الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العباس نظر إِلى أبي طالب فرآه يحرك شفتيه فأصغى إِليه، فقال:(يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها)(1).
وكان أبو طالب شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أوصى به عبد المطلب عند موته فكفله إِلى أن كبُر، وكان يذبُّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ويردُّ عنه كل من يؤذيه، وهو مقيم على دين قومه، وأخباره في حياطة النبي والذب عنه معروفة مشهورة، وممّا اشتهر من شعره في ذلك قوله:
والله لن يصلوا إِليك بجمعهم
…
حتى أوسّدَ في التراب دفينا (2)
وقوله:
كذبتم وبيتِ اللهِ نُبْزى محمدًا
…
ولمَّا نقاتل حولَه ونناضلُ (3)
ولم تكن قريش تنال من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تريد حتى مات أبو طالب (4).
موت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم:
وماتت بعد أبي طالب، خديجة رضي الله عنها التي كانت وزير صدق على الإِسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يسكن إِليها، وهي أول من أسلم.
وتوفيت رضي الله عنها بمكة، ودفنت بالحجون، وعاشت خمسًا وستين سنة، قضت منها أربعًا وعشرين سنة مع النبيّ صلى الله عليه وسلم (5).
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما غِرتُ على امرأة ما غرت على خديجة، ممّا كنتُ أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوّجني إِلا بعد موتها بثلاث سنين (6).
(1) انظر: فتح الباري 7/ 194.
(2)
ابن كثير، السيرة النبوية 1/ 464.
(3)
المصدر نفسه 1/ 488 ومعنى: نبزى: نُسلب ونُغلب
(4)
السيرة النبوية للذهبي 1/ 193.
(5)
المصدر نفسه.
(6)
أخرجه البخاري في المناقب، باب توزيج النبيّ صلى الله عليه وسلم خديجة ح (3817)، ومسلم في فضائل الصحابة ح (2435).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إِناءٌ فيه إِدام -أو طعام، أو شراب- فإِذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي، وبشِّرْها ببيتٍ في الجنّة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب"(1).
قال السهيلي: وإِنّما بشّرها ببيت في الجنّة من قصب، أي: لؤلؤ؛ لأنّها حازت قصب السَّبْق إِلى الإِيمان. لا صخب فيه ولا نصب؛ لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تُتْعبه يومًا من الدهر، فلم تصخب عليه يومًا، ولا آذته أبدًا (2).
وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم على بعد عهده بها، لا يزال يذكر صوتها، قالت عائشة رضي الله عنها: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك (3)، فقال:"اللهم هالة بنت خويلد". فغرتُ، فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، فأبدلك الله خيرًا منها (4).
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنتْ بي إِذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إِذ كذبني الناس، وواستني بمالها إِذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إِذ حرمني أولاد النساء"(5).
وقال البيهقيّ: (بلغني أن خديجة توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيّام، ذكره أبو عبد الله بن منده في كتاب المعرفة، وشيخنا أبو عبد الله الحافظ)(6).
(1) أخرجه البخاري في المناقب، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة ح (3821).
(2)
الروض الأنف 2/ 425، 426.
(3)
قال النووى: (أي: هَشّ لمجيئها، وسُرّ بها لتذكره بها خديجة وأيامها. وفي هذا كله: دليل لحسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب).
(4)
أخرجه مسلم في مناقب الصحابة ح (2437)، وعلَّقه البخاري في المناقب؛ باب تزويج النبيّ صلى الله عليه وسلم خديجة.
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (6/ 117، 118)، قال الهيثمي (الجمع 9/ 224):(إِسناده حسن)، وصحح الأرنؤوط إِسناده في تحقيقه للمسند (41/ 356).
(6)
دلائل النبوة (2/ 352، 353).