الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
إِحسان الظن بالله، قال صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام: لا يموتن أحدكم إِلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل (1)، وفائدة حسن الظن بالله عند الممات بينها النبي بقوله: يبعث كل عبد على ما مات عليه (2).
5 -
التحذير من التنافس في الدنيا والاقتتال عليها فإِن ذلك من أسباب الهلاك.
6 -
أوصى أن يصلي بالناس أبو بكر، فراجعته عائشة وقال: إِن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم:"إِنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس"، فصار أبو بكر يصلي بهم.
وفي فجر يوم الإِثنين الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر الحجرة ونظر إِليهم وهم صفوف خلف أبي بكر فتبسم يضحك، فهمّ الصحابة أن يفتتنوا من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إِلى الصلاة، فأشار النبي أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر (3)، فتوفي من يومه، وفي لفظ: فلم يُقْدَر عليه حتى مات.
وقد أعتق صلى الله عليه وسلم قبل وفاته غلمانه وتصدق بمال كان عنده، وجاءته ابنته فاطمة في يوم وفاته فحدثها سِرًا فبكت، ثم حدثها فضحكت، وعند سؤالها بعد ذلك قالت: إِنه أخبرها أنه يقبض من وجعه فبكت، ثم أخبرها أنها أول أهله لحاقًا به فضحكت (4).
اللحظات الأخيرة:
لما أخذه صلى الله عليه وسلم غشي الموت كان بجواره إِناء فيه ماء فكان يدخل يديه في الماء ويمسح بهما وجهه ويقول: لا إِله إِلا الله إِن للموت سكرات (5).
(1) صحيح مسلم ح (2877).
(2)
صحيح مسلم ح (2878).
(3)
صحيح البخاري ح (4448).
(4)
صحيح البخاري ح (4433 - 4434).
(5)
صحيح البخاري ح 4449.
ثم ثَقُل واشتدّ وجعه حتى لم يستطع النطق، فدخل عليه أسامة بن زيد فكان يدعو له بالإِشارة (1).
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك فنظر إِليه فأخذته عائشة وأصلحته فاستاك به، ثم رفع يده وبصره وشخص ببصره نحو السقف، وتحركت شفتاه. فكان يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، فكان آخر ما قاله: اللهم بالرفيق الأعلى ثلاثًا (2).
ووصل الخبر إِلى الصحابة بالمسجد وفيهم عمر بن الخطاب، فكان ذلك صدمة شديدة تأبى النفوس المحبة أن تصدقها، ولذا وقف رضي الله عنه يقول: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكن ربه أرسل إِليه كما أرسل إِلى موسى فمكث عن قومه أربعين ليلة، والله إِني لأرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون -أو قال يقولون- إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات (3).
وكان أبو بكر رضي الله عنه قد خرج من بعد صلاة الفجر إِلى زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاري في ضاحية السِّنح، ووصله الخبر بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسرع إِلى المدينة ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه وقَبّله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد مُتّها (4). ثم خرج إِلى الناس في المسجد وهم بين منكر ومصدق، لهول وعظم المصيبة، ورأى عمر يتحدث فطلب منه أن يجلس فأبى، فبدأ أبو بكر بالحديث فالتفت الناس إِليه. فقال: أما بعد:
(1) المصدر نفسه ح 4436.
(2)
صحيح البخاري ح 4438، 4440.
(3)
رواه أحمد، وابن سعد 2/ 296، وعبد الرزاق، المصنف 5/ 433 - 434 بإسناد صحيح.
(4)
صحيح البخاري، كتاب المغازي ح 4452، 4453.
من كان منكم يعبد محمدًا فإِن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإِن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (1). فهدأ الناس وكأنهم لم يسمعوا الآية من قبل من هول الفاجعة.
قال عمر: والله ما هو إِلا أن سمعت أبا بكر تلاها فَعَقِرْت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إِلى الأرض حين سمعته تلاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات (2).
وكانت وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من هجرته صلى الله عليه وسلم، وعمره ثلاث وستون سنة، وفي يوم الثلاثاء اجتمع أهله لغسله ومنهم العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل، وقثم ابنا العباس، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن زيد، وأشرعوا معهم أوس بن خولى الأنصاري لخبرته. وغَسّلُوه في ثيابه، وكفنوه في ثياب بيض ثلاث سُحولية من قطن، ليس فيها قميص ولا عمامة.
وعندما أرادوا حفر قبره أرسل العباس إِلى أبي طلحة الأنصاري، وأبي عبيدة عامر ابن الجراح، وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة، وأبو طلحة يلحد لأهل المدينة، وقال العباس: اللهم خر لرسولك، فجاء أبو طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشاوروا أين يدفن؟ فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يقبر نبيٌّ إِلا حيث يموت"(3) فأخروا فراشه وحفروا تحته، وصلّى الناس عليه أرسالا يدخل قوم فيصلون ثم يخرجون ولا يؤمهم أحد. ثم دفن صلى الله عليه وسلم وتولّى إِنزاله في قبره علي، والفضل، وقثم، وشقران، وأوس بن خولى (4).
(1) سورة آل عمران، آية 144.
(2)
صحيح البخاري ح 4454.
(3)
رواه أحمد في المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3/ 55).
(4)
انظر: الصالحي، سبل الهدى والرشاد (12/ 336).