الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجّال أخرجه مسلم، وفي رواية العشر الأواخر من سورة الكهف.
ومن ذلك الأحاديث الكثيرة المتضافرة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سور القرآن، وغير ذلك مما يصعب عده وإحصاؤه.
وأما ترتيب سور القرآن:
فقد وقع فيه خلاف بسبب وجود روايات فهم منها بعض العلماء أن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة.
لكن جماهير العلماء على أن ترتيب سور القرآن توقيفي، وليس باجتهاد من الصحابة، وإن كانوا اختلفوا هل كل ذلك الترتيب بتوقيف قولي صريح من النبي صلى الله عليه وسلم ينص على كل سورة أنها بعد سورة كذا، أو أن بعض هذا الترتيب قد استند فيه الصحابة إلى مستند فعلي من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مثلا.
وذهب ابن عطية وبعض العلماء إلى أن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم، كالسبع الطوال والحواميم والمفصّل، وأن بعض السور يمكن أن يكون فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
ولعل أقوى ما يستدل به لهذا الرأي حديث ابن عباس، قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموهما في السبع الطوال؟
فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول:«ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن
الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال» أخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان والحاكم.
وهو استدلال غير سديد سندا ومتنا.
أما السند فإن إسناد هذا الحديث ضعيف، فيه يزيد الفارسي وهو ضعيف ضعفه البخاري وغيره، وقالا تفرد به فلا يصلح للاحتجاج (1)، فضلا عن أن يكون مرجعا في قضية هامة كهذه.
وأما المتن: فإن الصحابة يقرءون القرآن ويتلقونه، فكيف لا يوجد عند أحد منهم علم بسورتين من القرآن الكريم.
يؤيد ما ذكرناه أيضا ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال:
سألت علي بن أبي طالب: لم لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟
قال: لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسيف».
وقال الإمام القشيري: والصحيح أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها فيها.
والأدلة على أن ترتيب السور كلها توقيفي كثيرة جدا من السنة نجد فيها ترتيب السور على وفق مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، نذكر منها:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: «إنهن من العتاق الأول، وهنّ من تلادي» ، أخرجه البخاري.
فذكر ابن مسعود السور نسقا كما استقر ترتيبها.
ومثله في البخاري أيضا، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين.
وعن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت مكان
(1) انظر التوسع في نقد السند. كتابنا الجامع المفصل في علوم القرآن يسر الله إخراجه.
التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل» أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو عبيد (1).
قال أبو جعفر النحاس: «وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأنه مؤلف من ذلك الوقت، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد، لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن، وفيه أيضا دليل على أن سورة الأنفال سورة على حدة، وليست من براءة» انتهى (2).
وعن سعيد بن خالد أنه قال: «قرأ صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة» أخرجه ابن أبي شيبة (3).
وعن أوس بن أبي أوس عن حذيفة الثقفي في حديث طويل قال فيه أوس: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟
فقالوا: ثلاث (4)، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصّل وحده» أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد (5).
وغير ذلك يضيق المجال عن حصره.
ويشهد لذلك من حيث الدراية والعقل واقع الترتيب وطريقته، وذلك من وجهين لا يشك الناظر فيهما أن الترتيب بين السور توقيفي: أي مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم:
الأول: مما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم، رتبت ولاء، وكذا
(1) من رواية سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن واثلة، وفي حديث سعيد لين، لكنه ورد من طريق آخر هو عمران القطان عن قتادة عند الطيالسي كما في البرهان ج 1 ص 244 و 258 فتقوى من هذه الناحية.
(2)
البرهان ج 1 ص 258 ونقله في الإتقان بتصرف ج 1 ص 62.
(3)
الإتقان، الموضع السابق.
(4)
أي ثلاث سور: البقرة، وآل عمران، والنساء، وخمس سور بعدها وهكذا
…
حتى يختم في أسبوع، كما سبق في حديث عبد الله بن عمرو.
(5)
البرهان ج 1 ص 246 - 247 والإتقان 63.
الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاء، بل فصل بين سورها، وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس النمل مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء، وأخرت طس النمل عن طسم القصص (1).
وهكذا من يتدبر سائر السور يعلم أن ترتيبها توقيفي.
الثاني: ما راعاه العلماء الأئمة في بحوثهم من التزام بيان أوجه التناسب بين كل سورة وما قبلها، وبيان وجه ترتيبها.
ويدل الإجماع على ذلك أيضا، فإن الصحابة قد أجمعوا على هذا الترتيب وقرءوا به في صلواتهم، وفي المصاحف من غير مخالفة، ولو كان لدى بعضهم مستند لترتيبه على غير ذلك لتمسكوا به، لكنهم أجمعوا على التزام هذا الترتيب وترك ما سواه، ثم استمرت الأمة على ذلك من غير خلاف قط، فكان ذلك إجماعا على الترتيب الذي في مصحف عثمان، ووجوب التزامه مدى الأزمان (2).
(1) انظر الإتقان والبرهان.
(2)
وقد أخطأ من خالف هذا الترتيب في تفسيره للقرآن أو لجزء منه، وذلك لما يلي:
1 -
مخالفة الإجماع على ترتيب سور القرآن كما هي في المصحف.
2 -
الإخلال بمقاصد الوحي الإلهي من ترتيب القرآن، وما فيه من مناسبات حكيمة تتصل بمعاني القرآن وتدخل في إعجازه، فمهما خطر ببال أحدهم فحكمة الوحي أعلى وأسمى، وقد أحكم الحكيم العليم ترتيب كتابه آيات وسورا، كما أحكم ترتيب أطرافه، وقد افتتح القرآن بالمعارف الإلهية وأصول العقيدة في سورة الفاتحة، ثم قرر في البقرة عظمة القرآن ومقاصد هدايته ودعا إلى توحيد الله مستدلا بدلائل الخلق والآفاق وإلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والقرآن وتحدى العالم بمثل سورة منه، وذكر الجنة والنار، ثم أقام الحجج على المشركين وغيرهم
…
وهكذا فقد عرّف القرآن الإنسان منذ بداية طرف المصحف الأول بمقام ربه وعظيم شأنه وأجال نظره في آياته التي تتجلى في مخلوقاته، وعرف نبوة رسوله وحقية كتابه، وصار بذلك أهلا لفهم التشريع متهيئا لقبوله، فأتاه حينئذ بالتشريع والأحكام.