الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إِسرائيل أشد المعالجة، فأرجع إِلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي (1).
ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرهم بما أراه الله من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، واستجراؤهم عليه.
وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلَّاه الله له حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته وهو ينظر إِليه (2).
وأخبرهم عن عِيْرِهم -أي قافلتهم- في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدُمُها، وكان الأمرُ كما قال، فلم يزدهم ذلك إِلَّا نفورًا، وأبى الظالمون إِلَّا كفورًا (3).
دروس وعبر:
1 -
لقد كانت حادثة الإِسراء والمعراج تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم مّما أصابه من فقد زوجه خديجة رضي الله عنها، وموت عمّه أبي طالب، وأذى المشركين له، وإِكرام من الله له ليريه من آياته الكبرى.
2 -
وقد كانت فتنة لبعض الناس، وعظُم تكذيب قريش له، ولم يتصورا قدرة الله وإِنما نظروا للأمر نظرة مادية، فقد كانوا يضربون أكباد الإِبل إلى بيت المقدس شهرًا، ويعودون منها شهرًا، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يذهب إِليها ويعود منها من ليلته!!. والذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الإِسراء واستبعدوا وقوعه غفلوا عن شيء
(1) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج ح (3887)
(2)
المصدر السابق ح 3886.
(3)
انظر: زاد المعاد (3/ 39).
مهم في الآية، فالله سبحانه وتعالى يقول:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} فالله هو الذي أسرى بعبده، ولم ينسب الرسول صلى الله عليه وسلم الإسراء إِلى نفسه، فالذي يكذب بالإسراء إِنما يطعن في قدرة الله سبحانه وتعالى (1).
3 -
قالت عائشة رضي الله عنها: (لمّا أُسْري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إلاقصى، أصبح يتحدّث الناس بذلك، فارتدّ ناس ممّن آمن، وسعوا إِلى أبي بكر، فقالوا: هل لك في صاحبك، يزعم أنّه أُسْريَ به الليلة إِلى بيت المقدس! قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: وتصدِّقه! قال: نعم، إِني لأصدِّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سُمِّي الصدِّيق)(2).
4 -
لقد كان إِخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم لقريشٍ عن حادثة الإِسراء والعراج شيئًا يعجز الإِنسان عن وصفه، فقد أبان النبيّ صلى الله عليه وسلم عن شجاعة نادرة، وقوة في الحقّ لا يخشى فيه أحدًا من الخلق.
5 -
لقد وقف صلى الله عليه وسلم بالحجر يخبرهم عن قصته بكل ثبات، وبكل ثقة، لا يبالي من صدّقه أو كذّبه، فهو يخبر بقضيّة عاشها بكل ذرّات جسده، عاشها بكل لحظاتها، فانطلق يصفها بكل تفاصيلها، وقد أكرمه الله برفع الحجب بينه وبين بيت القدس وجلاّه له ينظر إِليه ويصفه لهم.
6 -
في اختصاص الصلاة بتشريعها في العراج بيان لمكانتها، فهي عمود الإِسلام، وكونها شرعت في أول الأمر خمسين صلاة ثم خفضت إِلى خمس صلوات في
(1) القسطلاني، المواهب اللدنية 3/ 15، وانظر: فقه السيرة لزيد الزيد ص 251.
(2)
الذهبي، السيرة النبوية (1/ 202)، والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 62 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.