الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا لم يكن لهم في آخر عهدهم أثر في السياسة الدولية، لأنهم وحدات صغيرة متفرقه، بل خضعوا في بعض أطرافهم لنفوذ الدولتين الكبيرتين في ذلك الزمن: الفرس والروم، واستُعمِرت اليمن من قبل الأحباش، وبلغ الأمر بأبرهة الحبشي أن غزا الكعبة وأراد هدمها، ولم يستطع العرب مواجهته، لأنهم لم يجتمعوا له في جيش واحد، وإِنما واجهوه قبيلة قبيلة، فلم يصنعوا شيئًا، وكان غاية ما صنعه بعضهم أن أرسلوا مع أبرهة من يَدُلَّه على الطريق إِلى مكة كما فعل أبو رغال الطائفي الذي مات بالمغمس قرب مكة، وكرهه العرب لخيانته فصاروا يرجمون قبره.
وعندما أراد سيف بن ذي يزن التحرر من استعمار الأحباش لجأ إِلى سلطان الروم فلم يجبه، ثم لجأ إِلى كسرى فارس فأمده بعد جهد.
2 - الأحوال الدينية
أمم العرب القديمة وصَمَهم القرآن بالشرك وعبادة الأوثان ولهذا أهلكهم الله لما جاءتهم الرسل بالآيات فلم يؤمنوا، ونَجّى الله الرسل ومن استجاب لهم. وكذا الدول التي قامت في اليمن كانت وثنية يعبدون الكواكب والأصنام، وقد ذكر الله قصة سبأ وأنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله، وقد استجابت ملكتهم لسليمان عليه السلام وأسلمت لله رب العالمين، لكن قومها الذين بقوا على الشرك سَلّط الله عليهم سيل العرم فأهلك طائفة منهم، وطوائف هاجروا وتفرقوا في الأرض حتى ضُرِب بهم المثل فقيل: تفرقوا أيدي سبأ. وفي مكة المكرمة رفع إِبراهيم وابنه إِسماعيل القواعد من البيت وجعله مثابة للناس وآمنا، ودعا لأهله بالأمن والبركة وجباية الخيرات من كل مكان، فكانوا على التوحيد والحنيفية السمحة ملة أبينا إِبراهيم، ثم مع مرور الزمن ابتلوا بما ابتلى به غيرهم، فغيروا ملة إِبراهيم، وجاء عمرو بن لُحَيّ الخزاعي بالأصنام وأمر العرب بعبادتها، وانتشرت نتيجة لذلك بينهم عبادة الأصنام وبالغوا في ذلك كثيرًا.
روى البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العُطَاردي قال: كنا نعبدُ الحَجَر فإِذا وجدنا حجرًا هو أخْيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخَرَ، فإِذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثْوةً من تراب ثم جئنا بالشاةِ فحلبناه عَليهِ ثم طُفْنا به (1).
بل كان من العرب من يصنع الصّنم من عجوةِ التمرِ فإِذا جاعوا أكلوه.
ومن أصنام العرب المشهورة:
اللات: بالطائف، لثقيف.
العُزّى: بوادي نخلة شرق مكة، وهي لقريش.
مناة: في المشلل بقديد، وهي للاوس والخزرج.
هُبل: منصوب في جوف الكعبة.
إِسَافُ ونائلة: منصوبان على بئر زمزم.
وَدّ: في دُومة الجندل، وهو لبني كلب بن وبرة من قضاعة.
سُواع: في رهاط شمال شرق مكة، وهو لهذيل.
يغوث: في جُرَش قرب بيشة، وهو لبني مذحج.
يعوق: في اليمن، وهو لقبيلة هَمْدَان.
نَسْر: في أرض حمير، وهو لذي الكُلَاع.
ومن العرب من كان يعبد الجن، ويعبد الكواكب، فصارت الوثنية هي الغالب عليهم ويوجد بقايا على الحنيفية لكنهم أفراد قلائل. وبعض العرب تأثر بديانة الفرس المجوسية. أما اليهودية فقد انتشرت في اليمن، وفي شمال الجزيرة في يثرب، وخيبر، ووادي القرى، حيث وفد عليها قبائل من اليهود من فلسطين عندما حصل عليهم الاضطهاد من الغزاة الكلدانيين، ثم الرومان.
(1) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة ح 4376.
أما النصرانية فقد جاءت مع الأحباش، وانتشرت في بعض البلدان في اليمن، ونجران وغيرها، وكان لها وجود في شمال الجزيرة وشرقها.
واليهودية والنصرانية قد حُرِّفتا وبدلت كثير من أحكامهما فلم تعودا ديانتين صحيحتين، وقد بَّين الله تعالى في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى يحرفون الكلم عن مواضعه قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (1). وأنهم يكتمون الحق ويخفونه قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (2).
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: «.... وإن الله نظر إِلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلا بقايا
من أهل الكتاب» (4).
فالذين بقوا على الدين الحق الذي جاءت به الرسل أفراد قلائل وبقايا متفرقون في الأرض، كما يدل على ذلك قصة سلمان الفارسي وبحثه عن الحنيفية حتى قال آخر من صحبهم من القسس عند وفاته: لا أعلم أحدًا بقي على هذا الدين، ولكن أظلّ زمان رسول يبعث في أرض العرب، ومهاجره إِلى أرض ذات نخل بين حرتين، فجاء سلمان إِلى المدينة لأ جل هذا، وقول القسيس هو من البشارات ودلائل النبوة التي يعرفها أهل
(1) سورة البقرة، آية 79.
(2)
سورة البقرة، آية 146.
(3)
سورة المائدة، آية 15.
(4)
رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها من حديث عياض بن حمار المجاشعي ح 2865.