الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيمة من مناقبه وفضائله الجمة رضي الله عنه، أثنوا عليها وأشادوا بها، لكونه أول من جمع القرآن، أي هذا الجمع العظيم الموثق، وحسبنا في ذلك ما ثبت عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:«أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله» (1).
جمع القرآن بنسخ المصاحف على عهد عثمان رضي الله عنه:
إن ما يميز السياسة الراشدية نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجلها المؤرخون قديما وحديثا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة ماضية آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت (2)، فقد استجد في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ما يوجب نشر هذا المصحف وتعميمه على الآفاق ليحقق الغاية التي جمع لأجلها واستغرق تلك الجهود والأوقات.
أخرج البخاري (3) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وآذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن
(1) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف. والمراد أنه أول من جمع كتاب الله الجمع الموثّق باطلاع جميع المسلمين عليه، لما علمنا بالأدلة القاطعة الثبوت أن الصحابة كان عندهم القرآن مكتوبا.
(2)
نذكر هنا بمواقف الصحابة من رواية الحديث لما برز قرن الفتنة وظهر الكذب وكيف واجهوا الموقف بأحكم الوسائل العلمية في المحافظة على الحديث النبوي، كما فصلناه في كتابنا منهج النقد في علوم الحديث ص 55 - 57 محققا بالأدلة الثابتة.
(3)
ج 6 ص 183 - 184.
الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا،
وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق».
فقد أفادت هذه الرواية فوائد لها أهميتها في فهم العمل الذي قام به عثمان بن عفان رضي الله عنه، عني العلماء ببحثها ودراستها:
وأول ذلك: السبب الدافع للعمل الذي قام به عثمان وهو اختلاف الناس في وجوه قراءة القرآن، حتى قرءوه بلغاتهم- كما قال ابن التين (1) - على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخت تلك الصحف في مصحف واحد مرتّبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش
…
».
وهذا يوضح لنا فرقا جوهريا بين عمل أبي بكر وعمل عثمان، وهو أن عمل أبي بكر كان جمع القرآن كله في نسخة معتمدة يشترك فيها الجميع لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعا في نسخة واحدة موثقة ذلك التوثيق، بل كان ما وجد من نسخ المصحف عند كتّاب الوحي على مسئوليتهم الخاصة.
وأما نوع الاختلاف الذي حدث بين الناس في القراءة فيلخصه لنا الإمام أبو بكر الباقلاني في الانتصار بأن عثمان «إنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل
…
خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد» (2).
(1) الإتقان ج 1 ص 60، وقارن بفتح الباري ج 9 ص 19.
(2)
البرهان ج 1 ص 235 - 236، والإتقان الموضع السابق.