الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسر جمهور المفسرين أَلَّا تَعُولُوا أن لا تميلوا إلى إحدى الزوجات.
وفسرها الشافعي بألا تكثر عيالكم، فشنّع الجصاص تبعا للمبرد على الشافعي هذا التفسير بأنه يخالف اللغة، لأنه لو كان هذا هو المراد لقال «ألّا تعيلوا» ، وشدّد في التشنيع
مما لا ينبغي أن يصدر عن مثله (1).
والحاصل أن هذا التفسير- على ما انتقدناه به- فإنه تفسير جليل وعميق، ومفيد جدا لطالب العلم في تعميق ملكة التفقه في كتاب الله تعالى.
2 - الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي:
مؤلف الكتاب:
هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، نشأ في قرطبة ثم رحل منها إلى المشرق واستقر بمنية ابن خصيب شمالي أسيوط، وتوفي فيها سنة 671 هـ.
كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين. الزاهدين في الدنيا، المشغولين بالآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف. وبلغ من زهده أنه اطّرح التكلف وصار يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية.
أخرج كتبا كثيرة انتفع الناس بها، منها كتابه التفسير الذي نتكلم عنه، والتذكار في أفضل الأذكار، والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، وهي مطبوعة، وله كتب غير ذلك مفيدة (2).
طريقة هذا التفسير:
اسم هذا التفسير هو (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمّن من السنّة وآي الفرقان)، واشتهر بتفسير القرطبي، وهو من أجل كتب التفسير وأعظمها
(1) وتابعه على ذلك أبو بكر ابن العربي أيضا في كتابه «أحكام القرآن» ج 1 ص 131.
وقد انتقده القرطبي في تفسيره ببيان واسع ج 2 ص 322.
(2)
نفح الطيب للمقري ج 1 ص 428 ومقدمة تفسير القرطبي.
نفعا. بيّن مؤلفه في مقدمته طريقته فيه وتتخلص بما يلي:
العناية بالرواية وتخريج الأحاديث، وبيان جوانب اللغة والإعراب، وذكر القراءات، وبيان الناسخ والمنسوخ وإسقاط القصص والتواريخ، والتعويض عنها بالأحكام المستنبطة، وذكر أدلة الأئمة، ثم الإدلاء برأيه بغاية الهدوء والموضوعية.
ويمتاز هذا التفسير بمزايا هامة، منها: وضوح عبارته وسهولته، ومنها حسن ترتيبه، فهو يقسم الأفكار ويجعل كل فكرة مسألة، ويصدر تفسير الآية بهذه العبارة: قوله تعالى كذا
…
فيه سبع عشرة مسألة مثلا، المسألة الأولى .. وهكذا .. ما يساعد القارئ على ترتيب أفكاره وحسن الفهم.
ومنها اعتناؤه بعلوم اللغة في دلالة الكلمة واشتقاقها ووجوه الإعراب وفائدتها في المعنى. ومنها أنه عني بالاستنباط من كل القرآن فاستنبط أحكاما من آيات ليست مما يورده أصحاب تفسير أحكام القرآن.
ومن أمثلة طريقته في الجانب الفقهي الذي نتكلم عنه هنا:
قوله تعالى في آية الوضوء: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ: قال رحمه الله (1):
فقد رجح مذهب غير المالكية أنه لا يجب الدلك في الغسل، واستدل بأن الغمس في الماء يسمى غسلا، وبالتالي فإن المطلوب حصول ما يسمى غسلا، وهو معنى قوله:«لا يعتبر في ذلك غير حصول الإسم» أي لا يجب إلا
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 6 ص 83. وانظر تفسيره آية النساء ج 5 ص 209.
حصول ما يسمى في اللغة غسلا، فإذا حصل- أي ما يسمى غسلا- كفى لأداء الواجب. وهو إنصاف واضح واعتماد دقيق على أصول فن التفسير وتطبيقها.
ولاعتناء القرطبي بالاستنباط نجده يلتفت لفوائد لا يذكرها غيره، ومن ذلك قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
…
قال القرطبي في الآية (1)«دليل على أنه- أي المهر- في مقابلة البضع، لأن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا. وقد اختلف العلماء في المعقود عليه في النكاح ما هو؟ بدن المرأة أو منفعة البضع أو الحلّ- أي حلّ الاستمتاع- ثلاثة أقوال، والظاهر المجموع، فإن العقد يقتضي كل ذلك» .
ومن غاية إنصاف القرطبي وسموّه رفضه النيل من أئمة الإسلام وإن وقع ذلك من بعض أعلام مذهبه، مما يعطي أهل العلم درسا في ذلك (2).
وهكذا جاء تفسير «الجامع لأحكام القرآن» جامعا كاسمه لفنون اللغة والعلوم التي يحتاج إليها المفسر مسبوكة بأسلوب واضح وترتيب جميل وتقسيم ميسر، مما جعل هذا التفسير من أجلّ كتب التفسير وأعظمها نفعا وأكثرها تداولا في هذا العصر.
(1) ج 5 ص 129. لكن قوله «إن المهر في مقابلة البضع
…
» غير مسلّم، لأن الاستمتاع مشترك بين الزوجين، وسمي المهر أجرا لتأكيد لزومه وإلا فهو عطية مبتدأه للمرأة، قال تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً أي عطية مبتدأة ليست في مقابل شيء.
(2)
انظر ما سبق ص 107 تعليقا.