الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِسلام عمر رضي الله عنه:
كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتشوّف لإِسلام عمر بن الخطاب لما يرجوه بإِسلامه من خيرٍ للإِسلام والمسلمين، فكان يدعو:"اللهم أعزّ الإِسلام بأحبّ الرجلين إِليك؛ بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام"(1). وكان أحبُّهما إليه عمر بن الخطاب، قال ابن إِسحاق:(وكان إِسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الحبشة)(2).
ومن أشهر ما يُروى في قصة إِسلامه أنّه خرج رضي الله عنه يومًا متقلدًا سيفه، فلقيه رجل من بني عدي، فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: فكيفى تأمن في بني عبد مناف، وقد قتلت محمدًا؟ فقال: ما أراك إِلا قد صبوت. قال: أفلا أدلُّك على العجب، إِن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك. فمشى عمر فأتاهما، وعندهما خباب، فلما سممع بحسّ عمر توارى في البيت، فدخل فقال: ما هذه الهينمة؟ -أي القراءة- وكانوا يقرءون (سورة طه)، قالا: حديثًا تحدثناه بيننا. قال: لعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنُه: يا عمر، إِن كان الحق في غير دينك. فوثب عليه فوطئه وطئًا شديدًا، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده فدمّى وجهها، فقالت وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك إِني أشهد أن لا إِله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فقال عمر: أعطوني الكتابَ الذي هو عندكم فأقرأه. وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت له أخته: إِنك رجسٌ، وإِنه لا يمسه إِلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ {طه} حتَى انتهى إِلى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} .
فقال عمر: دلّونى على محمَّد، فلما سمع خباب قول عمر خرج. فقال: أبشر يا عمر
أخرجه أحمد (2/ 95)، والترمذي في المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب ح (3681) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح غريب).
(2)
سيرة ابن هشام (1/ 342).
فإِني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: اللهم أعزّ الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا. -دار الأرقم بن أبي الأرقم- فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى بابها حمزة، وطلحة، وناس، فقال حمزة: هذا عمر، إِن يُرْدِ الله به خيرًا يُسْلِم، وإن يُرْد غير ذلك يكن قتلُه علينا هيّنًا .. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم داخلٌ يُوحى إِليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: ما أنت منتهٍ يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ فقال عمر: أشهد أن لا إِله إِلا الله، وأنك عبد الله ورسوله. فكبّر رسول الله تكبيرة عرف أهل الدار أن عمر أسلم (1).
قال سعيد بن المسيّب: أسلم عمر بعد أربعين رجلًا وعشر نسوة، فلما أسلم ظهر الإسلام بمكة (2).
وهذا محمولٌ على من بقي من المسلمين بعد خروج عامّتهم إِلى الحبشة (3).
لقد وجّه ذلك الزهري عمرَ إِلى أخته وختنه، وبذلك امتصّ غضبه على الرسول صلى الله عليه وسلم وحوّله إِلى غيره، عاملًا بمبدأ ارتكاب أخف الضررين، فكان فتح الله بإِسلام عمر، ويرجع فضل ذلك إِلى ثبات فاطمة بنت الخطاب ووقوفها في وجه أخيها معلنة التحدي، الأمر الذي كسر غضب عمر، وألان جانبه، فهدأت نفسه رضي الله عنه، وهكذا يكون أثر المرأة المسلمة في الدعوة إِلى الله ودورها الريادي.
لقد جمع الله خصال أمّة في رجل واحد، يصنع العجائب بقدرة الله تعالى، لقد
(1) انظر: سيرة ابن هشام (1/ 348 - 349)، وصحيح ابن حبان ح (6879). وقد أورد البخاري في صحيحه، باب إسلام عمر من كتاب المناقب حديث رقم (3866) قصة سماعه لصارخ من الجن يقول: يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إِله إِلا الله. قال عمر: "فما نشبنا أن قيل هذا نبي" ولعلّ هذا مما حمله على الإِسلام.
(2)
السيرة النبوية للذهبي (1/ 144).
(3)
انظر: البداية والنهاية (4/ 196).
كان إِسلام عمر فتحًا على المسلمين، لم يكن الصحابة يقدرون أن يصلوا عند الكعبة حتى أسلم عمر، فقد قاتل قريشًا حتى صلّى عند الكعبة وصلّوا معه.
يقول عبد الله بن مسعود: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر)(1).
وأسلم عمر يوم أسلم علانية، صدع بها في أوجه المشركين ليعلنها عليهم ويغيضهم من أول يوم، إِظهارًا للحق والتوحيد، ودحرًا للكفر والوثنية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لمّا أسلم عمر قال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي. فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوتُ أتبعُ أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلامٌ أعقِلُ كلّ ما رأيتُ، حتى جاءه، فقال له: أعلِمْتَ يا جميلُ أني أسلمتُ، ودخلتُ في دين محمَّد؟ قال: فوالله، ما راجعه حتى قام يجرُّ رداءه، واتّبعه عمر، واتّبعتُ أبي، حتى إِذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إِن ابن الخطاب قد صبأ. قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكنّي أسلمتُ، وشهدتُ أن لا إِله إِلَّا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله. وثاروا إِليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطَلَح (أي: تعب) فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنّا ثلاث مئة رجل، لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبينما هم على ذلك، إِذ أقبل شيخٌ من قريش، عليه حُلّة حَبِرَة وقميصٌ موشَّى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: صبأ عمر. قال: فمَهْ! رجلٌ اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون؟ أترون بني عديٍّ يُسْلمون لكم صاحبهم هكذا؟! خلُّوا عن الرجل. قال: فوالله، لكأنّما كانوا ثوبًا كُشِط عنه (2).
(1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب مناقب عمر ح (3684).
(2)
انظر: سيرة ابن هشام (1/ 248). قال ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 202 عن إسناد ابن إسحاق: (وهذا إِسناد قويّ). قلت: وله شاهد عند البخاري في الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب إِسلام عمر ح 3865.