الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم المكاتبات الصادرة عنهم على أسلوبين:
الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «كتابي» )
والرسم فيه أن يقال كتابي- أطال الله بقاء سيدي، أو بقاء مولانا- والأمر على كذا وكذا، ومولانا أمير المؤمنين، أو والجانب الأشرف ونحو ذلك على حال كذا؛ ثم يتخلّص إلى المقصد بعد ذلك بما يقتضيه المقام ويختم بقوله ورأي حضرة سيدنا أعلى.
كما كتب بعض الكتّاب عن الوزير قوام الدين بن صدقة «1» إلى بعض وزراء ملوك زمانه في معنى أمير مكة المشرّفة، وما كان بينه وبين أمير الحاجّ في بعض السّنين ما صورته:
كتابي- أطال الله بقاء حضرة سيدنا- ومواهب الله سبحانه في أمر مولانا أمير المؤمنين جارية على الإرادة، مقابلة بالشكر المؤذن لها بالدوام والزّيادة؛ والحمد لله ربّ العالمين. وقد تتابعت المكاتبات في أمر النّوبة «2» المكيّة تتابعا علمه السامي به محيط، والعذر في الإضجار بها مع إنعام النظر بسببها مبسوط؛ وبعد ما صدر آنفا في المعنى المذكور وصل كتاب زعيم مكّة بما نفذ على جهته ليعلم منه ومما لا ريب أنه أصدره إلى الدّيوان العالي السلطاني- أعلاه الله- حقائق الأحوال بغير شكّ: أنه قد اتضح تفريط من فرط «3» في هذه النوبة وعجل، وتحقّق
المثل السائر «ربّ واثق خجل» وأسباب ثمرة الهوى الذي ما زال يجمح براكبه، ويريه سوء عواقبه؛ وعلم أنه لم يخط فيما شرع فيه، واستمرّت على الخطأ أواخره ومباديه، إلا بوعد أخلف، ومال أتلف؛ وخطر ارتكب، وصواب تنكّب، وحزم أضيع، وهوّى أطيع، حتّى كان قصاراه، دفع اللائمة عنه، فإنه أوصل الحجيج إلى مقصودهم وأعادهم، وأحسن التواصل حتّى أدركوا من أداء الفريضة مرادهم؛ وهل اعترض دون هذا الأمر مانع، أو كان عنه دافع؟ لولا ما صوّره من الأسباب التي أفسد بها الأمور، وأوغر بمكانها الصّدور، وكفل بعد ما قرّره من ذلك ومهّده، ما عكسه سفه الرأي عليه، وأبعده العجز عن الوصول إليه؛ وأيّ عذر في هذا المقام يستمع؟ أم أيّ لائمة عنه تندفع؟ وقد جرت الحال على ما علم، وتحدّث بانخراق حجاب الهيبة كلّ لسان ناطق وفم، ووقع الاتفاق من كافّة الحاجّ على أن تمسّك نائب مكة بطلب الرّضا، وتكفيل خصمه باستدراك ما تلف من التفريط في معايشه ومضى، ونظره في العاقبة التي ينظر فيها ذوو الألباب، وعمله بما أصدره الديوان العزيز من مكاتبة أمر فيها بالطاعة وخطاب؛ وهو الذي لأم النوبة وشعبها، وسهّل عسيرها ومستصعبها؛ ولو افتقرت إلى سعي أمير الحاجّ واجتهاده وإبراقه بعسكره وإرعاده، لكان الحجّ ممتنعا والخطر العظيم متوقّعا، ولم يحصل الوفد إلا على التغرير بالنفوس، والجود منها بكل مضنون به منفوس؛ ثم عرب الطريق الذي ما زال أمير الحاجّ في حقّهم خاطبا، ولإكرامهم بالقول المتكرّر طالبا، وجاعلا ما لعله يتأخّر من رسم أحدهم من دواعي الخطر في سلوك [الطريق]«1» المردية، وموجبات الفساد في المناهل والأدوية، يتلو من النّهب والاجتياح، والأذى العائد على فاعله بالاقتراف العظيم الوزر والاجتراح، بما يؤلم شجاعة القلوب ويحرّقها، ويبكي العيون ويؤرّقها؛ ولقد انتهى أن العسكر المنفّذ أمامه كان يتنقّل في هضاب البرّيّة وغيطانها، وينقّب عن منازل العرب وأوطانها، فيستقري أحياءهم حيّا فحيّا، ويتخلّل الفجاج فجّا ففجّا، فإذا شارفوا قبيلة منهم طلب النجاة منهم بالحشاشات «2» رجالها، وأسلمت إليهم نساؤها وأطفالها
وأموالها؛ فيتحكّمون في ذلك تحكّم من استحلّ موقفه في إباحة محارم الله ومقامه، وأمن مكره الحائق بالظالمين وانتقامه؛ ويستبيحون حريم كلّ بريء غافل لم يقارف ذنبا، وطائع لا يستحقّ غارة ولا نهبا؛ فأين كان [من]«1» النظر عند هذا الفعل في حفظ عرب الطريق؟ وكيف عزب عنه في هذا الرأي منهج التوفيق؟ وهل تتصوّر الثّقة بكل قبائل العرب عن إفساد الآبار والمصانع؟ والعبث بكل مستطاع في المناهل والمشارع، خاصّة إذا علموا أن الذي ظلمهم، واباح حرمهم، هو السالك للطريق آنفا، والمتمكّن فيهم من معاودة الأذى الذي أضحى كلّ به عارفا، واستدراك الفارط في هذا الأمر المهمّ متعين، ووجه الرأي فيه واضح متبيّن، والإشارة في كتاب زعيم مكة، إلى ما جرى من المعاهدة واستقرّت القاعدة عليه [من]«2» إعادة ارتفاعه المأخوذ ورسومه على التمام والكمال إليه، أدلّ الأدلّة على بعد النوبة من الالتئام، ودخول الخلل عليها وانحلال النّظام، وتعذّر الحجّ في المستقبل. على أن من أفسدها، لم يتأمّل لنفسه طريق الصّدر حين أوردها؛ والألمعيّة السامية المعزّيّة حرس الله عزّها اللامحة ببديهتها العواقب، المستشفعة سرائرها بالرأي الثاقب، أهدى إلى تدبيرها بما يستدرك الفارط «3» ، ويتلافى غلط الغالط، ويعيد الأحوال إلى جدد «4» الصلاح وسننه، ويجريها على أجمل قانون مألوف وأحسنه، وما أولاه بالتقديم في هذا المهمّ الذي لا أحق منه بالاهتمام والجدّ الصادق التام، بما تطمئنّ به النفوس إلى صلاحه وانتظامه، وارتفاع كلّ مخشيّ من الخلل الداخل عليه وانحسامه، والإعلام في الجواب بما يقع السكون إلى معرفته، ويحصل الأنس والشكر في مقابلته؛ ورأي حضرة سيدنا أعلى إن شاء الله تعالى.