المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شدة طغيان كفار قريش: - صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

[محمد بن صامل السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌تعريف السيرة النبوية

- ‌السيرة لغة

- ‌السيرة اصطلاحًا

- ‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

- ‌النطاق الزماني للسيرة النبوية

- ‌النطاق المكاني للسيرة النبوية

- ‌عالمية الرسالة المحمدية

- ‌مصادر السيرة

- ‌1 - القرآن الكريم

- ‌2 - كتب السنة النبوية وشروحها

- ‌3 - كتب السيرة المختصة

- ‌4 - كتب الدلائل والشمائل المحمدية

- ‌5 - كتب تراجم الصحابة

- ‌6 - كتب التاريخ العام المدونة على الحوليات أو على الموضوعات

- ‌7 - كتب تاريخ الحرمين الشريفين

- ‌8 - كتب الأدب والشعر العربي

- ‌أقسام السيرة النبوية

- ‌القسم الأول: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

- ‌القسم الثاني: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من البعثة إِلى الهجرة

- ‌القسم الثالث: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من الهجرة حتى الوفاة

- ‌والسيرة النبوية بالنظر إِلى موضوعاتها ثلاثة أنواع:

- ‌النوع الأول: الشمائل والأخلاق النبوية

- ‌النوع الثاني: دلائل النبوة والمعجزات

- ‌فوائد معرفة الدلائل:

- ‌النوع الثالث: السير والمغازي

- ‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

- ‌جغرافية بلاد العرب

- ‌مكانة مكة المشرفة وحرمتها

- ‌أصول العرب وقبائلهم

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى قصي

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مضر

- ‌أحوال العرب قبل البعثة النبوية

- ‌1 - الأحوال السياسية

- ‌2 - الأحوال الدينية

- ‌3 - الأحوال الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌أسرته صلى الله عليه وسلم

- ‌ شرف عبد المطلب في قومه

- ‌الأول: حفر بئر زمزم

- ‌الثاني: حادثة الفيل

- ‌الثالث: نذر عبد المطلب

- ‌دروس وعبر:

- ‌مولده ورضاعة صلى الله عليه وسلم:

- ‌حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم:

- ‌وفاة أمّه وَجَدّه صلى الله عليه وسلم:

- ‌كفالة عمه أبي طالب:

- ‌دروس وعبر:

- ‌حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أوضار الجاهلية

- ‌مشاركاته صلى الله عليه وسلم في الأعمال العامة

- ‌1 - حرب الفجار:

- ‌2 - حلف الفضول:

- ‌3 - بناء الكعبة المشرفة:

- ‌حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة

- ‌دروس وعبر:

- ‌إرهاصات النبوة وبشائر الخير

- ‌1 - بشارات الأنبياء السابقين به:

- ‌2 - إِخبار اليهود عن بعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - تسليم الحجر عليه بالنبوة قبل البعثة:

- ‌4 - إخبار الكهان والجان ببعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌5 - الرؤيا الصادقة:

- ‌6 - حادثة شق الصدر:

- ‌الفصل الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلي الهجرة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

- ‌أول نزول القرآن في شهر رمضان:

- ‌شدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت خديجة له:

- ‌فترة الوحي:

- ‌الدعوة السرية:

- ‌الدعوة الجهرية:

- ‌ما لقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين:

- ‌شدة طغيان كفار قريش:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الهجرة إلى الحبشة وأسبابها

- ‌إِسلام حمزة رضي الله عنه:

- ‌إِسلام عمر رضي الله عنه:

- ‌صحيفة المقاطعة:

- ‌موت أبي طالب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌موت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌دروس وعبر:

- ‌خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌استماع الجنّ لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌دروس وعبر:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌دروس وعبر:

- ‌انشقاق القمر

- ‌تعرضُه صلى الله عليه وسلم للقبائل في المواسم

- ‌حديث سويد بن الصامت وإِسلام إِياس بن معاذ:

- ‌بدء إسلام الأنصار:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الثالث: الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة إِلى المدينة النبوية:

- ‌وكان من أسباب الهجرة

- ‌هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌في خيمة أمّ معبد:

- ‌دروس وعبر:

- ‌دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة:

- ‌استقراره عليه الصلاة والسلام بالدينة:

- ‌تنظيم المجتمع وبناء المؤسسات

- ‌1 - بناء المسجد:

- ‌2 - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌3 - موادعة اليهود في المدينة

- ‌وقد تضمنت الوثيقة بنودًا عدّة، منها:

- ‌1 - أنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

- ‌2 - أن يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين

- ‌3 - لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم

- ‌4 - إِلا من ظلم وأثم، فإِنّه لا يوتغ إِلا نفسه وأهل بيته

- ‌5 - أنّه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها

- ‌6 - وإنّه لا يأثم امرؤ بحليفه

- ‌7 - وإِن النصر للمظلوم

- ‌8 - وإِنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة

- ‌9 - وأنه لا يخرج أحد من اليهود إِلا بإِذن النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - كتابة عهد وميثاق ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌5 - تأسيس الجيش الإسلامي:

- ‌دروس وعبر:

- ‌أحداث السنة الأولى من الهجرة

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام حبر اليهود

- ‌2 - موت أسعد بن زُرارة نقيب بني النجّار

- ‌3 - مولد عبد الله بن الزبير بن العوام:

- ‌4 - بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها:

- ‌5 - زيادة ركعتين في صلاة الحضر:

- ‌6 - تشريع الأذان:

- ‌بعض التشريعات والأحداث في السنة الثانية للهجرة

- ‌1 - تحويل القبلة:

- ‌2 - فرض صيام شهر رمضان:

- ‌3 - فرض الزكاة ذات الأنصبة:

- ‌4 - وفاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزواج عثمان بأختيها أم كلثوم

- ‌5 - زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دورس وعبر:

- ‌الفصل الرابع: الجهاد النبوي(المرحلة الأول)

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الأولى)

- ‌السياسة النبوية تجاه قريش:

- ‌1 - السرايا والغزوات:

- ‌2 - عقد المعاهدات:

- ‌أهداف السرايا والغزوات:

- ‌السرايا والغزوات قبل غزوة بدر

- ‌أولًا: السرايا الأولى:

- ‌1 - سرية حمزة بن المطلب رضي الله عنه

- ‌2 - سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه

- ‌3 - سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌4 - سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه

- ‌ثانيًا: الغزوات:

- ‌2 - غزوة بُوَاط

- ‌3 - غزوة بدر الأولى

- ‌4 - غزوة العُشَيْرَة

- ‌دروس وعبر

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة أُحُد

- ‌دروس وعبر:

- ‌من آثار غزوة أحد:

- ‌ بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام

- ‌الأول: بعث الرجيع

- ‌الثاني: بعث بئر معونة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني النضير

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بدر الصغرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌وفي هذه الغزوة ظهر كيد المنافقين من خلال حدثين عظيمين:

- ‌الأول: إِثاوة العصبية الجاهلية والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الثاني: حديث الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة الأحزاب (الخندق)

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌صلح الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة خيبر

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الخامس: انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الثانية)

- ‌نشر الدعوة الإِسلامية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌دروس وعبر

- ‌فتح مكة المشرفة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة الطائف وحصارها

- ‌تقسيم غنائم حنين

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الوصول إلى تبوك:

- ‌بعث خالد إِلى دُومة الجندل:

- ‌مسجد الضرار:

- ‌استقبال المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أصناف الذين تخلفوا عن غزوة تبوك:

- ‌دروس وعبر:

- ‌عام الوفود

- ‌ومن أسباب كثرة الوفود في العام التاسع وما بعده:

- ‌نماذج من الوفود:

- ‌1 - وفد بني تميم

- ‌2 - وفد عبد القيس

- ‌3 - وقد ثقيف

- ‌4 - وفد بني حنيفة:

- ‌5 - وفد نجران

- ‌6 - وفد بني عامر بن صعصعة

- ‌7 - وفد طيء

- ‌8 - وفد دوس

- ‌9 - وفد الأشعريين من اليمن

- ‌10 - وفادة فروة بن مُسِيك المرادي

- ‌11 - جرير بن عبد الله البجلي

- ‌12 - وفد بَلِيّ

- ‌دروس وعبر:

- ‌حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌حجة الوداع

- ‌دروس وعبر:

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه وشمائله وخصائصه وزوجاته

- ‌مقدمات الوفاة:

- ‌مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأخيرة (سببها ومضمونها):

- ‌آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعده:

- ‌صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية وأخلاقه وشمائله:

- ‌أما أخلاقه

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌بيوته وأدواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌زوجاته صلى الله عليه وسلم الطاهرات رضي الله عنهن:

- ‌1 - خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها

- ‌2 - سودة بنت زمعة القرشية، العامرية رضي الله عنها

- ‌3 - عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية رضي الله عنها

- ‌4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خزيمة الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمه هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة رضي الله عنها

- ‌8 - جويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشية الأموية رضي الله عنها

- ‌10 - صفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإِسرائيلية رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة بنت الحارث الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌12 - مارية القبطية المصرية رضي الله عنها

- ‌الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌شدة طغيان كفار قريش:

وعن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال: بينا النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة؛ إِذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله

الآية} (1).

وغضب أبو جهل من صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم عند الكعبة علنًا، فقال: هل يُعفِّر محمَّد وجهه بين أظهركم؟ قيل: نعم. فقال: واللات والعزّى لئن رأيتُه يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفِّرنّ وجهَه. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إِلا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه، فقيل له: مالك؟ قال: إِنّ بيني وبينه لخندقًا من نار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا"(2).

لقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم -وهو يعيش في هذه الأجواء التي تتصاعد منها أبخرة الكراهية والحقد والغلّ، يشعرنا أنّ الذي كان يهيمن عليه أثناءها إنما هو التفكير في دعوته وبذل كل الطاقة لنشرها، محاولًا الوصول إِلى قلوب الناس، وبذلك كان صلى الله عليه وسلم أنموذجًا لأصحابه رضوان الله عليهم في الصبر والتحمّل في ذات الله تعالى.

‌شدة طغيان كفار قريش:

لقد وقف كفّار قريش من النبيّ صلى الله عليه وسلم موقفًا لا يقف مثله إِلا سلفهم من أمثال فرعون وهامان وقارون (3)، ومن أوجه مشابهتهم لأولئك؛ الاستكبار عن الإِيمان مع تيقنهم

(1) أخرجه البخاري في المناقب، باب مالقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ح (3856)

(2)

أخرجه البخاري في التفسير، باب {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} ح (4958) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

أخرج أحمد في مسنده (1/ 404) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وصف أبا جهل بأنه فرعون هذه الأمّة، وفي سنده انقطاع.

ص: 106

بصدق ما يُدعَون إِليه من الحقّ، قال الله تعالى عن فرعون:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (1).

روى ابن إسحاق عن الزهري، أنّ أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة يتسللون، يتسمّعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يصلي بالليل في جوف بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسًا، وكلًا لا يعلم بمكان صاحبه، فلما أصبحوا تفرّقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقالوا: لا نعود، فلو رآنا بعض السّفهاء لوقع في نفسه شيءٌ، ثم عادوا لمثل ليلتهم، فلما تفرقوا تلاقوا فتلاوموا كذلك، فلما كان في الليلة الثالثة وأصبحوا جمعتهم الطريق فتعاهدوا أن لا يعودوا، ثم إِن الأخنس بن شريق أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمَّد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها. وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا، والذي حلفت به كذلك. ثم أتى أبا جهل فقال: ما رأيك؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشّرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إِذا تجاثينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس وتركه (2).

كم كانت قوة التأثير بالقرآن الكريم قويّة على السامعين، فهؤلاء صناديد الكفر يتسللون ليلًا ليستمع كل واحد منهم قراءته صلى الله عليه وسلم، لا يملكون لأنفسهم دفعًا دون استماع القرآن يتدفق من فيِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غضَّا طريَّا.

(1) سورة النمل، آية 14.

(2)

سيرة ابن هشام، 1/ 315. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن الزهري، وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد 2/ 470: وقال: أخرجه محمَّد بن يحيى الذهلي، في الزهريات عن سعيد بن المسيب، بسند صحيح.

ص: 107

ولكن غلبة الهوى والكبر على العقل، والمنافسة بالباطل أذهبت ذلك الأثر، فلا درَك لهم من الهلاك، فأبعدهم الله.

وعن المغيرة بن شعبة، قال: إِن أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّي أمشي أنا وأبو جهل، إِذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم، هلُمّ إِلى الله وإلى رسوله، أدعوك إِلى الله .. فقال أبو جهل: يا محمَّد، هل أنت منتهٍ عن سبّ آلهتنا، هل تريد إِلا أن نشهد أن قد بلّغتَ، فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حقّا ما اتّبعتك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عليَّ فقال: والله، إِنى لأعلم أن ما يقول حقّ، ولكنّ بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم. فقالوا: ففينا الندوة. قلنا: نعم. ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم. وقالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم، ثم أطعموا وأطعمنا؛ حتى إِذا تحاكت الركب، قالوا: منّا نبيّ، والله لا أفعل (1).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً؟ قال: لِمَ؟ قال: ليعطوكه، فإِنّك قد أتيتَ محمدًا لِتعرضَ لِمَا قِبَله. قال: قد علِمتْ قريشٌ أنّي من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنّك منكرٌ له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجلٌ أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشّعار الجّن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إِنّ لقوله الذي يقوله حلاوة، وإِنّ عليه لطلاوة، وإِنّه لمثمرٌ أعلاه، مُغْدق أسفله، وإِنّه ليعلو ولا يُعلى، وإِنّه ليَحْطِمُ ما تحته. قال: فدعني حتى أفكر فيه. فلمّا فكر قال: هذا سحرٌ

(1) السيرة النبوية للذهبي 1/ 130. وانظر دلائل النبوة للبيهقي 2/ 207.

ص: 108

يؤثر، يأثرُه عن غيره. فنزلت:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا} الآيات (1)

عن جابر بن عبد الله، قال: اجتمعت قريش يومًا، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمْه، ولينظر ماذا يردّ عليه فقالوا: ما نعلم أحد غير عتبة بن ربيعة. ققالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه عتبة، فقال: يا محمَّد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت خيرٌ أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إِن كنتَ تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْت، وإن كنت تزعم أنّك خيرٌ منهم، فتكلّم حتى نسمع قولك، إِنا والله ما رأينا أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا، وأنّ في قريش كاهنًا، والله ما ننتظر إِلا مثل صيحة الحُبْلى، أن يقوم بعضنا إِلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إِن كان إِنّما كان بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلًا، وأن كان إِنّما بك الباءة، فاختر أيّ نساء قريش شئت، فلْنزوّجْك عشرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرغت؟!. قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} إلى أن بلغ {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (2).

فقال عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا. فرجع إِلى قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إِلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 506)، وقال:(صحيح الإسناد على شرط البخاري، ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. والآيات من سورة المدثر 11 - 13.

(2)

سورة فصلت، آية 1 - 13.

ص: 109