الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إنا نجد ما يدل على أن العمل في نسخ المصاحف ساهم فيه غير هؤلاء الأربعة المذكورين هنا، وقد أخرج ابن أبي داود من أربعة طرق عن محمد بن سيرين قال: «جمع عثمان اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، منهم أبيّ بن كعب
…
» (1).
وتوافينا روايات تفصيلية بأسماء صحابة آخرين سوى أعضاء اللجنة الرباعية ساهموا في نسخ المصاحف، حتى اجتمع من التتبع إحصاء أسماء تسعة نفر منهم، مما يقوي رواية الاثني عشر، ويشير إلى أن اللجنة الرباعية كانت هي الرئيسية، ورفدها في العمل خبراء، عملوا معها لكتابة المصاحف التي تكفي لحاجة المسلمين» (2).
شروط الكتابة في المصاحف العثمانية:
وأما القواعد التي اتبعوها في كتابة المصاحف، فكانت أصولا هامة سارت عليها الأمة من بعد، وقد صرّح الحديث بقاعدة هامة منها، وحدثتنا الروايات عن غيرها، فمن مهمات ذلك:
1 -
اختيار حرف قريش: لما جاء في الحديث: «وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا» .
وهذا لا يدل على إبطال بقية الأحرف السبعة، لما هو معلوم من قواعد رسم الصحف أنه غير مشكول ولا منقوط، وأنه لم تثبت فيه ألفات المد حسب قواعد في رسم الألف وعدمها، فمثلا «مالك» تكتب «ملك» و «الكتاب» تكتب «الكتب» .
ومن هنا كان لقراءة رسم المصحف طريقان: الموافقة للرسم المكتوب تحقيقا، والموافقة احتمالا وتقديرا.
(1) المصاحف ص 33 - 34 وانظر فتح الباري ج 9 ص 16.
(2)
قارن رأينا هذا بفتح الباري ج 9 ص 16 - 17، وفيه التتبع للزيادة على الأربعة.
وراجع للتوسع نكت الانتصار لنقل القرآن للصيرفي ص 367 وما بعد.
فقراءة «ملك يوم الدين» موافقة للرسم تحقيقا. وقراءة «مالك يوم الدين» موافقة له تقديرا.
لكن لا تجوز أي قراءة يحتملها الرسم إلا إذا ورد بها النقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقرر في ضابط القراءة الصحيحة، غاية الأمر هنا أن يكون الرسم موافقا للسان قريش تحقيقا، ولغيرهم تقديرا (1).
2 -
إذا لم يمكن استيعاب كل الأوجه كتب بعض المصاحف ببعض الأوجه، وكتب بعض آخر بأوجه أخرى مثل «ووصّى» ، «وأوصى» .
3 -
تجريد المصحف عن كل ما ليس قرآنا، حتى سرت هذه العبارة المأثورة التي تناقلها التابعون:«جرّدوا المصاحف» .
4 -
التثبت البالغ في الرسم، كما قال كثير بن أفلح أحد الكاتبين مع اللجنة الرباعية:«فكانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه» ، قال ابن سيرين:
«أظنه ليكتبوه على العرضة الأخيرة» (2).
وقد ورد نحو ذلك بأكثر من وجه.
وبهذا كان عمل عثمان بن عفان متكاملا في غاية الضبط والإتقان وقد حقق الهدف الذي قصد إليه من وراء هذا العمل من وجهين هما بيت القصيد:
آ- المحافظة على نص القرآن أن يدخل فيه ما ليس منه، أو أن يتعرض لأي تحريف، بسبب العوامل التي سبق ذكرها.
ب- اعتماد القراءات المتعددة المتواترة التي يمكن أن يقرأ بها القرآن، كما ذكرنا في قاعدة الرسم، وبذلك قضى عثمان رضي الله عنه على الخصام
(1) وأما رواية أنهم اختلفوا في التابوت فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد: التابوة، فرفع إلى عثمان فقال اكتبوه «التابوت» فإنه نزل بلسان قريش، فهذه الرواية في إسنادها كلام، رواها الزهري مرسلة، وتفرد بوصلها من هو ضعيف، وانظر فتح الباري ج 9 ص 17.
(2)
فتح الباري ج 9 ص 16.