الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع عشر رسم القرآن الكريم
هذا البحث يظهر لنا غاية حفظ الأمة لكتاب ربها، حتى في طريقة كتابته.
والمراد برسم القرآن هنا كيفية كتابة الحروف والكلمات في المصحف على الطريقة التي كتبت عليها في المصاحف التي أمر عثمان اللجنة الرباعية فكتبتها، ووزّعها على الأمصار. ويطلق عليه: رسم المصحف، ومرسوم الخطّ (1).
ويرجع هذا الرسم في الأصل إلى كتابة القرآن بإملاء النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب الوحي، فكتبوه حسبما يعرفون وبإشرافه صلى الله عليه وسلم واطلاعه عليه (2).
ومن هنا فإن جمهور العلماء ذهبوا إلى منع كتابة المصحف بما استحدث الناس من قواعد الاملاء، للمحافظة على نقل المصحف بالكتابة على الرسم نفسه الذي كتبه الصحابة واستمرت عليه الأمة (3)، وقد صرح الإمام أحمد فيه
(1) الإتقان ج 2 ص 166.
(2)
وليس منشأ الرسم هو تأثر المسلمين العاطفي بإجلال الخليفة الشهيد عثمان بن عفان كما تصوره بعض الكاتبين متأثرا بآراء استشراقية.
(3)
مناهل العرفان ج 1 ص 370.
بالتحريم فقال: «تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك» (1).
وسئل الإمام مالك: هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى.
قال الإمام أبو عمرو الداني: «ولا مخالف له من علماء الأمة» (2).
وهكذا اتخذت الأمة الإسلامية الرسم العثماني سنّة متبعة إلى عصرنا هذا، كما قال البيهقي في شعب الإيمان:«واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها» (3).
وكان ذلك للمبالغة في المحافظة والاحتياط على نص القرآن حتى في مسألة شكلية هي كيفية رسمه.
لكن العلماء استثنوا من ذلك نقط المصاحف وتشكيلها، لتمييز الحروف، والحركات فأجازوا ذلك بعد اختلاف في الصدر الأول عليه، وذلك لما اضطروا إلى ذلك لتلافي الاخطاء التي شاعت بسبب اختلاط العرب بالعجم.
وكان أول ما فعلوه من ذلك ضبط حركات الحروف، وقد رمزوا لذلك في بادئ الأمر بنقط على كيفية معينة، ثم تلا ذلك تمييز الحروف المعجمة عن غيرها.
وقد اختلفوا في أول من نقّط المصاحف، فقال المبرد: «أول من نقّط المصاحف أبو الأسود الدؤلي صاحب علي بن أبي طالب، وذكروا أن ابن سيرين التابعي كان له مصحف نقّطه له يحيى بن يعمر، وذكر الجاحظ في
(1) المقنع لأبي عمرو الداني ص 30 وانظر البرهان ج 1 ص 379.
(2)
المقنع ص 10 والبرهان الموضع السابق.
(3)
البرهان ج 1 ص 380.