المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثمرات دراسة السيرة النبوية - صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر (صلى الله عليه وسلم)

[محمد بن صامل السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌تعريف السيرة النبوية

- ‌السيرة لغة

- ‌السيرة اصطلاحًا

- ‌أهداف ومقاصد دراسة السيرة النبوية

- ‌النطاق الزماني للسيرة النبوية

- ‌النطاق المكاني للسيرة النبوية

- ‌عالمية الرسالة المحمدية

- ‌مصادر السيرة

- ‌1 - القرآن الكريم

- ‌2 - كتب السنة النبوية وشروحها

- ‌3 - كتب السيرة المختصة

- ‌4 - كتب الدلائل والشمائل المحمدية

- ‌5 - كتب تراجم الصحابة

- ‌6 - كتب التاريخ العام المدونة على الحوليات أو على الموضوعات

- ‌7 - كتب تاريخ الحرمين الشريفين

- ‌8 - كتب الأدب والشعر العربي

- ‌أقسام السيرة النبوية

- ‌القسم الأول: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

- ‌القسم الثاني: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من البعثة إِلى الهجرة

- ‌القسم الثالث: تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم من الهجرة حتى الوفاة

- ‌والسيرة النبوية بالنظر إِلى موضوعاتها ثلاثة أنواع:

- ‌النوع الأول: الشمائل والأخلاق النبوية

- ‌النوع الثاني: دلائل النبوة والمعجزات

- ‌فوائد معرفة الدلائل:

- ‌النوع الثالث: السير والمغازي

- ‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

- ‌جغرافية بلاد العرب

- ‌مكانة مكة المشرفة وحرمتها

- ‌أصول العرب وقبائلهم

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى قصي

- ‌شجرة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مضر

- ‌أحوال العرب قبل البعثة النبوية

- ‌1 - الأحوال السياسية

- ‌2 - الأحوال الدينية

- ‌3 - الأحوال الاجتماعية والأخلاقية

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده إلى بعثته

- ‌نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌أسرته صلى الله عليه وسلم

- ‌ شرف عبد المطلب في قومه

- ‌الأول: حفر بئر زمزم

- ‌الثاني: حادثة الفيل

- ‌الثالث: نذر عبد المطلب

- ‌دروس وعبر:

- ‌مولده ورضاعة صلى الله عليه وسلم:

- ‌حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم:

- ‌وفاة أمّه وَجَدّه صلى الله عليه وسلم:

- ‌كفالة عمه أبي طالب:

- ‌دروس وعبر:

- ‌حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من أوضار الجاهلية

- ‌مشاركاته صلى الله عليه وسلم في الأعمال العامة

- ‌1 - حرب الفجار:

- ‌2 - حلف الفضول:

- ‌3 - بناء الكعبة المشرفة:

- ‌حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة

- ‌دروس وعبر:

- ‌إرهاصات النبوة وبشائر الخير

- ‌1 - بشارات الأنبياء السابقين به:

- ‌2 - إِخبار اليهود عن بعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - تسليم الحجر عليه بالنبوة قبل البعثة:

- ‌4 - إخبار الكهان والجان ببعثته صلى الله عليه وسلم:

- ‌5 - الرؤيا الصادقة:

- ‌6 - حادثة شق الصدر:

- ‌الفصل الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلي الهجرة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الهجرة

- ‌أول نزول القرآن في شهر رمضان:

- ‌شدة الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت خديجة له:

- ‌فترة الوحي:

- ‌الدعوة السرية:

- ‌الدعوة الجهرية:

- ‌ما لقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين:

- ‌شدة طغيان كفار قريش:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الهجرة إلى الحبشة وأسبابها

- ‌إِسلام حمزة رضي الله عنه:

- ‌إِسلام عمر رضي الله عنه:

- ‌صحيفة المقاطعة:

- ‌موت أبي طالب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌موت خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌دروس وعبر:

- ‌خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف

- ‌استماع الجنّ لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌دروس وعبر:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌دروس وعبر:

- ‌انشقاق القمر

- ‌تعرضُه صلى الله عليه وسلم للقبائل في المواسم

- ‌حديث سويد بن الصامت وإِسلام إِياس بن معاذ:

- ‌بدء إسلام الأنصار:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الثالث: الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة وترتيب أوضاع المدينة النبوية

- ‌الهجرة إِلى المدينة النبوية:

- ‌وكان من أسباب الهجرة

- ‌هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌في خيمة أمّ معبد:

- ‌دروس وعبر:

- ‌دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة:

- ‌استقراره عليه الصلاة والسلام بالدينة:

- ‌تنظيم المجتمع وبناء المؤسسات

- ‌1 - بناء المسجد:

- ‌2 - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌3 - موادعة اليهود في المدينة

- ‌وقد تضمنت الوثيقة بنودًا عدّة، منها:

- ‌1 - أنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

- ‌2 - أن يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين

- ‌3 - لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم

- ‌4 - إِلا من ظلم وأثم، فإِنّه لا يوتغ إِلا نفسه وأهل بيته

- ‌5 - أنّه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها

- ‌6 - وإنّه لا يأثم امرؤ بحليفه

- ‌7 - وإِن النصر للمظلوم

- ‌8 - وإِنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة

- ‌9 - وأنه لا يخرج أحد من اليهود إِلا بإِذن النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - كتابة عهد وميثاق ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌5 - تأسيس الجيش الإسلامي:

- ‌دروس وعبر:

- ‌أحداث السنة الأولى من الهجرة

- ‌1 - إسلام عبد الله بن سلام حبر اليهود

- ‌2 - موت أسعد بن زُرارة نقيب بني النجّار

- ‌3 - مولد عبد الله بن الزبير بن العوام:

- ‌4 - بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها:

- ‌5 - زيادة ركعتين في صلاة الحضر:

- ‌6 - تشريع الأذان:

- ‌بعض التشريعات والأحداث في السنة الثانية للهجرة

- ‌1 - تحويل القبلة:

- ‌2 - فرض صيام شهر رمضان:

- ‌3 - فرض الزكاة ذات الأنصبة:

- ‌4 - وفاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزواج عثمان بأختيها أم كلثوم

- ‌5 - زواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دورس وعبر:

- ‌الفصل الرابع: الجهاد النبوي(المرحلة الأول)

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الأولى)

- ‌السياسة النبوية تجاه قريش:

- ‌1 - السرايا والغزوات:

- ‌2 - عقد المعاهدات:

- ‌أهداف السرايا والغزوات:

- ‌السرايا والغزوات قبل غزوة بدر

- ‌أولًا: السرايا الأولى:

- ‌1 - سرية حمزة بن المطلب رضي الله عنه

- ‌2 - سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه

- ‌3 - سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌4 - سرية عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه

- ‌ثانيًا: الغزوات:

- ‌2 - غزوة بُوَاط

- ‌3 - غزوة بدر الأولى

- ‌4 - غزوة العُشَيْرَة

- ‌دروس وعبر

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة أُحُد

- ‌دروس وعبر:

- ‌من آثار غزوة أحد:

- ‌ بعثين للدعوة إِلى الله ونشر الإِسلام

- ‌الأول: بعث الرجيع

- ‌الثاني: بعث بئر معونة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني النضير

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بدر الصغرى

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌وفي هذه الغزوة ظهر كيد المنافقين من خلال حدثين عظيمين:

- ‌الأول: إِثاوة العصبية الجاهلية والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الثاني: حديث الإفك على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة الأحزاب (الخندق)

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌صلح الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة خيبر

- ‌دروس وعبر:

- ‌الفصل الخامس: انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجا

- ‌الجهاد النبوي (المرحلة الثانية)

- ‌نشر الدعوة الإِسلامية:

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌دروس وعبر

- ‌فتح مكة المشرفة

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة حنين

- ‌غزوة الطائف وحصارها

- ‌تقسيم غنائم حنين

- ‌دروس وعبر:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الوصول إلى تبوك:

- ‌بعث خالد إِلى دُومة الجندل:

- ‌مسجد الضرار:

- ‌استقبال المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أصناف الذين تخلفوا عن غزوة تبوك:

- ‌دروس وعبر:

- ‌عام الوفود

- ‌ومن أسباب كثرة الوفود في العام التاسع وما بعده:

- ‌نماذج من الوفود:

- ‌1 - وفد بني تميم

- ‌2 - وفد عبد القيس

- ‌3 - وقد ثقيف

- ‌4 - وفد بني حنيفة:

- ‌5 - وفد نجران

- ‌6 - وفد بني عامر بن صعصعة

- ‌7 - وفد طيء

- ‌8 - وفد دوس

- ‌9 - وفد الأشعريين من اليمن

- ‌10 - وفادة فروة بن مُسِيك المرادي

- ‌11 - جرير بن عبد الله البجلي

- ‌12 - وفد بَلِيّ

- ‌دروس وعبر:

- ‌حج أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌حجة الوداع

- ‌دروس وعبر:

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصاياه وشمائله وخصائصه وزوجاته

- ‌مقدمات الوفاة:

- ‌مرض النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأخيرة (سببها ومضمونها):

- ‌آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة لأحد

- ‌اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعده:

- ‌صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية وأخلاقه وشمائله:

- ‌أما أخلاقه

- ‌خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌بيوته وأدواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌زوجاته صلى الله عليه وسلم الطاهرات رضي الله عنهن:

- ‌1 - خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها

- ‌2 - سودة بنت زمعة القرشية، العامرية رضي الله عنها

- ‌3 - عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية رضي الله عنها

- ‌4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية رضي الله عنها

- ‌5 - زينب بنت خزيمة الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌6 - أم سلمه هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية رضي الله عنها

- ‌7 - زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة رضي الله عنها

- ‌8 - جويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها

- ‌9 - أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان القرشية الأموية رضي الله عنها

- ‌10 - صفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإِسرائيلية رضي الله عنها

- ‌11 - ميمونة بنت الحارث الهلالية من هوازن رضي الله عنها

- ‌12 - مارية القبطية المصرية رضي الله عنها

- ‌الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

‌النوع الثالث: السير والمغازي

والمقصود بها تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهاده في نشر الدعوة في العهدين المكي والمدني، ويدخل في هذا النوع تعاملاته المختلفة مع أهله، ومع أصحابه، ومع غير المسلمين، وما يقع من الصحابة بين يديه أو يبلغه فيقرهم عليه أو يعدل لهم فيه، وسيأتي تفصيل ذلك في فصول الكتاب.

‌ثمرات دراسة السيرة النبوية

الأهداف والمقاصد التي ذكرنا بعضها -فيما مضى- ينبغي أن تراعى في المنهج التعليمي، وأن يجعلها المعلمون والمربون نصب أعينهم في تدريسهم وتعاملهم مع طلابهم، وعلى أساس تلك الأهداف والمقاصد تُبنى الشخصية المتكاملة للفرد المسلم والجيل كُلّه كما كان في عهد النبوة والقرون المفضلة، ومن المقرر عند أهل العلم أنه لن يَصْلُح آخر هذه الأمة إِلا بما صَلُح به أولها، والمنهج الذي أخرج خير الأجيال وأعلاها وأكملها، حقيق بالاتباع والاهتمام والاعتماد عليه في مناهجنا التعليمية والفكرية، وفي بناء الأمة الاجتماعي والسياسي والإِداري.

والثمرات التي يجنيها الدارس من دراسته للسيرة النبوية كثيرة وواسعة وغير محصورة لكن نذكر بعضها:

1 -

تحقيق شطر الشهادة التي هي الركن الأعظم من أركان الإِسلام: وذلك بتحقيق توحيد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فإِن الشهادة بأن محمدًا رسول الله تستلزم أربعة أمور كما قرر أهل العلم (1).

أ- تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن الله وصفات كماله ونعوت جلاله وأسمائه وصفاته،

(1) انظر: الأصول الثلاثة، للشيخ محمَّد بن عبد الوهاب، ص 14.

ص: 40

وعن أوامره ونواهيه، وعن جزاء المتقين المستجيبين في جنات النعيم، وما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر فيها لعباده المؤمنين، وما ذكر عن عقوبة المكذبين المعرضين من العذاب الأليم، في نار تلظى، وجحيم مقيم تذوب فيه الجبال الراسيات، وغير ذلك من الأخبار عن الأمور الغيبية والحوادث المنتظرة وعن الملائكة والجن والشياطين.

ب- طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر، بالاستجابة لأمره، والانقياد له وتنفيذ ذلك في واقع الحياة بمختلف صورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وعدم التقدم بين يديه، وتقديره والتحاكم إِلى شرعه، والرضا به، والتسليم التام له، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1). وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3). وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (4).

ج- اجتناب ما نهى عنه وزجر، فكل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب اجتنابه والبعد عنه وعن الأسباب والوسائل المفضية إِليه، فإِن الوسائل لها حكم المقاصد، وأعظم ما نهى عنه هو الشرك بكل صوره وأنواعه، فهو أخطر الذنوب وأعظمها وهو أعظم الظلم قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (5)

وقد قال عبد الله بن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» (6).

(1) سورة النساء، آية:64.

(2)

سورة النساء، آية:80.

(3)

سورة النساء، آية:59.

(4)

سورة الأحزاب، آية:71.

(5)

سورة لقمان، آية:13.

(6)

متفق عليه، البخاري، ح رقم: 7520 ومسلم، ح رقم:141.

ص: 41

وقال صلى الله عليه وسلم: «إما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» (1).

فاجتناب المناهي والمحرمات حتم على كل مكلف، وعلى المرء المسلم أن يجعل بينه وبين الحرام وقاية وحمى حتى لا يقع في شيء من محارم الله.

د- أن لا يُعبد الله إِلا بما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى طريقته ومنهجه، وهذا أصل في المتابعة والاقتداء، وضابط في العبادة المشروعة، فلا يزيد العبد على المشروع ولا ينقص، إِنما يتبع ولا يبتدع. قال صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (2). أي مردود على صاحبه وغير مقبول عند الله بل يعاقب فاعله ولا يثاب، لأنه شَرّع أمرًا ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرّب إِلى الله بأمر لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتدع في الدين بدعة حتى لو كان قصده حسنًا، فلا يكفي حسن النوايا بل لا بد من الدليل الشرعي، فإِن العبادة ليست بالهوى والرغبة والاستحسان العقلي إِنما هي بالاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم والاستمساك بالكتاب والسنة.

2 -

زيادة المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم

من ثمرات دراسة السيرة النبوية زيادة المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم المقتضية لزيادة الإِيمان والرغبة في المتابعة، والطاعة لأمره، واجتناب نهيه، وتوقيره واحترام أمره، والاهتداء بهديه، وترك البدع والخرافات التي أحدثها أهل الأهواء ومن لا علم لهم، مثل المغالاة في الإِطراء والتقديس المنهي عنه، الذي يلغي الطبيعة البشرية للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نهى صلى الله عليه وسلم -عن ذلك فقال:"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإِنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"(3).

(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة، ح رقم: 1338 -

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه، ح رقم 1718 من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه من ح عمر بن الخطاب، ح رقم:3445.

ص: 42

وهذا الغلو ترتب عليه كثير من المخاطر العقدية والتربوية، وأبعد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم عن مجال المتابعة والاقتداء، وأحل تلك المتابعة والأسوة في الشيوخ المربين الذين يسلكون هذا المسلك ويصورون في أذهان أتباعهم هذه الصور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكونوا هم بطرق خاصة ومجاهدات -كما يذكرون- الذين ينقلون الصورة ويتمثلونها، والأتباع يقتدون بهم.

إِن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم شخصية إِنسانية بشرية كمّلها الله بالوحي، وعصمها من الخطأ في إِبلاغ الرسالة عن الله، فهذه ميزته العظمى أنه رسول يوحى إِليه، وقد خضع في حمله وولادته ورضاعته وشبابه ومرضه ووفاته وسائر أحواله للسنن الفطرية والقوانين الطبيعية التي يخضع لها سائر البشر. فلقد كان حمله طبيعيًا استغرق مدة الحمل الطبيعية نفسها، كما كانت ولادته طبيعية كسائر الولادات، وعانى من فقد الأم والأب ككثير من البشر، وخضع لكفالة الأقارب، ولما بلغ من الشباب عمل في الأعمال الموجودة في مجتمعه كالرعي والتجارة، وتزوج وأنجب، وفقد الإِبن والبنت والزوجة والصديق، وتعرض للأذى والمرض والنصر والهزيمة، وجرح في الحرب، مما يمكن أن يحل بكل إِنسان (1).

إِن حقيقة المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم تستلزم سلوك طريقته وهديه، واتباع سنته وتطبيقها في واقع حياتنا وسلوكنا، محبة وتقديرًا وإِجلالًا وتعظيمًا، وتجريد التوحيد لله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن وسائل الشرك والحذر منها، وترك الغلو والاعتقاد في الأموات والمقبورين.

(1) عمر عبيد حسنه، مرجع سابق ص:70.

ص: 43

3 -

التعرف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة

من دراسة السيرة النبوية بمختلف مواقفها وصورها نتعلم المنهج الدعوي الذي سار عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل مع أخطاء الناس، وجفاء الأعراب، ومكايد الأعداء، ودسائس المنافقين، فقد كان رؤوفًا رحيمًا، وكان حريصًا على هداية الخلق إِلى الحق، وكان حكيمًا في معالجة المشكلات والمواقف المختلفة، وكان حليمًا يعذُر الجاهل حتى يتعلم، وبهذا المنهج وهذه الأخلاق استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِخراج الأمة الأمية من ظلمات الجهل والتعصب، والشتات والتفرق، إِلى نور الإِسلام، وهداية الرحمن، والترقي في ذلك حتى كانت خير أمة أخرج للناس. إِن الناظر في أحوال العرب في جاهليتهم وما فيهم من قسوة الطباع، وقوة العصبية، والتعلق بعبادة الأصنام وطاعة الجان والكهان، وتقديس التقاليد والعادات، وموروث الآباء والأجداد من غير تأمل ولا برهان، ليعجب كيف تحولت أخلاقها وتبدلت طباعها في وقت وجيز، فصارت أمة ذات علم وحضارة؛، وأخلاق سامية، وجهاد في سبيل الله لهداية الخلق جميعًا إِلى الهدى والنور، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلًا لقوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (1). قال عبد الله بن الزبير: -كما في صحيح البخاري (2) - أُمِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. أي يتجاوز عن أخطائهم وما لا ينبغي من أقوالهم وأفعالهم.

والوقائع الدالة على ذلك كثيرة جدًا:

منها قصة الأعرابي الذي جذب برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أثرت حاشية الرداء في

(1) سورة الأعراف، آية:199.

(2)

ح رقم: 4643.

ص: 44

صفحة عاتقه صلى الله عليه وسلم طالبًا منه أن يعطيه من مال الله، فكان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نظر إِليه بكل هدوء ثم تبسم في وجهه وأمر له بعطاء (1).

ومنها قصة الشاب الذي جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه. فزجروه قالوا: مَهْ، مَهْ، فقال صلى الله عليه وسلم: ادْنه فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أفتحبه لأمك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداءك- قال: ولا الناس يحبونه لأُمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداءك- قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك قال: لا والله -جعلني الله فداءك- قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداءك- قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحيه لخالتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداءك- قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحَصِّن فرجه، فلم يكتب بعد ذلك الفتى يلتفت إِلى شيء (2).

فقد ناقش النبي صلى الله عليه وسلم الشاب مناقشة عقلية منطقية وأحسن التصرف معه، ولم يزجره وينهره رغم الجرأة وسوء الأدب في طلبه، وتدرج معه في الخطاب حتى اقتنع وتبين له خطؤه في هذا الطلب.

ومنها قصة الأعرابي الذي بال في طائفة من المسجد النبوي فكان التصرف معه حكيمًا مراعيًا لعدد من المصالح الشرعية (3).

والمنهج النبوي في الدعوة مستمد من قول الله سبحانه وتعالى له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (4).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، ح رقم: 3149 ومسلم، ح رقم:128.

(2)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/ 256، 257 من طريقين بإِسناد صحيح من حديث أبي أمامه الباهلي.

(3)

صحيح مسلم، ح رقم:24.

(4)

سورة النحل، آية:125.

ص: 45

فمعالم المنهج النبوي في الدعوة من خلال الآية السابقة هي:

* الإِخلاص لله وابتغاء ثوابه والدعوة إِلى سبيله وحده لا سبيل غيره.

* العلم الشرعي بكل ما يدعو إِليه من عقائد وأحكام وآداب وهو الحكمة المأمور بها في الآية.

* التذكير بالله وصفاته ودلالات تلك الصفات والأسماء، وبعظمته ودقة خلقه وبديع صنعه، واستشعار رقابته وإِحاطته بالعبد، وبيان ثوابه وعقابه والدال عليه من الآية قوله:{وَالْمَوْعِظَةِ} .

* الرحمة والشفقة بالمدعوين والإِحسان إِليهم وإِلانة الكلام معهم حتى تكون

الموعظة والتذكير حسنة وإِحسانًا.

* استعمال الأسلوب الأمثل والمناسب لكل حالة، والمعبر عنه في الآية بالحكمة، والتي تعني وضع الشيء في موضعه، وهذا أحد معانيها.

4 -

التعرف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة والسلوك

من أهم معالم المنهج النبوي في العبادة والسلوك:

* إِخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق، والحث على لزوم السنة والجماعة، والحذر من البدع والمحدثات. وأنه إِذا عمل عملًا داوم عليه، وقال:(خير العمل ما داوم عليه صاحبه وإن قَلّ)(1).

* كثرة الذكر لله سبحانه وتعالى والمحافظة على الأذكار في كل أحواله، أذكار الصباح والمساء، والذكر عقب الصلاة، والذكر المطلق، والذكر في المناسبات، (عند دخول

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب القصد والمداومة على العمل ح رقم: 6464 ومسلم، ح رقم: 2818 من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 46

المنزل، وعند الخروج منه، وعند النوم، وعند دخول المسجد، وفي السفر، وعند ركوب الدابة

إِلخ). وكثرة الاستغفار والتوبة واللجوء إِلى الله، وكذا الصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن المعاشرة للناس ولأهله.

* الزهد في الدنيا، والزاهد هو الذي يجعل الدنيا في يده لا في قلبه، فينفق ما يحصله منها في طاعة الله، مما يجب عليه من النفقات، وفي سد حاجة المحتاجين، فإِن هذا الإنفاق هو الباقي للإِنسان، الذي يحسب في رصيده في الآخرة، فقد روت عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي إِلا كتفها. قال: «بقي كُلُها غير كَتِفِها» (1).

فهذا الحديث وأمثاله يبين حقيقة معنى الزهد، وأنه فعل إِيجابي تجاه النفس والمجتمع، وليس أمرًا سلبيًا- كما قد يفهم البعض- أو قعودا عن الكسب والعمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» (2).

وقد قال أهل العلم: إِن الزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة (3). أي والحرص على ما ينفعك في الآخرة.

* الورع، وهو: ترك ما تخشى عقوبته شي الآخرة. أي مما لم تتضح حرمته لكن فيه شبهة، أو في تركه صيانة للعرض، أما المحرم فمن الواجب تركه وليس من الورع فحسب، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه عرضه» (4). فالورع استبراء للدين والعرض.

(1) سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب رقم 33 ح رقم: 2470 وقال: حديث صحيح.

(2)

أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، برقم:1042.

(3)

انظر مجموع الفتاوى 10/ 615 وما بعدها.

(4)

صحيح البخاري، ح رقم: 52، 2051.

ص: 47

5 -

تنمية الولاء للنبي صلى الله عليه وسلم والبراءة من أعدائه في الماضي والحاضر

في دراسة السيرة النبوية والاطلاع على أحواله ومواقفه صلى الله عليه وسلم، وأحوال الصحابة رضي الله عنهم، ينمو الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ويزداد ويترسخ، ويترتب على هذا البراءة من الكفار والمشركين وكل أعداء الملة والدين في الماضي والحاضر، مع العدل والقسط وفق أحكام الشريعة. والولاء والبراء من أعظم العناصر التي تحافظ على هوية الأمة وتميزها، وهو حصن قوي يجب الاهتمام به حتى تضمن الأمة استقلال شخصيتها وتميزها.

والولاء والبراء عمل قلبي مؤثر في السلوك، ومنضبط بأحكام الشريعة، ويرتبط بالمحبة لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).

06 التعرف على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشعوب

من ثمرات دراسة السيرة النبوية التعرف على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشعوب، وإِزالة الظلم عنها، وإِخراجها من الظلمات وعبادة الطاغوت إِلى عدل الإِسلام ورحمته، وتحكيم شرعه الذي ضمن لهم العدل وتحقيق الإنسانية الحقة، وممارسة الإنسان لحقوقه الطبيعية الفطرية كما أراد له خالقه، فأتيحت له الحرية، وأزيلت من أمامه العوائق التي تمنعه من الاختيار الصحيح، فإِن الجهاد كما هو معلوم ليس لإِجبار الناس على اعتناق الإِسلام، وإِنما هو لإِزالة الموانع والحواجز والأنظمة التي تصد عن سبيل الله، ولا تتيح الحرية للناس ليختاروا لأنفسهم بعد تمعن وتأمل في دلائل التوحيد، وهم يرون أمام

(1) سورة المجادلة الآية: 22.

ص: 48

أعينهم النموذج المثالي مطبقًا في الواقع بكل نظافته وعدله واستقامته، فلا يكتفون بدعوتهم إِلى مُثُل ونظريات جميلة غير مطبقة في الواقع، وإِنما يدعونهم إِلى أمر بَيّن يشاهدون تطبيقه في الواقع.

إِنها فتوحات لتمكين الناس من رؤية الحق واقعًا معاشًا، ولذلك كانت الفتوحات الإِسلامية ذات طبيعة مستقرة لأنها مطابقة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فاستقبلتها النفوس السليمة بكل ترحاب وقبلتها، فالفتوحات الإِسلامية وجهاد النبي صلى الله عليه وسلم إِنقاذ للبشرية من ظلم بعضهم بعضًا، ومن جور الأديان المبتدعة والمحرفة إِلى رحمة الإِسلام وعدله، وسعة الدنيا والآخرة كما قال ربعي بن عامر أمام رستم:"إِن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إِلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إِلى عدل الإِسلام، ومن ضيق الدنيا إِلى سعة الدنيا والآخرة"(1).

7 -

بيان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين ومكائدهم

من ثمرات الدراسة للسيرة النبوية، التعرف على موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من النفاق والمنافقين، وكيف تجاوز مكائدهم الكثيرة حتى فضحهم الله، وعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيماهم ولحن قولهم، بل عَرّفه الله بأسمائهم، فأخذ المسلمون حِذرهم منهم، رغم ما أصاب بعضهم من آثار دسائسهم، بل حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصله أذاهم في أهله عندما جاء عصبة منهم بالإِفك، لكن جعل الله في ذلك خيرًا، ورفع درجة من ابتلى من المؤمنين بسببهم قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} (2).

(1) ابن جرير الطبري، تاريخ الأُمم والرسل 3/ 520.

(2)

سورة النور، آية: 11 وانظر تفصيل ذلك في مسند الإِمام أحمد 6/ 194 وصحيح البخاري ح رقم: 4750 وسيرة ابن هشام 2/ 267 وتفسير ابن كثير 6/ 19 - 26.

ص: 49

وهذا فيه درس للمؤمنين على مر الأزمان ليأخذوا حذرهم ويحتاطوا في أمرهم، ولا يقعوا في شيء من حبائلهم ودعاواهم التي يزخرفونها ويظهرون منها إِرادة الإِصلاح وهم في واقع أمرهم مفسدون مخادعون لله ولرسوله وما يخدعون إِلا أنفسهم وما يشعرون، كما قال تعالى في وصفهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (1).

8 -

الاطلاع على مواقف اليهود من الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم

من الثمرات المهمة، التعرف على مواقف اليهود من الرسالة والدعوة النبوية، فقد عاملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قُرب، وعقد معهم معاهدات ومواثيق، ولكنهم غلب عليهم طبعهم وحَلّت عليهم الشقاوة، فنقضوا العهد معه قبيلة تلو الأخرى، وحاق بهم نتيجة غدرهم، ومَكّن الله رسوله منهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضهم جزاء غدرهم وخيانتهم العظمى في ميدان القتال والمواجهة مع الأحزاب الكافرة، فكان ذلك حكم الله فيهم، وقضاءه العادل لشناعة فعلهم ومكرهم بالمؤمنين.

فأين المعتبرون؟ وكيف يوثق في يهود وهذا تاريخهم؟ وقد عَرّفنا الله من أخبارهم مع رسلهم مثل هذه المواقف الغادرة، والطرق الملتوية. وواقع التعامل معهم في قضية فلسطين يثبت هذا الخلق المتأصل في المحاربين منهم، وأنهم كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم.

قال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (2).

(1) سورة البقرة، الآيات: 8 - 10.

(2)

سورة البقرة، آية 100.

ص: 50

9 -

عدم اليأس والثقة بنصر الله لدينه ولأوليائه الصالحين

المطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسَيرِ دعوته، يلاحظ في أول الأمر شدة الضغوط التي واجهها صلى الله عليه وسلم ثم يرى بعد ذلك انتقالها من نصر إِلى نصر، وازدياد أتباع الدعوة من أهل مكة، ثم من النُّزاع من القبائل رغم الأذى الشديد والمواجهة القوية من المشركين، وتنويعهم الأساليب في محاربة الدعوة وأهلها، يدرك بكل يقين عناية الله وتوفيقه لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ونصرهم على عدوهم،، وهذا مما يقوي الثقة في نفوس المؤمنين في كل مكان وكل زمان، بأن العاقبة لهم والتمكين سيكون لدينه وحملته، فيجدُّوا ويجتهدوا ويثبتوا حتى يأتيهم النصر، وما يرونه من ظهور الكفار وسيطرتهم في فترة من فترات الزمن لن يكون وضعاً دائماً بل سيزول ويظهر أهل الحق، وهذا من أعظم العوامل على محاربة اليأس، والقيام بالواجب الشرعي حسب المقدرة والاستطاعة، والاجتهاد في ذلك، ومغالبة الكفار حتى يمتلك المسلمون زمام القوة وعُدّة النصر عليهم.

واعلم أن النصر من الله، وله شروط ومستلزمات لا بد من التحقق بها حتى يأتي نصر الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1).

وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2) فشرط التمكين والاستخلاف في الأرض وحصول الأمن وانتفاء الخوف هو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي هو الإِيمان والعمل الصالح المذكور في أول الآية.

(1) سورة محمَّد، آية 7.

(2)

سورة النور، آية 55.

ص: 51

10 -

التمسك بالدين والصبر على ما يلاقي المرء في طريق الدعوة لقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنوفًا من الأذى في سبيل الدعوة إِلى الله، وإِبلاغ ما أنزل إِليه من ربه، فقد اتهمه المشركون في عقله وسلوكه وهو بريء من ذلك، وأعداؤه يعرفون هذا، لكن الخصومة والمغالبة والاعتداء وصل بهم إِلى هذا الأمر، فقالوا عنه صلى الله عليه وسلم: إِنه مجنون، وشاعر، وساحر، وقالوا عن ما جاء به من الوحي والهدى أساطير:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (1).

وقالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (2). فرد الله عليهم كذبهم فقال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (3). لأنهم ادعوا أَن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بالقرآن من عند رجل نصراني كان يمتهن النجارة عند الصفا، وهو أعجمي وهذا القرآن لسان عربي مبين، فكيف يتفق أن يأتي الأعجمي الذي لا يعرف العربية بهذا القرآن العربي الفصيح؟! إِن هذا محال .. ولكن كما قيل: الخصومة حجاب ساتر عن إِدراك الحق. لقد واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أنواع الأذى في العهد المكي بالصبر (4)، وكذلك أصحابه صبروا على ما لا يُصبر عليه عادة، مع أنهم عرب، وعاشوا في بيئة تتصف بسرعة الغضب والانتقام، وتقدس الثأر. وحروب العرب وأيامها في الجاهلية غالبها كانت لأسباب تافهة كحرب البسوس، وحرب داحس والغبراء (5).

(1) سورة الفرقان، آية هـ.

(2)

سورة النحل، آية 103.

(3)

سورة النحل، آية 103. وانظر: تفسير ابن كثير 4/ 603 والسيرة النبوية لابن هشام 1/ 393.

(4)

ومع ذلك أخذ صلى الله عليه وسلم في البحث عن مخرج من الوضع الذي هو فيه فأذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، ثم أخذ يسعى في طلب النصرة من خارج مكة حتى وجد الأنصار، فهاجر، ثم شرع الله له الجهاد، فجاهد وردّ الأذى عن أصحابه. ولكن يبقى الصبر له قيمته وأثره، والجهاد محتاج للصبر، والعبادة محتاجة للصبر للقيام بمتطلباتها، وترك المعاصي والشهوات محتاج للصبر، فهو صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة.

(5)

انظر النويري، نهاية الأرب 15/ 396.

ص: 52

إِن الصبر قيمة خُلقيهَ مرتبطة بالإِيمان بالله واليوم الآخر، والإِيمان بأن ما يفوت الإِنسان في الدنيا يأتيه في الآخرة. ولهذا لما آمن الصحابة بمعاني الصبر هذه تحملوا الأذى، حتى إِن سمية أم عمار رضي الله عنهما وهي جارية ضعيفة لا يؤبه لها في مجتمع مكة، تصمد أمام الجبابرة ولا يفرحوا منها بكلمة تخدش في دينها حتى لاقت وجه الله شهيدة في سبيل الله. وبلال رضي الله عنه يعجزهم رغم ما صبُّوا عليه من الأذى، وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم أصابهم الأذى وصبروا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ناله الأذى الجسدي بعد الأذى المعنوي، فضُرِب، وحوصرِ، وأُخرِج من أرضه وأحب البلاد إليه مكة المكرمة، فصبر وضحّى بذلك حتى أظهره الله عليهم ومَكنه منهم يوم الفتح فما انتقم ولكن عفا وأكرم (1).

قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (2).

وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3).

وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (4).

(1) انظر: سيرة ابن هشام 2/ 402 - 426.

(2)

سورة العصر، الآيات: 1 - 3.

(3)

سورة الشورى، آية:43.

(4)

سورة آل عمران، آية:120.

ص: 53