الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم على يقين أن طريق الدعوة إلى الله ملئ بالتضحيات بالأموال والأنفس، لكن عاقبته نجاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (1). أي إِما النصر والغنيمة، وإما الموت والشهادة (2).
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على استثمار كل مناسبة في الدعوة إِلى الله، ومهما كانت التضحيات عظيمة وجسيمة، وقد حاول المشركون المخادعة والغدر بالمسلمين فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إِرسال بعوث من قبله للدعوة بين الأعراب عسى أن يستجيبوا للحق، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام
.
الأول: بعث الرجيع
.
في أواخر السنة الثالثة من الهجرة، وقيل في أوائل السنة الرابعة، فقد سعت قبيلة هذيل للانتقام لقتل زعيمها خالد بن سفيان الهذلي، فاتفقت مع قبيلتين من مضر هما: عضل والقارة، على إِرسال وفد من هاتين القبيلتين إِلى المدينة ليحتالوا في إِحضار بعض الصحابة ليقتلوهم انتقامًا لزعيمهم، ويبيعوا البعض الآخر لقريش (فإنهم ليسوا لشيء أحب إِليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمَّد، يمثلون به ويقتلونه بمن قُتِل منهم ببدر)(3). فجاء رهط من عضل والقارة إِلى المدينة فقالوا: (يا رسول الله، إِن فينا إِسلامًا، فأبعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإِسلام)(4).
فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابة بقيادة عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فلما اقترب الصحابة من عسفان ثار عليهم بطن من هذيل يقال لهم لحيان،
(1) سورة التوبة، آية 52.
(2)
محمد أبو شهبة، السيرة النبوية 2/ 242.
(3)
الواقدي، المغازي 1/ 350.
(4)
ابن هشام، السيرة 2/ 120.
فلجأ الصحابة إِلى مرتفع ليتحصنوا به، فأحاط بهم المشركون وقالوا لهم:(لكم العهد والميثاق إِن نزلتم إِلينا أن لا نقتل منكم رجلًا. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قَتَلوا عاصمًا في سبعة نفر بالنبل، وبقي خُبيب بن عَدِي، وزيد بن الدِّثنة، وعبد الله بن طارق، فأعطوهم العهد والميثاق أن لا يقتلوهم فنزلوا إِليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قِسِّيهم فربطوهم بها، فقال عبد الله بن طارق: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو حارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيبًا قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فمكث عندهم أسيرًا، حتى إِذا أجمعوا على قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته، قالت: فغفلتُ عن صبي لي، فدرج إِليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منى، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذاك إِن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما في مكة يؤمئذ ثمرة، وإِنه لموثق في الحديد، وما كان إِلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه (1)، فقال: دعوني أصلي ركعتين. ثم انصرف إِليهم بعد أن صلّى فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدتُ، فكان أول من سَنّ الركعتين عند القتل، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بِدَدَا ولا تغادر منهم أحدا. ثم قال:
ولست أبالي حين أُقْتَلُ مسلمًا
…
على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإِن يشأ
…
يبارك على أوصال شلوٍ مُمَزَّعِ
ثم قام إِليه عقبة بن الحارث فقتله بعد أن رفعوه على خشبة.
(1) وذلك أنهم خرجوا به إِلى التنعيم، بعد انقضاء الأشهُر الحرُم. ابن هشام، المصدر السابق 2/ 122، 123.