الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع المكي والمدني
هذا الموضوع يدرس جوانب الظروف العامة التي أحاطت بنزول القرآن، وليس قاصرا على ما يدل عليه ظاهر العبارة من تقسيم القرآن إلى مكي نزل بمكة أو مدني نزل
بالمدينة، ومن هنا فإن هذا الموضوع يحتل أهمية كبيرة في دراسة بلاغة القرآن، لما يكشفه من توفر عميق لأصل البلاغة ومراعاة مقتضى الحال، إلى جانب توفر عنصر آخر من سمات إعجاز القرآن هو انعتاقه من قيود الزمان والمكان وانطلاقه من إسار البيئة الضيقة ليحلق في علياء الموضوعية التي يخاطب بها الإنسان في كل زمان، وفي أي مكان.
ضابط المكي والمدني:
تعددت طرائق علماء هذا الفن في كيفية التمييز بين القرآن المكي والقرآن المدني، على ثلاثة نماذج نوضحها فيما يلي:
المذهب الأول: أن القرآن المكي هو ما نزل قبل الهجرة، والقرآن المدني هو ما نزل بعد الهجرة.
وهذا هو أشهر الاصطلاحات في المكي والمدني (1)، ويمتاز بشمول تقسيمه جميع القرآن لا يخرج عنه شيء، حتى كان عموم قولهم في المدني:
«ما نزل بعد الهجرة» يشمل ما نزل بعد الهجرة في مكة نفسها في عام الفتح أو عام حجة الوداع، مثل آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ....
(1) كما ذكر السيوطي في الإتقان ج 1 ص 9.
كما يشمل ما نزل بعد الهجرة خارج المدينة في سفر من الأسفار أو غزوة من الغزوات.
روي عن يحيى بن سلام قال: «ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهو من المكي، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني» .
وهذا أثر هام ومفيد، يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحا (1).
المذهب الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة.
وهذا المذهب مكاني، قد تقيد بالتسمية المكانية، والتزم ظاهر التسمية، وإن كان شرّاحه أدخلوا في مكة ضواحيها، فاعتبروا من القرآن المكي ما نزل بمنى وعرفات والحديبية، ومن القرآن المدني ما نزل بأحد وسلع (2).
لذلك كان في هذا الضابط ثلمة هي وجود قسم ثالث هو واسطة بين القسمين، وهو ما نزل من القرآن في الأسفار، فإنه لا يعد مكيا ولا مدنيا
…
المذهب الثالث: أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة.
وفسّر بهذا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: «كل شيء نزل فيه: «يا أيها الناس» فهو بمكة، وكل شيء نزل فيه «يا أيها الذين آمنوا» «فهو بالمدينة» (3).
(1) كما قال السيوطي في الإتقان ج 1 ص 9.
(2)
المرجع السابق وزاد في ضواحي المدينة ذكر «بدر» ، وهو مستبعد لبعدها الشاسع عن المدينة.
(3)
أخرجه الحاكم عن ابن مسعود، ويشهد له ما ورد بمثله عن كثير من المفسرين وعن ابن عباس، أنظر البرهان ج 1 ص 189 - 190.