الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهنّيء المملوك المولى بنعمة الله عنده وعند الإسلام وأهله بمن زاده في ولده، وكثّره في عدده؛ وهو الأمير «أبو سليمان داود» أنشأه الله إنشاء الصالحين، ومنّ الله بكمال خلقه، ووسامة وجهه، وسلامة أعضائه، وتهلّل غرّته، وابتسام أسرّته؛ ودل على أن هذا البيت الكريم فلك الإسلام لا يطلع فيه إلا البدور، كما دلّ على عناية الله بأبيه، فإن الله تعالى قال: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ
«1» فطريق المولى هذه قد توالت فيها البشائر، ونصر الله فيها بألطاف أغنت بلطف الخواطر عن قوة العساكر، واشتملت عليه في الغائب من أمره والحاضر وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
«2» وكيف يحصيها المحصي ويحصرها الحاصر، أيحيط ما يفنى بما لا ينفد؟.
فالحمد لله الذي جعل كتب المولى إلى أوليائه وكتبهم إليه مبتسمة عن المسارّ، ناطقة بأطيب الأخبار، منكشفة أسرارها عمّا يروّح الأسرار؛ وهذا الولد المبارك هو الموفّى لاثني عشر «3» ولدا، بل اثني عشر نجما متوقّدا. فقد زاد الله في أنجمه عن أنجم يوسف عليه السلام نجما، ورآهم المولى يقظة ورأى ذلك الأنجم حلما؛ ورآهم ساجدين له ورأينا الخلق له سجودا، وهو سبحانه قادر أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا.
الجملة الثالثة (في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الغرب إليهم، والمختار منه أربعة أساليب)
الأسلوب الأول (أن تفتتح المكاتبة بلقب المكتوب إليه)
مثل: المقام أو الجناب، وينعت، ثم يقال: مقام فلان، ثم يؤتى بالسلام ثم
بالبعديّة، ويؤتى بخطبة، ويتخلّص إلى المقصد، ويؤتى عليه إلى آخره، ويختم بالدعاء ثم بالسلام.
كما كتب ابن البنّاء عن ابن خلاص إلى أمير المسلمين الواثق بالله أبي بكر بن هود، في جواب كتاب ورد عليه منه ما صورته:
المقام العليّ، الواثقيّ المعتصميّ، المبارك السامي السّنيّ، معدن الفضل ومقرّه، ومسحب ذيل الفخر ومجرّه، ومناط حمل أمانة المسلمين التي لا يحملها إلا أبلج الشّرف أغرّه، ولا يتقلّد قلادتها إلا تقيّ المنشإ برّه؛ مقام مولانا جمال الملك وبهائه، والباعث في معطفه أريحيّة النجابة وازدهائه، الأمير الأجلّ المعظم، المكبّر الهمام المكرم، المبارك الميمون السعيد، الموفّق الرشيد، المظفّر المؤيّد، المرفّع الممجّد، وليّ العهد، وواسطة عقد المجد، والملبس سرابيل اليمن والسعد، الواثق بالله، المعتصم به، أبي بكر ابن مولانا مجد الإسلام، وجمال الأنام؛ ومجاهد الدّين، سيف أمير المؤمنين، المتوكّل على الله تعالى أمير المسلمين، أبقاه الله واردا من مشارع التأييد أعذبها، متخوّلا من صنع الله الجميل ما يسدّد أبعد الأمة وأقربها؛ ممتدّا مدّ السعادة ما جلت غرّة الفجر حندس «1» الظلماء وغيهبها. عبد بابه الأشرف، ومملوك إحسانه الأسحّ الأذرف، مسترقّه الآوي إلى ظل سلطانه الأمدّ الأورف، الحسن بن أحمد بن خلاص.
سلام الله الطيب الكريم وتحيّاته، يعتمد الواثقيّ المعتصميّ ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله الذي له الأمر من قبل ومن بعد، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه الذي ترتّبت على اجتنابه الشقاوة ووجب باتباعه السعد، وعلى آله وصحبه الذين ناضلوا عن ديانته حتّى وضح السّنن وبان القصد- والرضا عن خليفته وابن عمّه الإمام العباسيّ أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور المستنصر بالله، وارث شرفه
النبويّ، ومجده الهاشميّ، بخصائصه التي لا تعفّي أنوارها الأبكار «1» ، ولا يطمس آثارها الحجر. وعن مولانا مجد الإسلام، جمال الأنام؛ مجاهد الدّين، سيف أمير المؤمنين، المتوكل على الله تعالى أمير المسلمين؛ ذي العزمات التي لا تغني غناءها الذّبل «2» التي منبتها الخطّ «3» ، ولا القضب «4» التي منشؤها الهند. والدعاء لمقام الثّقة والاعتصام، ومقرّ الإحسان والإنعام، بالنصر الذي يؤازره الظّفر، ويظاهره العضد.
فكتبه عبد المقام الواثقيّ المعتصميّ- كتب الله له تأييدا يحفظ على الدين نظامه، وتخليدا يرث ليالي الدّهر وأيامه- من إشبيلية حرسها الله تعالى، وللبركات المتوكّليّات والواثقيّات بها انثيال كما تتابع القطر، وسطوع كما ابتسم في مطالعه الفجر، وتعهّد لا تزال تقرّ به العين وينشرح له الصدر؛ والخدمة اللازمة للمثابة العلية الواثقية المعتصميّة- أعلى الله مكانها، وشيّد بعضده أركانها- فرض لا يسع تأخيره، وحقّ لا يعلق به تفريط المتقلّد له ولا تقصيره، ولازم من اللوازم التي لا يشغل بسواها سرّ المملوك ولا ضميره؛ والله ينجد من ذلكم على ما يتسوّغ به صفو المنّ ونميره «5» . وإن الخطاب الكريم الواثقيّ شرّف الله منازعه، ونوّر بأنوار السعادة مطالعه، ورد على العبد مشيدا بذكره، معليا من قدره، مسميا لرتبة فخره، متضمّنا من واسع الإنعام وغمره ما لو وزّع على العالم لشملهم بأسره، وأغرقهم بفيض يسير من بحره؛ فتناوله المملوك بيمين إجلاله وإعظامه، ووفّى الواجب من
لثمه واستلامه، وألفى به ريّا ناقعا لغليل الشوق المبرّح إلى اجتلاء غرّته الكريمة وأوامه «1» ؛ وجعل يتتبع سطوره، ويستقري فقره وشذوره، فلا يقف من ذلكم كلّه إلا على ما يملأ حوباءه «2» جذلا، ويخوّله الابتهاج غنما ونفلا «3» ؛ ويبوّئه أسنى مراتب التشريف قننا وقللا «4» ؛ وهو على ما حكمت به الأقضية من شحطه عن المثابة الواثقيّة شرّفها الله وشسوعه، وإيواء مغاني أنسه لذلكم ورجوعه؛ لا يجد أنسا إلا ما يتوالى قبله من متعهّد اهتمامها، وتهديه إليه ألسنة أقلامها؛ فكلما وفد عليه من صحائفها المكرّمة وافد، وورد من حضرتها المعظّمة وارد؛ فقد جدّد الزمان عنده يدا غرّا، وأطلع عليه بدرا، وأفاده من الابتهاج ما يعمر الخلد، وينشر نسيم الاستبشار إذا سكن وركد؛ وما ينفكّ على نأي المكان، وبعد الأوطان، يحافظ على رسمه من خدمها، ويؤدّي وظائف الشكر بجسيم منحها وعميم نعمها، ويجعل على نفسه المتملّكة رقيبا من أن يخلّ في سرّ أو جهر بعهد من عهودها أو ذمّة من ذممها؛ ومهما تجدّد صنع يتعين إهداؤه، ويجب قضاء الحق بالدلالة عليه وأداؤه؛ لم يصحبه في المطالعة به توان، ولم يعبر في جلائه أوانا إلى أوان. وقد كان قدّم مطالعاته قبل إلى الباب الواثقيّ شرفه الله باسطا لتفاصيل الأحوال، وشارحا لها على الاستيفاء والكمال؛ ولم يتجدّد بعد ذلك إلا تمكّن الرجاء في فتح لبلة «5» يسّر الله مرامها عن دنوّ بحول الله وقرب، وأنطق لسان الحال بتيسير كلّ عصيّ من محاولاتها وصعب. ولو أنّ مكانا عضّه الدهر من أنياب حوادثه