الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الختامي حقوق القرآن على بني الإنسان
هكذا توصلنا بهذه الدراسة المحقّقة إلى علم اليقين بهذا القرآن وعظمته، فقد تيقنّا ألوهية مصدره وأنه تنزيل من حكيم حميد، على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وقد حفظ في صدور الأمة من أيامها الأولى ودوّن في السطور، ورتّب على وفق نسخته في الملأ الأعلى في اللوح المحفوظ، بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم.
واتضح لنا أيضا منهج تفسيره، وأنه قائم على أصول متينة هي أصول فهم كلام العرب لا يتخطاها، يؤيد هذا المنهج دراسات من أسباب النزول والمكي والمدني والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ
…
ثم وقفنا بالتالي خاشعين أمام إعجازه، وآمنا بجلال هذا الإعجاز، وشموله الأسلوب والمضمون، المبنى والمعنى، وأنه يتلاءم مع تجدد الأدب وتقدم العلم، في كل زمان ومكان، وزاد تلك النتائج ثبوتا ويقينا دلائل إعجاز القرآن في التصوير الفني، والكون، والقصة، ليتناول إعجاز القرآن الحاضر، وما قبله من الماضي، وما بعده من
المستقبل، كما قال عز وجل:
وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
إن هذه الحقائق لتقرر حق القرآن الواجب على بني الإنسان عامة وعلى المسلم خاصة، أن يقوموا به حق القيام بدأب واستمرار:
إن أول حق القرآن على العالم وعلى المسلم أن يؤمن بأنه كلام الله حقا، أنزله على قلب رسوله الصادق الأمين، معجزة بينة وبرهانا قاطعا، يثبت أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى العالم كله على مدى الزمان، وأنه خاتم النبيين، لقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً. وقوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.
وقوله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ.
وإنّ من حق القرآن أن نعظمه غاية التعظيم، إعظاما لقائله عز وجل، وإعظاما لما أتى به من بيانات الحق وفنون الإعجاز، وعرفانا لفضله على العالم، فلولا القرآن لما خرجت العرب من جاهليتها إلى نور العلم وإلى السيادة، ولما خرجت الإنسانية من دياجير الظلام إلى نور الحضارة والعرفان.
وإن من حق القرآن على كل إنسان عامة وعلى المسلم خاصة أن يتلوه حقّ تلاوته، ومن حق تلاوته قراءته حسب أصولها وإقامة حروفه، والخشوع لدى قراءته أو استماعه، وأن يستظهروه في حافظتهم، وسويداء قلوبهم.
وإن من حق القرآن على كل إنسان وعلى كل مسلم أن يتدارسوا القرآن حق درسه، ويتفهموه على أصول فهمه، ويدفعوا تأويل المحرّفين، ويرفضوا زيغ المغرضين في فهم معانيه، أو حقيّته ودعوته وتشريعه.
وإن من حق القرآن على كل مسلم وعلى كل إنسان أن يعنوا العناية كلّها بذوق الجمال في بلاغته وإعجاز بيانه، ويعتبروا بأمثاله وقصصه ومواعظه، ويغوصوا بفكرهم على درره، فإنه لا تفنى عجائبه.
وإن من حق القرآن على كل مسلم وعلى كل إنسان أن يتفهم علوم القرآن، ويقف مع أحكامه، فيصوغ منها حياته، ويترجمها سلوكا يعيشه، وخلقا وإنسانية يسمو بهما على كل مثل العالم.
وإن من حق القرآن على كل مسلم أن يبلغ دعوة الإيمان بالقرآن إلى
العالم امتثالا للواجب، وعملا بالفريضة: فريضة الدعوة إلى الله التي جاء بها كتاب الله، والتي حمّلها القرآن للمسلمين عامة وللعرب خاصة، وجعل بها عزّهم وشرفهم، واحترامهم في العالم:
قال عز وجل: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره-:
وفي هذا حث للمسلم أن يبذل ما يستطيع، ولو بخدمة آية من كتاب الله، فبالاستمرار يعظم الخير وتنتشر الهداية.
اللهم وفقنا لتلاوة كتابك حق تلاوته، وفهمه حق فهمه، والعمل به حق العمل، وخدمة الدعوة إليه، كما تحب وترضى.
وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، رحمة باقية خالدة، وهداية كاملة شاملة، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
كتبه نور الدين محمد عتر خادم القرآن وعلومه والحديث وعلومه في كليات الشريعة والآداب بجامعتي دمشق وحلب