المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيعة العقبة الثانية: - صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

[محمد بن صامل السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌تعريف السيرة النبوية

- ‌السيرة لغة

- ‌السيرة اصطلاحًا

- ‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

- ‌النطاق الزماني للسيرة النبوية

- ‌النطاق المكاني للسيرة النبوية

- ‌عالمية الرسالة المحمدية

- ‌مصادر السيرة

- ‌1 - القرآن الكريم

- ‌2 - كتب السنة النبوية وشروحها

- ‌3 - كتب السيرة المختصة

- ‌4 - كتب الدلائل والشمائل المحمدية

- ‌5 - كتب تراجم الصحابة

- ‌6 - كتب التاريخ العام المدونة على الحوليات أو على الموضوعات

- ‌7 - كتب تاريخ الحرمين الشريفين

- ‌8 - كتب الأدب والشعر العربي

- ‌أقسام السيرة النبوية

- ‌القسم الأول: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

- ‌القسم الثاني: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من البعثة إِلى الهجرة

- ‌القسم الثالث: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من الهجرة حتى الوفاة

- ‌والسيرة النبوية بالنظر إِلى موضوعاتها ثلاثة أنواع:

- ‌النوع الأول: الشمائل والأخلاق النبوية

- ‌النوع الثاني: دلائل النبوة والمعجزات

- ‌فوائد معرفة الدلائل:

- ‌النوع الثالث: السير والمغازي

- ‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

- ‌جغرافية بلاد العرب

- ‌مكانة مكة المشرفة وحرمتها

- ‌أصول العرب وقبائلهم

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى قصي

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مضر

- ‌أحوال العرب قبل البعثة النبوية

- ‌1 - الأحوال السياسية

- ‌2 - الأحوال الدينية

- ‌3 - الأحوال الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌أسرته صلى الله عليه وسلم

- ‌ شرف عبد المطلب في قومه

- ‌الأول: حفر بئر زمزم

- ‌الثاني: حادثة الفيل

- ‌الثالث: نذر عبد المطلب

- ‌دروس وعبر:

- ‌مولده ورضاعة صلى الله عليه وسلم:

- ‌حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم:

- ‌وفاة أمّه وَجَدّه صلى الله عليه وسلم:

- ‌كفالة عمه أبي طالب:

- ‌دروس وعبر:

- ‌حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أوضار الجاهلية

- ‌مشاركاته صلى الله عليه وسلم في الأعمال العامة

- ‌1 - حرب الفجار:

- ‌2 - حلف الفضول:

- ‌3 - بناء الكعبة المشرفة:

- ‌حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة

- ‌دروس وعبر:

- ‌إرهاصات النبوة وبشائر الخير

- ‌1 - بشارات الأنبياء السابقين به:

- ‌2 - إِخبار اليهود عن بعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - تسليم الحجر عليه بالنبوة قبل البعثة:

- ‌4 - إخبار الكهان والجان ببعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌5 - الرؤيا الصادقة:

- ‌6 - حادثة شق الصدر:

- ‌الفصل الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلي الهجرة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

- ‌أول نزول القرآن في شهر رمضان:

- ‌شدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت خديجة له:

- ‌فترة الوحي:

- ‌الدعوة السرية:

- ‌الدعوة الجهرية:

- ‌ما لقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين:

- ‌شدة طغيان كفار قريش:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الهجرة إلى الحبشة وأسبابها

- ‌إِسلام حمزة رضي الله عنه:

- ‌إِسلام عمر رضي الله عنه:

- ‌صحيفة المقاطعة:

- ‌موت أبي طالب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌موت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌دروس وعبر:

- ‌خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌استماع الجنّ لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌دروس وعبر:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌دروس وعبر:

- ‌انشقاق القمر

- ‌تعرضُه صلى الله عليه وسلم للقبائل في المواسم

- ‌حديث سويد بن الصامت وإِسلام إِياس بن معاذ:

- ‌بدء إسلام الأنصار:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الثالث: الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة إِلى المدينة النبوية:

- ‌وكان من أسباب الهجرة

- ‌هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌في خيمة أمّ معبد:

- ‌دروس وعبر:

- ‌دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة:

- ‌استقراره عليه الصلاة والسلام بالدينة:

- ‌تنظيم المجتمع وبناء المؤسسات

- ‌1 - بناء المسجد:

- ‌2 - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌3 - موادعة اليهود في المدينة

- ‌وقد تضمنت الوثيقة بنودًا عدّة، منها:

- ‌1 - أنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

- ‌2 - أن يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين

- ‌3 - لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم

- ‌4 - إِلا من ظلم وأثم، فإِنّه لا يوتغ إِلا نفسه وأهل بيته

- ‌5 - أنّه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها

- ‌6 - وإنّه لا يأثم امرؤ بحليفه

- ‌7 - وإِن النصر للمظلوم

- ‌8 - وإِنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة

- ‌9 - وأنه لا يخرج أحد من اليهود إِلا بإِذن النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - كتابة عهد وميثاق ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌5 - تأسيس الجيش الإسلامي:

- ‌دروس وعبر:

- ‌أحداث السنة الأولى من الهجرة

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام حبر اليهود

- ‌2 - موت أسعد بن زُرارة نقيب بني النجّار

- ‌3 - مولد عبد الله بن الزبير بن العوام:

- ‌4 - بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها:

- ‌5 - زيادة ركعتين في صلاة الحضر:

- ‌6 - تشريع الأذان:

- ‌بعض التشريعات والأحداث في السنة الثانية للهجرة

- ‌1 - تحويل القبلة:

- ‌2 - فرض صيام شهر رمضان:

- ‌3 - فرض الزكاة ذات الأنصبة:

- ‌4 - وفاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزواج عثمان بأختيها أم كلثوم

- ‌5 - زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دورس وعبر:

- ‌الفصل الرابع: الجهاد النبوي(المرحلة الأول)

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الأولى)

- ‌السياسة النبوية تجاه قريش:

- ‌1 - السرايا والغزوات:

- ‌2 - عقد المعاهدات:

- ‌أهداف السرايا والغزوات:

- ‌السرايا والغزوات قبل غزوة بدر

- ‌أولًا: السرايا الأولى:

- ‌1 - سرية حمزة بن المطلب رضي الله عنه

- ‌2 - سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه

- ‌3 - سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌4 - سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه

- ‌ثانيًا: الغزوات:

- ‌2 - غزوة بُوَاط

- ‌3 - غزوة بدر الأولى

- ‌4 - غزوة العُشَيْرَة

- ‌دروس وعبر

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة أُحُد

- ‌دروس وعبر:

- ‌من آثار غزوة أحد:

- ‌ بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام

- ‌الأول: بعث الرجيع

- ‌الثاني: بعث بئر معونة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني النضير

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بدر الصغرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌وفي هذه الغزوة ظهر كيد المنافقين من خلال حدثين عظيمين:

- ‌الأول: إِثاوة العصبية الجاهلية والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الثاني: حديث الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة الأحزاب (الخندق)

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌صلح الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة خيبر

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الخامس: انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الثانية)

- ‌نشر الدعوة الإِسلامية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌دروس وعبر

- ‌فتح مكة المشرفة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة الطائف وحصارها

- ‌تقسيم غنائم حنين

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الوصول إلى تبوك:

- ‌بعث خالد إِلى دُومة الجندل:

- ‌مسجد الضرار:

- ‌استقبال المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أصناف الذين تخلفوا عن غزوة تبوك:

- ‌دروس وعبر:

- ‌عام الوفود

- ‌ومن أسباب كثرة الوفود في العام التاسع وما بعده:

- ‌نماذج من الوفود:

- ‌1 - وفد بني تميم

- ‌2 - وفد عبد القيس

- ‌3 - وقد ثقيف

- ‌4 - وفد بني حنيفة:

- ‌5 - وفد نجران

- ‌6 - وفد بني عامر بن صعصعة

- ‌7 - وفد طيء

- ‌8 - وفد دوس

- ‌9 - وفد الأشعريين من اليمن

- ‌10 - وفادة فروة بن مُسِيك المرادي

- ‌11 - جرير بن عبد الله البجلي

- ‌12 - وفد بَلِيّ

- ‌دروس وعبر:

- ‌حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌حجة الوداع

- ‌دروس وعبر:

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه وشمائله وخصائصه وزوجاته

- ‌مقدمات الوفاة:

- ‌مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأخيرة (سببها ومضمونها):

- ‌آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعده:

- ‌صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية وأخلاقه وشمائله:

- ‌أما أخلاقه

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌بيوته وأدواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌زوجاته صلى الله عليه وسلم الطاهرات رضي الله عنهن:

- ‌1 - خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها

- ‌2 - سودة بنت زمعة القرشية، العامرية رضي الله عنها

- ‌3 - عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية رضي الله عنها

- ‌4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خزيمة الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمه هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة رضي الله عنها

- ‌8 - جويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشية الأموية رضي الله عنها

- ‌10 - صفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإِسرائيلية رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة بنت الحارث الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌12 - مارية القبطية المصرية رضي الله عنها

- ‌الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌بيعة العقبة الثانية:

النصرة والقتال، ذلك أن الذين لا يستطيعون الانتصار على شهواتهم وملذاتهم، ولا ينقادون إِلى الأمر والنهي، ولا يصبرون على الطاعة، والانتهاء عن المعصية، لا يمكن لهم أن ينتصروا في ميادين القتال والجهاد.

ونزل مصعب بن عمير، على أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكان مصعب بن عمير يؤمّهم، ويعلمهم القرآن والإِسلام، فأسلم على يديه بشرٌ كثير، منهم: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وأسلم بإِسلامهما يؤمئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء، إِلَّا الأصيرم، وهو عمرو بن ثابت بن أقيش، فإِنه تأخر إِسلامه إِلى يوم أحد، فأسلم يومئذ، وقاتل فقُتِلَ قبل أن يسجد لله سجدة، فأُخْبِرَ عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: عملَ قليلًا، وأُجِرَ كثيرًا (1).

لقد كانت بركة هذين الرجلين: مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم على أهل المدينة عظيمةً، فاستطاعا أن يدخلا خلقًا كثيرًا في الإِسلام، بل استطاعا أن يؤثرا في ساداتهم ورؤوسهم، فلم يتخلف من قومهم أحدٌ، وهذا دليل على عمق التربية النبوية التي استطاع من خلالها أن يصنع رجالًا يحملون الإِسلام كما يحمله هو.

‌بيعة العقبة الثانية:

لما كثُرَ الإِسلام بالمدينة وظهر، اجتمع الانصار فقالوا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويُخاف؟ فعزموا على إِخراجه من مكة إِليهم (2). وقدم مصعب إِلى مكة في حج السنة الثالثة عشرة من البعثة، ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من

(1) أخرجه أبو داوود، كتاب الجهاد، باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله ح 2537، وحسنه الشيخ الألباني، وأخرجه أحمد في المسند 5/ 428.

(2)

أخرجه أحمد في المسند 3/ 322 من حديث جابر بن عبد الله، وقال الحافظ في الفتح 7/ 220: رواه أحمد بإسناد حسن، وصححه الحاكم.

ص: 146

الأنصار من المسلمين والمشركين، قال كعب بن مالك: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء، إِني قد رأيتُ والله رأيًا، وإِنّي والله ما أدري توافقوني عليه، أم لا؟ قال؛ قلنا له: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البِنْيَة مني بظهرٍ -يعني: الكعبة- وأن أصلي إِليها. قال: فقلنا: والله، ما بلغنا أن نبيّنا يصلِّي إِلَّا إِلى الشام، وما نريد أن نخالفه. فقال: إِنّي أصلي إِليها. قال: فقلنا له: لكنّا لا نفعل.

فكنّا إِذا حضرت الصلاة؟ صلينا إِلى الشام، وصلَّى إِلى الكعبة، حتى قدمنا مكة، قال: وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلَّا الإِقامة عليه، فلما قدمنا مكة، قال: يا ابن أخي، انطلق بنا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسأله عمّا صنعتُ في سفري هذا، فإِنه والله قد وقع في نفسي منه شيءٌ لما رأيت من خلافكم إِيّاي فيه.

قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكة؛، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا. قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمّه؟ قلنا: نعم. قال: وكنّا نعرف العباس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرًا. قال: فإِذا دخلتما المسجد، فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد، فإِذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه جالس، فسلمنا، ثم جلسنا إِليه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ ". قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّدُ قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله، ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشاعر؟ ". قال: نعم. قال: فقال البراء بن معرور: يا نبي الله، إِنّي خرجتُ في سفري هذا، وهداني الله للإِسلام، فرأيتُ أن لا أجعل هذه البَنيّة منّي بظهر، فصليت إِليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك؛ حتى وقع في نفسي من ذلك شيءٌ، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال:"لقد كنتَ على قبلة لو صبرتَ عليها".

ص: 147

قال: فرجع البراء إِلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلَّى معنا إِلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلَّى إِلى الكعبة، حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.

قال: وخرجنا إِلى الحجّ، فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبةَ من أوسط أيام التشريق، فلما فرغنا من الحجّ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيّد من ساداتنا، وكنّا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه، وقلنا له: يا أبا جابر، إِنّك سيّد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإِنّا نرغب بك عمّا أنت فيه: أن تكون حطبًا للنار غدًا. ثم دعوته إِلى الإِسلام، وأخبرته بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأسلم، وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا. قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا فى رحالنا؛ حتى إِذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل مستخفين تسلل القطا، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن سبعون رجلًا، ومعنا امرأتان من نسائهم، نسيبة بنت كعب أم عمارة إِحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن ثابت إِحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع.

قال: فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى جاءنا، ومعه يومئذ عمّه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إِلَّا أنّه أحبّ أن يحضر أمرَ ابن أخيه، ويتوثق له، فلما جلسنا كان العباس بن عبد المطلب أوّلَ متكلم، فقال: يا معشر الخزرج -قال: وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحي من الأنصار الخزرج؛ أوسها وخزرجها- إِنّ محمدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عزٍّ من قومه، ومنعة في بلده. قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلتَ، فتكلَّمْ يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.

قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن ودعا إِلى الله عز وجل، ورَغّب في الإِسلام، ثم قال:"أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". قال: فأخذ البراء

ص: 148

بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق، لنمنعنك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعْنا يا رسول الله، فنحن أهل الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر.

قال: فاعترض القولَ -والبراء يُكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان حليف بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله، إِنّ بيننا وبن الرجال حبالًا، وإِنّا قاطعوها -يعني: العهود- فهل عسيتَ إِن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله: أن ترجع إِلى قومك، وتدعنا قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم منّي، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم".

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخْرِجوا إِليَّ منكم اثني عشر نقيبًا، يكونون على قومهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا منهم، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس (1).

قال: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم تتابع القوم، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب -والجباجب: المنازل- هل لكم في مذمم والصباة معه، قد أجمعوا على حربكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب، اسمع أيْ عدوَ الله، أما والله لأفرغنّ لك". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجعوا إِلى رحالكم". قال: فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، لئن شئتَ لنميلنّ على أهل مني غدًا بأسيافنا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أومر بذلك".

قال: فرجعنا فنمنا، حتى أصبحنا، فلما أصبحنا، غدت علينا جلّة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إِنّه قد بلغنا أنّكم قد جئتم إِلى صاحبنا

(1) النقباء هم

1 -

أسعد بن زرارة 2 - سعد بن الربيع 3 - عبد الله بن رواحة 4 - رافع بن مالك بن العجلان 5 - البراء بن معرور 6 - عبد الله بن عمرو بن حرام 7 - عبادة بن الصامت

8 -

سعد بن عبادة 9 - المنذر بن عمرو 10 - أسيد بن الحضير 11 - سعد بن خيثمة 12 - رفاعة بن عبد المنذر، ويقال: الهيثم بن التيهان.

ص: 149

هذا، تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، والله، إِنّه ما من العرب أحدٌ أبغض إِلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم. قال: فانبعث مَن هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه، وقد صدقوا لم يعلموا ما كان منّا. قال: فبعضنا ينظر إِلى بعض، قال: وقام القوم، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلتُ كلمة كأنّي أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا، ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيد من ساداتنا: أن تتخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟. فسمعها الحارث فخلعهما، ثم رمى بهما إِليَّ، فقال: والله، لتنتعلنهما. قال: يقول أبو جابر: أحفظتَ والله الفتى، فارددْ عليه نعليه. قال: فقلتُ: والله لا أردهما فأل والله صالح، والله لئِن صدق الفأل لأسلبنّه (1).

ومن حديث البيعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إِذا قدمتُ عليكم، وتمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة"، فقاموا ليبايعوه، فأخذ بيده أسعدُ بن زرارة، وهو أصغر السبعين، فقال:(رويدًا يا أهل يثرب، إِنّا لم نضرِبْ إِليه أكباد المطيّ إِلَّا ونحنُ نعلمُ إِنه رسول الله، وإن إِخراجَه اليومَ مفارقةُ العرب كافّة، وقتلُ خياركم، وأن تعضّكم السيوفُ، فإِمّا أن تصبروا على ذلك، فخذوه، وأجركُم على الله، وإمّا أنتم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه، فهو أعذرُ لكم عند الله)، فقالوا: يا أسعدُ، أمطْ عنّا يدَك، فوالله لا نقيل هذه البيعة، ولا نستقيلها)، فقاموا إِليه رجلًا رجلا، فأخذ عليهم وشرط، يعطيهم بذلك الجنّة) (2).

(1) ابن هشام، السيرة النبوية 2/ 86 - 94، وأخرجه أحمد في المسند (3/ 460 - 462) من طريق محمَّد بن إِسحاق به. وقد قوّى الحديث وحسّن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه للمسند

(25/ 95).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 323، 329) وله شاهد في الصحيحين، البخاري، كتاب الفتن ح 7056، ومسلم، كتاب الإمارة 3/ 1470.

ص: 150