الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي عشر التفسير في العصر الحديث
في مطالع القرن الرابع عشر الهجري المنصرم وفي ظل الاحتلال الأجنبي لكثير من البلاد الإسلامية أو أكثرها احتدم الصراع الفكري في البلاد الإسلامية وأثيرت شبهات وإشكالات حول مفاهيم القرآن الأساسية والعلوم التي اشتمل عليها، وكانت النزعة المادية الصرفة الملحدة متسلطة على المفكرين في أوربة مما جعل جملة هذه العوامل وغيرها يثير الجدل والشبهات، التي أثارت رجال العلم والفكر المسلمين للاضطلاع بمهمتهم تجاه هذا الواجب.
وكان من الطبيعي أن تتجه أنظار الجميع إلى القرآن: توجه المنحرفون إلحادا وتشكيكا، وتوجه العلماء إظهارا للحق وهداية القرآن، وتفسيرا صحيحا لآياته ولإعجازه (1).
لكن في ظل الانبهار والدهشة لتفوق الأجنبي جاءت بحوث عدد من العلماء والمفكرين الإسلاميين متأثرة بمناهج الأجانب ومفاهيمهم المادية البحتة، وظهر أثر ذلك واضحا في تفاسير عدد منهم مما يتعارض مع الأدلة ومناهج التفسير.
ومن ذلك إنكار بعضهم المعجزات الحسية وتأويل الآيات الواردة فيها تأويلا بعيدا متكلفا، مثل تأويل الإسراء على أنه كان بالمنام أو بالروح فقط،
(1) كما هو صريح مقصد الشيخ محمد عبده في «تفسير القرآن الحكيم» المشهور بتفسير المنار.
مصادما صريح الآية والأحاديث المتواترة.
كذلك إنكار خلق آدم وتأويل قصته، حتى فسّر بعضهم قوله تعالى:
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أن المراد خلق العرب من إسماعيل عليه السلام (1)، جاهلا أو متجاهلا إجماع المفسّرين، وأن العرب ليسوا كلهم من إسماعيل .. ؟!
ومن ذلك تأويل الملائكة بالخاصة في المخلوق «وهو- كما قال الشيخ محمد عبده- أن هذا النمو في النبات لم يكن إلا بروح خاص نفخه الله في البذرة فكانت به هذه الحياة المخصوصة، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان» .
وفسّر الناس كلامه ذلك بأنه أراد قوى الطبيعة، وانتشر في أوساط كثيرة آنذاك، وهو خطأ في العلم وفي الفهم أيضا، ولا ينسجم مع الإيمان بالوحي والنبوات (2).
وراح بعضهم يفسر الآيات القرآنية على أي شيء يسمعه من المكتشفات العلمية دون تثبت من صحة الاكتشاف فضلا عن فهم حقيقته وطبيعته، ودون تقيد بأصول علم التفسير التي لا يجوز الإخلال بها، حتى ظهر تفسير ضخم للقرآن كله هو:«الجواهر في تفسير القرآن» ، للشيخ طنطاوي جوهري يعجّ بالطامات في أمور العلم والجموح العجيب في تفسير القرآن، حتى نجده يفسر الآيات التي تذكر إحياء الموتى في سورة البقرة فيجعلها أصلا في علم تحضير الأرواح وأنه استخرج منها بزعمه، حتى يقول: «والمسلمون يؤمنون بها، حتى ظهر علم الأرواح بأمريكا أولا، ثم بسائر أوربة ثانيا
…
» (3)؟!!
(1) انظر ذلك في تفسير المراغي. في مطلع سورة النساء؟!
(2)
انظر كلام الشيخ محمد عبده مطولا بتمامه في تفسيره ج 1 ص 267 - 268. لكنه نفى أن يكون هذا هو مراده ص 270 - 273 وبيّن أن مراده هو «أنها قوى أو أرواح منبثة فيما حولك وما بين يديك وما خلفك وأن الله ذكرها لك بما يعرفها سلفك .. ؟!».
لكن يظل هذا التأويل غير مقبول، لمخالفته أوصاف الملائكة وأعمالهم الواردة في الكتاب والسنّة.
(3)
تفسير الجواهر ج 1 ص 71 وما بعده.