الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا تمت البيعة بسرّية تامة، ثم تتبعت قريش الخبر فثبت عندهم، ورحل البراء بن معرور فتقدَّم إِلى بطن يأجج، وتلاحق أصحابه من المسلمين، وتطلبتهم قريشٌ، فأدركوا سعدَ بن عبادة، فربطوا يديه إِلى عنقه بنسع رَحْلِه، وجعلوا يضربونه ويجرّونه، ويجذبونه بجمَّته؛ حتى أدخلوه مكةَ، فجاء مطعم بن عدي، والحارث بن حرب بن أميَّة، فخلَّصاه من أيديهم، وتشاورت الأنصار حين فقدوه: أن يكرُّوا إِليه، فإِذا سعدٌ قد طلع عليهم، فوصل القوم جميعًا إِلى المدينه (1).
دروس وعبر:
1 -
نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء لقاءاته بوفود العرب وعرض الإِسلام عليهم يبدأ بتلاوة القرآن الكريم وهذا منهج ينبغي الانتباه له في الدعوة إِلى الله والمحاضرات والخطب في مواضعه المناسبة، فإِن كلام الله له أثر عظيم في النفوس قال تعالى:
وقال تعالى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} (3).
وقال جبير بن مطعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كاد قلبي أن يطير (4).
وكان جبير وقتها على شركه (5).
2 -
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للناس وهو يتجول على القبائل في المواسم [يأيها
(1) ابن هشام، السيرة النبوية 2/ 94 - 95.
(2)
سورة التوبة، آية 6.
(3)
سورة ق، آية 45.
(4)
صحيح البخاري، كتاب التفسير ح 4854.
(5)
انظر: زيد المزيد، فقه السيرة ص 267.
الناس قولوا لا إِله إِلا الله تفلحوا] فالبدء بالتوحيد وتعليم العقيدة والحث على مكارم الأخلاق هو المقدم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما تنزل القرآن عليه في مكة؛ لأن التكاليف وقبول التشريعات ثمرة للعقيدة وفرع عنها؛ فإِذا استقرت العقيدة في النفوس وقوي الإيمان واستقامت الأخلاق، حصلت الاستجابة والرضا والمسارعة إِلى تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.
3 -
في استجابة الأنصار للدعوة واستعدادهم لحماية الرسول صلى الله عليه وسلم بيان فضلهم وحكمة من الله بأن هذا الدين لايقوم على العصبية القبلية فقبيلته قريش وبلده مكة تخرجه ويجد عند غيرهم نصرة ومأوى.
4 -
إِنّ الدعاة إِلى الله تعالى بحاجة إِلى الحماية في دعوتهم من أذى أهل الباطل والإِفساد، فهذا خير البشر، المؤيّد من الله بملائكته وجنده، يطلب حماية الأنصار له، فغيره من باب أولى وهذا من اتخاذ الأسباب المأمور بها.
5 -
لقد كان الأنصار يعلمون وهم يعقدون هذه البيعة أن العرب سترميهم عن قوس واحدة، ولكنهم طلبوا الجنّة، ودفعوا مهرها، فكم للأنصار من أيام، ويوم بيعة العقبة من أيامهم الخالدة.
6 -
كبح جماح العاطفة والحماس والعجلة تحقيقا للمصلحة الشرعية، فعندما استأذن الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل منى منعهم صلى الله عليه وسلم وقال: لم أومر بذلك.