الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهيع الرابع (في المكاتبة إلى صاحب الهند والسّند)
وقد ذكر في «التعريف» أن صاحبه في زمانه كان اسمه أبا المجاهد محمد بن طغلقشاه «1» ثم قال: وهو أعظم ملوك الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وبرّا وبحرا، وسهلا وقفرا؛ وأن سمته في بلاده «الإسكندر الثاني» ثم قال: وتالله إنه يستحقّ أن يسمّى بذلك ويوسم به: لاتّساع بلاده، وكثرة أعداده، وغزر أمداده؛ وشرف منابت أرضه، ووفور معادنه، وما تنبته أرضه، ويخرجه بحره. ويجبى إليه، ويرد من التّجّار عليه. وأهل بلاده أمم لا تحصى، وطوائف لا تعدّ. ثم حكى عن قوم ثقات منهم قاضي القضاة سراج الدين الهنديّ الحنفيّ، وهو يومئذ مدرّس البيدمريّة بالقاهرة، والتاج البزّي، والشيخ مبارك الأنبايتيّ: أن عسكر
هذا السلطان نحو التسعمائة ألف فارس، وعنده زهاء ألفي فيل يقاتل عليها، وخلق من العبيد تقاتل رجّالة مع سعة الملك والحال، وكثرة الدّخل والمال، وشرف النّفس والإباء، مع الاتّضاع للعلماء والصّلحاء؛ وكثرة الإنفاق، وعميم الإطلاق؛ ومعاملة الله تعالى بالصّدقة، وإخراج الكفاية للمرتزقة؛ بمرتّبات دائمة، وإدرارات متّصلة؛ بعد أن حكى عن رسوليه دميرخوان «1» وافتخار ما قال: إنه لو سكنت النفوس إلى براءتهما من التعصب [فيه] لحكى منه العجائب، وحدّث عنه بالغرائب؛ ثم ذكر أنه أرسل مرّة مالا برسم الحرمين وبيت المقدس، وهدية للسلطان تزيد على ألف ألف دينار؛ فقطع عليها الطريق باليمن، وقتل محضرها بأيدي مماليك صاحب اليمن، لأمر بيّت بليل؛ ثم قتل قاتلوه، وأخذ أهل اليمن المال وأكلوه؛ وكتب عن السلطان إلى صاحب اليمن في هذا كتاب منه «وقد عددت عليه فعلته» وقيل فيه:«وفعل ما لا يليق، وأمسى وهو يعدّ من الملوك فأصبح يعدّ من قطّاع الطريق» . وقد سبق في الكلام على المسالك والممالك من عظيم هذه المملكة وعظم قدر رجالها ما فيه كفاية عن الإعادة.
قال في «التعريف» : ورسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار المقدّم ذكرهم، في هيئة الكتاب وما يكتب به والطّغراة والخطبة. وألقابه «المقام الأشرف، العالي، المولويّ، السلطانيّ، الأعظميّ، الشاهنشاهيّ، العالميّ، المجاهديّ، المرابطيّ، المثاغريّ، المظفّريّ، المؤيّديّ، المنصوريّ، إسكندر الزمان، سلطان الأوان، منبع الكرم والإحسان، المعفّي على ملوك آل ساسان، وبقايا أفراسياب وخاقان، ملك البسيطة، سلطان الإسلام، غياث الأنام؛ أوحد الملوك والسلاطين» ويدعى له. قال: ولم يكتب إليه في ذلك الوقت لقب ينسب إلى الخلافة نحو «خليل أمير المؤمنين» وما يجري هذا المجرى، إذ كان قد بلغنا أنه يربأ بنفسه إلى أن يدّعى الخلافة، ويرى له فضل الإنافة.
قلت: مقتضى ما ذكره في «التعريف» حيث قال: إن رسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار في هيئة الكتاب وما يكتب به، والطّغراة والخطبة، أن المكاتبة إليه تفتتح بخطبة مبتدأة ب «الحمد لله» كما تقدّم في افتتاح المكاتبات إلى القانات. والذي ذكره في «التثقيف» أن المكاتبة إليه تكون في قطع البغداديّ الكامل بالذهب والأسود، كما جرت العادة به، يعني في كتب القانات، إلا أنه جعل رسم المكاتبة إليه:«أعزّ الله تعالى أنصار المقام، العالي، السلطانيّ، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ» . ثم قال: وهذه الألقاب سطران كاملان وبينهما بيت العلامة على العادة، وبعد السطرين المذكورين في الجانب الأيمن من غير بياض «أبو المجاهد محمد ابن السلطان طغلقشاه زيدت عظمته» . ولا يذكر لقبه. والدعاء، والعلامة «أخوه» . وتعريفه «صاحب الهند» . وقد رأيت تصويره في بعض الدساتير على هذه الصورة:
أعز الله تعالى أنصار المقام العالي بيت العلامة السلطانيّ، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ قال في «التعريف» : والعنوان جميعه بالذهب وهو سطران، وتعريفه «صاحب الهند» . وبقية الكتاب بالسواد والذهب أسوة القانات؛ وبه يشعر كلام «التعريف» فيما تقدّم.
وهذا دعاء معطوف وصدر يليق به، ذكره في «التعريف» وهو:
ولا زال سلطانه للأعداء مبيرا، وزمانه بما يقضي به من خلود ملكه خبيرا، وشأنه وإن عظم يتدفّق بحرا ويرسي ثبيرا «1» ، ومكانه- وإن جلّ أن يجلببه مسكيّ الليل- يملأ الأرجاء أرجا والوجود عبيرا، وإمكانه يستكين له الإسكندر خاضعا وإن جاز نعيما جمّا وملكا كبيرا، ولا برحت الملوك بولائه تتشّرف، وبآلائه
تتعرّف، وبما تطبع مهابته من البيض ببيض الهند في المهج تتصرّف. المملوك يخدم بدعاء يحلّق الله إلى أفقه، [ويحلّ العلياء والمجرّة في طرقه]«1» ، ويهدي منه ما يعتدل به التاج فوق مفرقة، ويعتدّ له النّجم ولا يثنيه إلّا وسادة تحت مرفقة؛ ويسمو إلى مقام جلاله ولا يسأم من دعاء الخير، ولا يملّ له إذا ملّت النجوم عن السّير؛ ولا يزال يصف ملكه المحمّديّ بأكثر مما وصف به الملك السليماني، وقد قال: وأوتينا من كلّ شيء، وعلّمنا منطق الطير.
قلت: وهذا الدعاء المعطوف مما يؤكد ابتداء المكاتبة بالدعاء، خلافا لما تقدّم أنه مقتضى تصوير كلامه في «التعريف» .
واعلم أنّ في هذه المكاتبة على ما ذكره في «التعريف» شيئين قد خالف فيهما قاعدة المكاتبات عن الأبواب السلطانية.
أحدهما- إتيانه في «التعريف» في ألقابه بالمولويّ. والثاني- قوله في الصدر المتقدّم الذكر «المملوك يخدم» . فقد ذكر صاحب «التعريف» في كتابه «عرف التعريف» «2» : أن السلطان لا يكتب عنه في العلامة «المملوك» وإنما خالف القاعدة في ذلك هنا تعظيما لمقام المكتوب إليه وإعلاء لرتبته، حيث قال في أوّل كلامه: إنه أعظم ملوك الأرض على ما تقدّم ذكره، فعبّر عن مقامه بما يليق به، وخاطبه بما يليق بخطابه، كما تقدّم أنه كان يكتب إلى أبواب الخلافة «المملوك» أو «الخادم ينتهب ثرى الأعتاب» أو «يقبّل الأرض» ونحو ذلك تعظيما لمحل الخلافة، لا سيما وقد تقدّم أن صاحب الهند حينئذ كان يدّعي الخلافة، إلا أنّ
نظام هذا الملك قد أختلّ ونقص عمّا كان بموت السلطان محمد بن طغلقشاه حين توفي، واستقر مكانه ابن خالته «1» فيروز شاه «2» ولعل المكاتبة التي ذكرها في «التثقيف» إنما رتّبت على حكم ما كان في أيّامه بعد»
ذكر المكاتبة المذكورة، بعد أن ذكر أنّ محمد بن طغلقشاه مات وقام فيروز شاه مقامه، إلا أنه مثل المكاتبة المذكورة بمحمد بن طغلقشاه، فاقتضى أن يكون هو المعنيّ بالمكاتبة. ثم تفرّقت المملكة بعد ذلك في سلطانين «4» ، فيما أخبرني به بعض أهل الهند؛ ثم تزايد نقصها بعد أن غزا «5» [ها] تمرلنك وغلب