الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدل على تفضيل الإخفات بالقراءة، لأنه شبهها بصدقة السّرّ، والسّرّ بها أفضل من الإعلان.
لكن يجاب عن هذا بأنه لا إشكال، ولا خلاف في الحقيقة، لأن المراد تفضيل قراءة السرّ لمن خاف على نفسه العجب أو الرياء، أو نحو ذلك، وتفضيل قراءة الجهر لمن أمن
ذلك.
تحسين الصوت بالقرآن:
وهذه سنة، أجمع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على سنية تحسين الصوت بالقرآن (1)، وأدلة ذلك من الأحاديث السابقة ظاهرة، وغيرها كثير، منها: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» أخرجه الأربعة إلا الترمذي وصححه البخاري (2).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وأخرجه البخاري عن أبي هريرة (3).
والمعنى تحسين الصوت عند القراءة، فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن، وبالتالي يزداد نفعه للقلوب لدى القارئ والسامع (4): كما هو معلوم مشاهد.
تلحين قراءة القرآن:
ذهب جمهور من الصحابة ومن بعدهم إلى استحباب تلحين القرآن، وهو
(1) التبيان: 98، والإتقان: 1: 302، انظر المجموع: 179، 181.
(2)
أبو داود (استحباب الترتيل): 2: 74، والنسائي:(تزيين القرآن بالصوت): 2: 179 - 180 وابن ماجة (حسن الصوت بالقرآن): 1: 426 وعلقه البخاري بصيغة الجزم في التوحيد: 9:
157، وهو حكم بصحته.
(3)
المسند: 1: 172، 175، 179، وأبو داود في الموضع السابق وابن ماجة: 1/ 424، والبخاري في التوحيد: (باب قول الله وأسروا قولكم
…
) 9: 153.
(4)
وليس معناها أن القرآن بحاجة إلى تزيين كما رأى بعض العلماء. انظر حاشية السندي على سنن النسائي: 2: 179.
مذهب الحنفية والشافعية، وذهب جماعة من السلف إلى منعه، وهو مذهب المالكية والحنبلية (1).
واستدل الجمهور بما سبق من الأحاديث في رفع الصوت وفي تحسينه، وهي صريحة في المراد، مثل قوله:«ما أذن الله لنبي يتغنّى بالقرآن» ، و «زينوا القرآن بأصواتكم» و «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» . وغير ذلك.
واستدل المانعون بأدلة من القرآن والسنة والعقل والقياس.
أما القرآن فقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ والتلحين باطل، لأنه يؤدي إلى تغيير الكلام.
واستدلوا من السنة بأحاديث فيها ضعف، ومنها ضعفه شديد جدا.
واستدلوا من القياس بأن التلحين يخرج الكلام عن أصله، ويزيد فيه المد ولو غير ممدود، ويجعل الحرف الواحد حروفا والمد مدودا، والألف ألفات، أو يقصر ما هو ممدود، وغير ذلك مما يحتاجه التطريب، وكل ذلك لا يجوز (2).
وأجابوا عن أدلة الجمهور بأن المراد بتغني النبي صلى الله عليه وسلم تحسين صوته ورفعه، لا التلحين، وأن معنى «يتغنى بالقرآن»: يستغن. وقالوا: حديث زينوا القرآن بأصواتهم، هذا على القلب، والمراد زينوا أصواتكم بالقرآن، لأن القرآن منبع الخبر والفضائل، فكيف نزينه.
وغير ذلك من أجوبة وتأويلات كثيرة، اخترنا أمثلها، لا نطيل بإيرادها (3).
ونرى أنه لا خلاف في الحقيقة فقد أراد المجوزون التلحين الذي لا يخرج
(1) كذلك عزا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 1: 10 - 11 وتفسير آيات الأحكام بإشراف فضيلة الأستاذ الشيخ محمد علي السائس: 4: 192 - 193. وكأنه اختصر بحث القرطبي قارنه بتفسير آيات الأحكام: 4: 192 - 196.
(2)
الجامع لأحكام القرآن: 1/ 16.
(3)
انظرها مفصلة في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي مع جمع أدلة الكل: 1/ 12 - 16.