الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتذكر الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رافق عمه أبا طالب إِلى الشام وهو في العاشرة من عمره، وفي هذه الرحلة تأتي قصة بحيرا الراهب وما رأى من آيات النبوة فى رسول الله ونصحه لأبي طالب أن لا يدخل به بلاد الشام خوفًا عليه من اليهود، والرومان النصارى، وسياق الخبر عند الترمذي (1). فيه ألفاظ أنكرها نقاد الحديث مثل الإِمام الذهبي (2).
وقد ادعى بعض المستشرقين في العصر الحديث أنه ترتب على تلك المقابلة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحيرا الراهب أن رسول الله تعلم منه ما جاء به من الوحي بعد ذلك، وهو كلام ساقط متهافت، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، والمقابلة كانت لبضع ساعات أيام شبابه وحداثة سنه، فكيف يتعلم فيها -كما يزعمون- هذا العلم المفصّل الذي جاء به بعد البعثة والنبوة؟! إِن هذا غير ممكن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعلم على يد أحد من البشر فقد كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وإِنما علمه الله، وأوحى إِليه وحيا، وأنزل عليه القرآن مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة بحسب الأحوال والوقائع حتى تم الوحي واكتمل التشريع.
دروس وعبر:
1 -
بعد فقد النبي صلى الله عليه وسلم لوالده ثم والدته ذاق مرارة اليتم الكامل، وفي حالته عزاء لكل يتيم يصاب بمثل مُصابِه، وقد تولى الله إِعداده وتربيته، وسخر له من أقاربه من يحوطه ويحفظه ويقوم على شؤونه.
2 -
كانت حليمة راغبة في الحصول على رضيع أغنياءٌ أهلُه، وما أخذت محمدًا اليتيم إِلا لأنها لم تجد غيره، فكان في اختيار الله لها خير وبركة حيث حمدت
(1) سنن الترمذي، المناقب، باب بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم -ح رقم 3620.
(2)
الذهبي، السيرة النبوية ص 28، ط حسام القدسي.
ذلك ورأت البركة من أول يوم أخذت فيه هذا اليتيم، وهكذا ما يختار الله للإِنسان يكون فيه الخير، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1)
3 -
نشأة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى في البادية -وهي أصفى وأقرب إِلى تزكية الفطرة بجوها الطلق ورباعها الفسيحة- أكسبته الفتوة، وقوة الجسد والأعضاء، وفصاحة اللسان.
4 -
في حادثة شق صدره آية من الآيات، وعناية من الباري برسوله، وحماية له وحفظ من الشيطان ونزغاته، وهي إِرهاص مبكر للنبوة.
5 -
في رعيه صلى الله عليه وسلم للغنم درس للشباب في طلب الكسب الحلال وإِن قَلّ دخله، وفيه بيان للذوق الرفيع والإحساس الرقيق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة، لكنه صلى الله عليه وسلم أقبلِ على العمل والكسب بنفسه حتى لا يكون كلًا على غيره، وهذا دلالة على شهامة في الطبع، وبذل للوسع، وبر في المعاملة، وسعي لطلب الرزق.
6 -
كما أن رعي الغنم قد أتاح له الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، والمتعة بجمال الصحراء، والتطلع إِلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، ومناجاة الله تعالى في هدأة الليل وظِلال القمر، كما أتاح له لونًا من التربية النفسية على الصبر والحلم والأناة والرأفة والرحمة، والعناية بالضعيف وحفظه عن الهلكة ومواطن الخطر (2). وفي هذا كله دربة على سياسة الأمم والشعوب.
(1) سورة البقرة: الآية 216.
(2)
علي محمَّد الصلابي، السيرة النبوية 1/ 77.