المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية - صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

[محمد بن صامل السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌تعريف السيرة النبوية

- ‌السيرة لغة

- ‌السيرة اصطلاحًا

- ‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

- ‌النطاق الزماني للسيرة النبوية

- ‌النطاق المكاني للسيرة النبوية

- ‌عالمية الرسالة المحمدية

- ‌مصادر السيرة

- ‌1 - القرآن الكريم

- ‌2 - كتب السنة النبوية وشروحها

- ‌3 - كتب السيرة المختصة

- ‌4 - كتب الدلائل والشمائل المحمدية

- ‌5 - كتب تراجم الصحابة

- ‌6 - كتب التاريخ العام المدونة على الحوليات أو على الموضوعات

- ‌7 - كتب تاريخ الحرمين الشريفين

- ‌8 - كتب الأدب والشعر العربي

- ‌أقسام السيرة النبوية

- ‌القسم الأول: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

- ‌القسم الثاني: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من البعثة إِلى الهجرة

- ‌القسم الثالث: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من الهجرة حتى الوفاة

- ‌والسيرة النبوية بالنظر إِلى موضوعاتها ثلاثة أنواع:

- ‌النوع الأول: الشمائل والأخلاق النبوية

- ‌النوع الثاني: دلائل النبوة والمعجزات

- ‌فوائد معرفة الدلائل:

- ‌النوع الثالث: السير والمغازي

- ‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

- ‌جغرافية بلاد العرب

- ‌مكانة مكة المشرفة وحرمتها

- ‌أصول العرب وقبائلهم

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى قصي

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مضر

- ‌أحوال العرب قبل البعثة النبوية

- ‌1 - الأحوال السياسية

- ‌2 - الأحوال الدينية

- ‌3 - الأحوال الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌أسرته صلى الله عليه وسلم

- ‌ شرف عبد المطلب في قومه

- ‌الأول: حفر بئر زمزم

- ‌الثاني: حادثة الفيل

- ‌الثالث: نذر عبد المطلب

- ‌دروس وعبر:

- ‌مولده ورضاعة صلى الله عليه وسلم:

- ‌حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم:

- ‌وفاة أمّه وَجَدّه صلى الله عليه وسلم:

- ‌كفالة عمه أبي طالب:

- ‌دروس وعبر:

- ‌حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أوضار الجاهلية

- ‌مشاركاته صلى الله عليه وسلم في الأعمال العامة

- ‌1 - حرب الفجار:

- ‌2 - حلف الفضول:

- ‌3 - بناء الكعبة المشرفة:

- ‌حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة

- ‌دروس وعبر:

- ‌إرهاصات النبوة وبشائر الخير

- ‌1 - بشارات الأنبياء السابقين به:

- ‌2 - إِخبار اليهود عن بعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - تسليم الحجر عليه بالنبوة قبل البعثة:

- ‌4 - إخبار الكهان والجان ببعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌5 - الرؤيا الصادقة:

- ‌6 - حادثة شق الصدر:

- ‌الفصل الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلي الهجرة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

- ‌أول نزول القرآن في شهر رمضان:

- ‌شدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت خديجة له:

- ‌فترة الوحي:

- ‌الدعوة السرية:

- ‌الدعوة الجهرية:

- ‌ما لقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين:

- ‌شدة طغيان كفار قريش:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الهجرة إلى الحبشة وأسبابها

- ‌إِسلام حمزة رضي الله عنه:

- ‌إِسلام عمر رضي الله عنه:

- ‌صحيفة المقاطعة:

- ‌موت أبي طالب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌موت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌دروس وعبر:

- ‌خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌استماع الجنّ لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌دروس وعبر:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌دروس وعبر:

- ‌انشقاق القمر

- ‌تعرضُه صلى الله عليه وسلم للقبائل في المواسم

- ‌حديث سويد بن الصامت وإِسلام إِياس بن معاذ:

- ‌بدء إسلام الأنصار:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الثالث: الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة إِلى المدينة النبوية:

- ‌وكان من أسباب الهجرة

- ‌هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌في خيمة أمّ معبد:

- ‌دروس وعبر:

- ‌دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة:

- ‌استقراره عليه الصلاة والسلام بالدينة:

- ‌تنظيم المجتمع وبناء المؤسسات

- ‌1 - بناء المسجد:

- ‌2 - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌3 - موادعة اليهود في المدينة

- ‌وقد تضمنت الوثيقة بنودًا عدّة، منها:

- ‌1 - أنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

- ‌2 - أن يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين

- ‌3 - لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم

- ‌4 - إِلا من ظلم وأثم، فإِنّه لا يوتغ إِلا نفسه وأهل بيته

- ‌5 - أنّه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها

- ‌6 - وإنّه لا يأثم امرؤ بحليفه

- ‌7 - وإِن النصر للمظلوم

- ‌8 - وإِنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة

- ‌9 - وأنه لا يخرج أحد من اليهود إِلا بإِذن النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - كتابة عهد وميثاق ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌5 - تأسيس الجيش الإسلامي:

- ‌دروس وعبر:

- ‌أحداث السنة الأولى من الهجرة

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام حبر اليهود

- ‌2 - موت أسعد بن زُرارة نقيب بني النجّار

- ‌3 - مولد عبد الله بن الزبير بن العوام:

- ‌4 - بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها:

- ‌5 - زيادة ركعتين في صلاة الحضر:

- ‌6 - تشريع الأذان:

- ‌بعض التشريعات والأحداث في السنة الثانية للهجرة

- ‌1 - تحويل القبلة:

- ‌2 - فرض صيام شهر رمضان:

- ‌3 - فرض الزكاة ذات الأنصبة:

- ‌4 - وفاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزواج عثمان بأختيها أم كلثوم

- ‌5 - زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دورس وعبر:

- ‌الفصل الرابع: الجهاد النبوي(المرحلة الأول)

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الأولى)

- ‌السياسة النبوية تجاه قريش:

- ‌1 - السرايا والغزوات:

- ‌2 - عقد المعاهدات:

- ‌أهداف السرايا والغزوات:

- ‌السرايا والغزوات قبل غزوة بدر

- ‌أولًا: السرايا الأولى:

- ‌1 - سرية حمزة بن المطلب رضي الله عنه

- ‌2 - سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه

- ‌3 - سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌4 - سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه

- ‌ثانيًا: الغزوات:

- ‌2 - غزوة بُوَاط

- ‌3 - غزوة بدر الأولى

- ‌4 - غزوة العُشَيْرَة

- ‌دروس وعبر

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة أُحُد

- ‌دروس وعبر:

- ‌من آثار غزوة أحد:

- ‌ بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام

- ‌الأول: بعث الرجيع

- ‌الثاني: بعث بئر معونة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني النضير

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بدر الصغرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌وفي هذه الغزوة ظهر كيد المنافقين من خلال حدثين عظيمين:

- ‌الأول: إِثاوة العصبية الجاهلية والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الثاني: حديث الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة الأحزاب (الخندق)

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌صلح الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة خيبر

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الخامس: انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الثانية)

- ‌نشر الدعوة الإِسلامية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌دروس وعبر

- ‌فتح مكة المشرفة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة الطائف وحصارها

- ‌تقسيم غنائم حنين

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الوصول إلى تبوك:

- ‌بعث خالد إِلى دُومة الجندل:

- ‌مسجد الضرار:

- ‌استقبال المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أصناف الذين تخلفوا عن غزوة تبوك:

- ‌دروس وعبر:

- ‌عام الوفود

- ‌ومن أسباب كثرة الوفود في العام التاسع وما بعده:

- ‌نماذج من الوفود:

- ‌1 - وفد بني تميم

- ‌2 - وفد عبد القيس

- ‌3 - وقد ثقيف

- ‌4 - وفد بني حنيفة:

- ‌5 - وفد نجران

- ‌6 - وفد بني عامر بن صعصعة

- ‌7 - وفد طيء

- ‌8 - وفد دوس

- ‌9 - وفد الأشعريين من اليمن

- ‌10 - وفادة فروة بن مُسِيك المرادي

- ‌11 - جرير بن عبد الله البجلي

- ‌12 - وفد بَلِيّ

- ‌دروس وعبر:

- ‌حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌حجة الوداع

- ‌دروس وعبر:

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه وشمائله وخصائصه وزوجاته

- ‌مقدمات الوفاة:

- ‌مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأخيرة (سببها ومضمونها):

- ‌آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعده:

- ‌صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية وأخلاقه وشمائله:

- ‌أما أخلاقه

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌بيوته وأدواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌زوجاته صلى الله عليه وسلم الطاهرات رضي الله عنهن:

- ‌1 - خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها

- ‌2 - سودة بنت زمعة القرشية، العامرية رضي الله عنها

- ‌3 - عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية رضي الله عنها

- ‌4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خزيمة الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمه هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة رضي الله عنها

- ‌8 - جويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشية الأموية رضي الله عنها

- ‌10 - صفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإِسرائيلية رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة بنت الحارث الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌12 - مارية القبطية المصرية رضي الله عنها

- ‌الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

إِن دراسة السيرة النبوية ليست كدراسة سيرة بطل من الأبطال فحسب- وإن كان هو صلى الله عليه وسلم بطل الأبطال- فلا تُقْرأ وتتعلم لأجل المعرفة وإشباع رغبة حب الاستطلاع وزيادة الرصيد المعرفي فقط وإِنما تدرس لأهداف ومقاصد عظيمة نشير إِلى بعضها:

1 -

معرفة مقاصد الشريعة وأحوال المتعبدين

وذلك للبحث فيها عن الهدى والصراط المستقيم ومرضاة رب العالمين، لأن السيرة مصدر من مصادر التشريع ومنهج لحياة كل مسلم ومسلمة، ولابد أن يدرك القارئ للسيرة النبوية أهميتها التربوية والتشريعية والاجتماعية والإِدارية والسياسية، لأنها تطبيق عملي لنصوص الوحي في كافة مناحي الحياة ألإِنسانية.

2 -

تحصيل الدروس والعبر

إِن السيرة العطرة مليئة بالدروس والعبر التي لا يدركها إِلا من تعلمها بقصد الاتباع لصاحبها عليه الصلاة والسلام، والتربية على مقاصدها وعبرها، فهي مادة تربوية سلوكية تبني الشخصية السوية المتكاملة وتقوِّم السلوك المعوج.

ولذا فإِنه يجب على العلماء والمربين الاعتناء بدراسة السيرة النبوية، والحرص على ما صح من أخبارها حتى يحصل التأسي والمتابعة على الوجه الصحيح. وإِن المناهج التربوية والدعوات الإِصلاحية يجب أن تقتبس من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلتزم به اعتقادًا وسلوكًا ومنهج تفكير، وتأخذ من التجارب الناجحة ما لا يتعارض مع الأدلة الشرعية.

3 -

الاطلاع على مآثر جيل الصحابة وكيف تحققت لهم السيادة والريادة

السيرة النبوية معين لا ينضب وتراث لا يبلى لكل من رجع إِليها وتأدب بأدبها واقتبس من مشكاتها وقد فقه الصحابة رضي الله عنهم هذه المعاني في السيرة، وأدركوا أهميتها، فكانت مع القرآن الكريم هي منهج التربية للأجيال ومادة البناء الفكري والسلوكي،

ص: 13

ومحط الاهتمام والعناية. يقول علي بن الحسين زين العابدين (1): كنا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعلّم السورة من القرآن (2) وكان إِسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص يُحَفِّظ أبناءه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيَعُدّها عليهم، ويقول:"هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها"(3).

وبهذا المنهج العالي كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم، ثم التابعون، أرقى أجيال الأمة وأقواها علمًا وعملًا وأثرًا في واقع الحياة وبناء الحضارة، فكانوا قادة وسادة، معتزين بمنهجهم، مؤثرين في غيرهم غير متأثرين، فقد حققت السيرة النبوية للجيل الأُول السيادة والريادة في كل الميادين الخيرة النافعة، ونشروا العدل والأُمن والإِسلام في كل بلد وصلوا إِليه، وانتشر فيه نور الحق.

وقد تحققت السيادة والريادة للجيل الأول عندما صدق في التأسي والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فتمكن من التطبيق الواقعي لنصوص القرآن والسنة، ولا بد لاستئناف الحياة الإِسلامية الصحيحة من تمثل السيرة النبوية في الواقع المعاش على مختلف المستويات، وفي كل المواقع والنواحي، وأن تكون دراستنا للسيرة النبوية بهذه المعاني العميقة، والنظرة الشاملة، والفقه الواعي، حتى نصنع جيل النهضة، وثلة النصر، وقاعدة التمكين للأمة.

4 -

تحصيل القدوة والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

جعل الله في سيرته وتصرفاته صلى الله عليه وسلم تنوعًا وشمولًا لكل جانب من جوانب الحياة

(1) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان مع والده الحسين رضي الله عنه يوم قتل بكربلاء، شابًا، مريضًا، ولذلك لم يقتل، له ترجمة حافلة في الطبقات الكبرى (5/ 211) وقال: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا ورعًا، مات بالمدينة سنة 94 هـ ودفن بالبقيع.

(2)

ابن كثير، البداية والنهاية 3/ 242.

(3)

الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 195.

ص: 14

ومواقفها المتغيرة، لتكون مساحة الاقتداء والتأسي واسعة وشاملة لكافة القدرات البشرية بفروقها الفردية وسجاياها الفطرية.

فالرسول صلى الله عليه وسلم قدوة لكل المسلمين على مختلف عصورهم، وتعدد مواقعهم الجغرافية، وأحوالهم العلمية، ومراكزهم الإِدارية. قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (1).

قال الحافظ ابن كثير (2): هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمِر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من الله عز وجل، قال تعالى- للدَّين تقلقلوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا- في أمرهم يوم الأحزاب- {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟

ثم قال عز وجل مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة-:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (3) أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب، والمراد كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: قوله تعالى في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (4).

(1) سورة الأحزاب، آية 21 - 22.

(2)

تفسير القرآن العظيم 6/ 391.

(3)

سورة الأحزاب آية 22.

(4)

سورة البقرة آية (214).

ص: 15

فالآية الآمرة بالتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم نزلت بمناسبة غزوة الأحزاب حين رمى أهل الشرك والكفر المسلمين عن قوس واحدة وتحزبوا عليهم، حيث زلزلت النفوس وبلغت القلوب الحناجر، وكاد أن يهتز الاقتداء لتأخر النصر، فجاءت لتؤكد أن الاقتداء يكون في مواطن الشدة والصبر، والبأس والضيق، ومؤشرات فوت الحياة الدنيا كما يكون في اليسر، وتبين أن الارتباط بالآخرة هو سبيل الصمود والحماية من السقوط، فالاقتداء يكون في اليسر والعسر وعلى كل الأحوال.

وإِن قيمة الاقتداء وفائدته وعطاءه، وعظيم ثوابه إِنما يكون في العزائم والقضايا الكبيرة التي قد يُمتحن صاحبها في صدق إِيمانه وقوة يقينه، فتفوته بعض النتائج في الدنيا ويخسر المعركة، لكن الاقتداء يحميه ويحول بينه وبين السقوط، ويرتفع به من الوقوف عند النتائج القريبة إِلى إِبصار العواقب والمآلات، ذلك أن نقطة الارتكاز في الاقتداء هي رجاء اليوم الآخر، واستمرار ذكر الله الذي يُجَلِّي هذه الحقيقة ويؤكد حضورها واستمرارها (1).

5 -

التكامل والشمول في فهم النصوص الشرعية واحترام نصوصها الصحيحة الثابتة

لقد يسر الله لهذه السيرة من يقوم على حفظها والعناية بأدق تفاصيلها حتى كأنك تنظر إِلى صاحبها صلى الله عليه وسلم وأحواله رأي العين، والتاريخ شاهد على أنه لا توجد سيرة في الدنيا مثل سيرته صلى الله عليه وسلم من الوضوح والكمال والصدق.

يقول الأستاذ سليمان الندوي: إِن حياة العظيم الذي يجدر بالناس أن يتخذوا منها قدوة لهم في الحياة ينبغي أن تتوافر فيها أربع خصال:

(1) عمر عبيد حسنة، مقدمة السيرة النبوية قراءه لجوانب الحذر والحماية ص 31.

ص: 16

(1)

أن تكون تاريخية، أي أن التاريخ الصحيح الممحص يصدقها ويشهد لها.

(2)

أن تكون جامعة، أي محيطة بأطوار الحياة ومناحيها وجميع شؤونها.

(3)

أن تكون كاملة، أي متسلسلة لا ينقص فيها شيء من حلقات الحياة لذلك العظيم.

(4)

أن تكون عملية، أي أن الدعوة إِلى الفضائل والمبادئ والواجبات بعمل الداعي وأخلاقه لا بمجرد قوله، وأن يكون كل ما دعا إِليه بلسانه قد حققه بسيرته، وعمل به في حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية، وبهذا تكون أعماله مُثلًا عُليا للناس يتأسون بها (1).

6 -

اتخاذ السيرة النبوية منهجًا معياريًا

إِن السيرة النبوية ليست مجرد حوادث تاريخية تؤخذ منها العبر والعظات فحسب، وإِنما هي فوق هذا كله، تجسيد عملي للوحي الذي يُقتدى به، وهي منهج واضح يهتدى بهداه، وصراط مستقيم يُسلك ويُتبع، لأنها منهج معياري غير خاضع لحدود الزمان والمكان وإِنما تقاس إِليه الأعمال والمواقف، وتُعَاير عليه الاجتهادات والآراء وتوزن بميزانه الحق.

يقول الدكتور فاروق حمادة: السيرة النبوية تجسيد حي لتعاليم الإِسلام كما أرادها الله تعالى أن تطبق في عالم الواقع، فتعاليم الإِسلام لم تنزل لتحصر بين جدران المساجد وداخل أروقة بيوت العلم الشرعي وكلياته، بل تنزلت من الحكيم العليم لتكون سلوكًا إِنسانيًا ومنهجًا حياتيًا يعيشها الفرد المسلم في نفسه وشخصه، ويدركها في واقعه ومجتمعه، وَيَشِبُ عليها فتصبح جزءًا لا يتجزأ من كيانه، ويتصرف على هديها في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل موقف وشأن.

(1) سليمان الندوي، الرسالة المحمدية ص 68

ص: 17

فالمبدأ النظري يُرى ماثلًا قائمًا في شخص صاحبه، وهذا ما نجده في السيرة النبوية، حيث كان رسول صلى الله عليه وسلم يُجسِّد تعاليم الإِسلام كما أرادها الله تعالى أن تطبق في عالم الأحياء والبشر، وذلك في جميع أحواله وظروفه، نومًا ويقظة، سِلْمًا وحربًا، جِدًا ومداعبة، غَضَبًا ورضا، فردًا وجماعة (1).

وتظهر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم من خلال السيرة النبوية في الصورة المشرقة للإِنسان الذي يمارس إِنسانيته بكل أبعادها، ويتفاعل مع الواقع بكل معطياته. وندرك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم الإِنسان -بكل نوازع الإِنسان- قد تربع قمة التسامي الإِنساني وهو المثل الأعلى الحق للبشرية جميعًا. كما يدرك الدارس للسيرة النبوية التلازم والتطابق الذي لا ينفصم بين القول والعمل، والمبدأ والسلوك في شخصيته صلى الله عليه وسلم، فلا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، بل هو أول ملتزم ومطبق للأمر ولو كان وحده، ولقد اهتدى بهذه السيرة الكريمة العطرة واستدل بها على صدق نبوته ورسالته عدد غير قليل في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم من العظماء والكبراء، وآحاد الناس وعامتهم، ومنهم الجُلندَى ملك عُمان (2)، فقد قال لعمرو بن العاص عندما جاءه برسالة من النبي صلى الله عليه وسلم: والله لقد دلني على صدق هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إِلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إِلا كان أول تارك له، وأنه يَغلِبُ فلا يَبطر، ويُغلَب فلا يهجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي (3).

فهذه القمة الرفيعة من الإِنسانية في شخص محمد صلى الله عليه وسلم، والتي كانت تدرج على الأرض، وتسير في فجاجها، عندما تقدم للإِنسان على اختلاف زمانه ومكانه، ودينه

(1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها ص 20

(2)

الجلندي- بضم أوله وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال- ابن عبد جمل الأزدي ملك عمان زمن البعثة النبوية، وخلفه من بعده ابنه جيفر (انظر ترجمته في الإِصابة لابن حجر 1/ 538)

(3)

المصدر نفسه 1/ 538 ونسبه عن وثيمة في كتاب الردة عن ابن إسحاق.

ص: 18