الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقام بعد أن نضج واكتمل في مدينة بغداد حتى توفي سنة 310 هـ.
وكان محمد بن جرير كما وصفه المؤرخون: أحد الأئمة الأعلام، يحكم بقوله، ويرجع إليه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم مع التقدم والإمامة فيها ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا للقراءات عارفا بها، عارفا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن- عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها، وناسخها من منسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس والأمم وتاريخهم وأخبارهم.
وأما مؤلفاته فكثيرة وبالفوائد حافلة وغزيرة، أشهرها تأليفه في التاريخ وتأليفه في التفسير، حتى عد بحق شيخ المؤرخين وشيخ المفسرين.
طريقة الطبري في تفسيره:
كتاب «جامع البيان في تفسير القرآن» كاسمه كتاب جامع ومرجع واسع في هذا الفن، قد تعرض فيه مؤلفه لدراسة القرآن الكريم من جوانب متعددة من حيث اللغة والنحو والاشتقاق وغير ذلك ومن حيث الرواية والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين، والترجيح بينها، واستنباط الفوائد والأحكام، وبيان المذاهب والأدلة، حتى ليمكن أن يعتبر من مراجع التفسير بالرأي، لما اشتمل عليه من تلك الفنون، لكنه اعتبر من كتب التفسير بالمأثور لاعتنائه بالآثار عناية كبيرة.
وقد أجمع العلماء من الشرق والغرب على عظمة هذا الكتاب وأنه مرجع لا يستغني عنه باحث في التفسير.
يستهل ابن جرير كلامه على الآية أو الجملة من الآية بهذه العبارة:
«القول في تأويل قول الله تعالى
…
كذا وكذا
…
ثم بعد أن يذكر نص الآية أو الجملة يفسرها، ويستشهد لما يقول بشواهد اللغة والآثار، ويورد الأقوال وينقد ويناقش.
ومن أمثلة بحثه اللغوي تفسير كلمة (اسم) في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
حيث قال: «
…
وإنما معنى قوله «بسم الله» أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء، أو أقرأ بتسميتي الله
…
ثم قال:
فإن قال (أي معترض): فإن كان الأمر على ما وصفت فكيف قيل «بسم الله» وقد علمت أن الاسم اسم وأن التسمية مصدره (1). قيل: إن العرب قد تخرج المصادر مبهمة على أسماء مختلفة، كقولهم: أكرمت فلانا كرامة، وإنما بناء مصدر (أفعلت) إذا أخرج على فعله (الإفعال)، وكقولهم: أهنت فلانا هوانا، وكلمته كلاما. وبناء مصدر (فعّلت) التفعيل.
ومن ذلك قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عني
…
وبعد عطائك المائة الرتاعا
يريد إعطائك
…
إلى آخر ما أورده من الشواهد
…
ومن أمثلة بحثه الإعرابي ما يلي نصه من كلامه رحمه الله:
«القول في تأويل قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.
قال أبو جعفر: والقراء مجمعة على قراءة «غير» بجر الراء منها، والخفض يأتيها من وجهين:
أحدهما: أن يكون «غير» صفة «الذين» ونعتا لهم فتخفضها، إذ كان «الذين» خفضا، وهي لهم نعت وصفة.
وإنما جاز أن يكون غير نعتا ل «الذين» و «الذين» معرفة و «غير» نكرة لأن «الذين» بصلتها ليست بالمعرفة المؤقتة (2) كالأسماء التي هي أمارات بين الناس، مثل زيد وعمرو وما أشبه ذلك. وإنما هي كالنكرات المجهولات مثل الرجل، والبعير وما أشبه ذلك.
(1) المراد أن كلمة (اسم) ليست مصدرا وأنت فسرتها «بتسمية الله» والتسمية مصدر، فكيف تفسر الاسم بالمصدر.
(2)
أي المعينة وهي اسم العلم الشخصي.
والوجه الآخر من وجهي الخفض فيها: أن يكون «الذين» بمعنى المعرفة المؤقتة.
وإذا وجه إلى ذلك كانت «غير» مخفوضة لتكرير «الصراط» (1) الذي خفض «الذين» عليها، فكأنت قلت: صراط الذين أنعمت عليهم، صراط غير المغضوب عليهم.
وهذان التأويلان في غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وإن اختلفا في اختلاف معربيهما فإنهما يتقارب معناهما
…
» انتهى.
ومن أمثلة استشهاده بالمأثور أنه بعد أن فسر قوله صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بأنهم من ذكرهم الله في القرآن: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. استشهد بالآثار فقال:
«وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس وغيره:
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة قال حدثنا أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يقول: طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك.
حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال أخبرنا عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن ربيع قال صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: النبيون.
حدثني القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: المؤمنين
…
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال قال عبد الرحمن بن زيد في قول الله صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه» انتهى.
(1) يريد أن تكون (غير) بدلا كما سيتضح لك من تفسير الجملة على هذا الوجه.