ ثم بعد ذلك بأيّام ورد الخبر من كافل الشام المحروس، بوصول قرا يوسف «3» بن قرا محمد إلى دمشق في نفر قليل. فجهّزنا أحد الأمراء إلى كافل الشام بمثال شريف، يتضمّن القبض على السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف المذكورين، وإيداعهما الاعتقال بقلعة دمشق المحروسة، وفاء للعهد وتأكيدا. وحمّلنا الأمير سيف الدين منكلي بغا المذكور، مشافهة في معناهما. والقصد من جميل محبّته، وجزيل أبوّته، قبول المجهّز من ذلك، وبسط العذر فيه إذا وصل إلى حضرته هنالك: لأن الديار المصرية وأعمالها حلّ بها من المحل لعدم طلوع النّيل في هذه السنة ما لا يحصر ولا يحصى، ولا سمع بمثله.
وشمول نسخة الصلح المعادة بالخط الشريف، ومضاعفة إكرام حاملها الأمير منكلي بغا بالبرّ الوريف؛ والإصغاء إلى ما تحمّله من المشافهة في معنى أحمد بن أويس وقرا يوسف، والله تعالى يشيّد بتمهيده قواعد الدين الحنيف، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
(الثالث (من ملوك توران من بني جنكزخان القان الكبير، صاحب التّخت، وهو صاحب الصّين والخطا)) قال في «التعريف» : وهو أكبر الثلاثة، ووارث تخت جنكزخان. قال:
ولم يكن يكاتب لترفّعه وإبائه، وطيرانه بسمعة آبائه؛ ثم تواترت [الآن] الأخبار بأنه قد أسلم ودان دين الإسلام، ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام. قال: وإن صحّ ذلك- وهو المؤمّل- فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين، وعمّت المشرق والمغرب، وامتدّت بين ضفّتي المحيط. ثم قال: فإن صحّ إسلامه وقدّرت المكاتبة إليه، تكون المكاتبة إليه كالمكاتبة إلى صاحب إيران ومن في معناه من سائر القانات المقدّم ذكرهم، أو أجلّ من ذلك.
قلت: ولم يتعرّض إلى المكاتبة إليه على تقدير بقائه على الكفر، ويشبه أن تكون المكاتبة إليه على ذلك «1» وشدّة سطوته، فيعطى من قطع الورق بقدر رتبته.
ثم يجوز أن تبتدأ المكاتبة إليه كصاحب القسطنطينية ومن في معناه، مع مراعاة معتقده في ديانته بالنسبة إلى «2» كما يرعى مثل ذلك في المكاتبة إلى ملوك النّصرانية، والوقوف في الخطاب وما ينخرط في سلكه عند الحدّ اللائق به. والأمر في ذلك موكول إلى اجتهاد الكاتب ونظره.