الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فناسب خطابهم ب يا أَيُّهَا النَّاسُ كما أن محاورة أهل العناد تناسب حرف الردع كُلا، وكذلك التنويه بإعجاز القرآن لإفحام المنكرين، والاستفتاح بحروف الهجاء في أوائل السور، وقد وجد من ذلك قليل في القرآن المدني تبعا لاقتضاء الموضوعات المدنية التي كانت فترة بناء وكانت فترة مكة فترة تأسيس.
القرآن المكي من حيث الموضوع:
فمن سمات القرآن المكي الاعتناء بالموضوعات التالية الأساسية:
1 -
تقرير أصول العقائد الإيمانية، بدعوة الخلق إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، والإيمان باليوم الآخر وما يتبع ذلك من الجزاء والجنة والنار، وتقرير رسالة
النبي صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله، والإيمان بالملائكة عليهم السلام.
تأمل مثلا سورة القصص المكية ودعوتها لهذه الأصول، وانظر هذه الآيات التي تدعو إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده:
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1).
وتأمل هذه الآيات الخاتمة من سورة إبراهيم تعرض من مشاهد القيامة:
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ.
(1) سورة القصص، الآيات 69 - 73.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.
ويطمئن القلب إيمانا بالآخرة وهو يتفكر في مثل هذه الآيات من سورة ق:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ. وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ. وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (1).
وهكذا الحجة البالغة في مثل هذه الآيات الخاتمة من سورة القيامة:
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى.
2 -
الحملة على الشرك والوثنية، والإلحاد والدهرية، وإقامة الحجج والبراهين الدامغة على بطلان عقائدهم الزائغة، مستعينا بضرب الأمثال وأنواع البيانات، حتى كشف لهم سوأة عقائدهم وفضحها حتى جعل أصنامهم دون الذباب، تأمل هذه الآيات من سورة الحج أيضا:
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ. وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ. ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (2).
وتأمل قوله في سورة العنكبوت: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (3).
(1) سورة ق، الآيات 6 - 11.
(2)
سورة الحج، الآيات 73 - 75.
(3)
سورة العنكبوت، الآية 41.
ولما كان التقليد منبعا خطيرا من منابع الضلال، واحتج المشركون بما وجدوا عليه آباءهم، عني القرآن بتوسيع آفاق العقل والفكر وأمر بالتفكر وحض على النظر والتعقل، وسفّه أحلامهم وأحلام آبائهم، حتى جعل التقليد الأعمى للآباء عارا وشنارا، يعتبر به المعتبر، فضلا عن تقليد الأعداء فيما يبتكرونه في الفكر من الأزياء.
قال تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (1).
وقال تعالى: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ. وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ. قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ. قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (2).
3 -
الاستدلال بدلائل الأنفس والأكوان على عظمة الله تعالى وسلطانه، ووجوب طاعته والانقياد له، وتوحيده في ألوهيته وربوبيته، والإيمان بالقيامة والبعث بعد الموت.
حتى كانت في تلك الآيات دلائل إعجاز علمي، لما اشتملت عليه من حقائق الكون والإنسان والحياة، ونواميس خلقه تعالى وسنن تصريفه لأمور الأكوان.
انظر هذه الآيات من سورة لقمان وما فيها من سبق علمي:
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ
(1) سورة لقمان، الآية 21.
(2)
سورة الزخرف، الآيات 22 - 25.
إلى أن قال:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1).
وتأمل هذه الآيات من سورة الأنعام:
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (2).
4 -
اعتناء القرآن المكي بقصص الأنبياء مع أقوامهم، حتى كاد ذلك أن يكون علامة تميزه، إذ لم يوجد قصص الأنبياء في القرآن المدني إلا في سور قليلة، كقصة موسى وقومه في سورة البقرة والمائدة وهما مدنيتان، وقصة عيسى وموسى عليهما السلام في سورة آل عمران والصف وهما مدنيتان أيضا.
والحكمة في اعتناء القرآن المكي بقصص الأنبياء والأمم الغابرة ظاهرة جدا مما ذكرناه في حكم نزول القرآن منجما، وما كان لها من أثر عظيم في
(1) سورة لقمان، الآيات 20 - 27.
(2)
سورة الأنعام، الآيات 95 - 99.
تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومواساتهم فيما كان يصيبهم، وإنذار أعدائهم، وإثارة العبرة والعظة بقصص من سبقهم.
انظر على سبيل المثال القصص في سور الأعراف، يونس، هود وغيرها وغيرها
…
تجد فيها أبلغ المواعظ وأنفع العبر لتقرير سننه تعالى في إهلاك أهل الكفر والطغيان وانتصار أهل الإيمان والإحسان.
تأمل قوله تعالى في آخر قصة موسى مع فرعون في سورة غافر:
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ. وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ. وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى. قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ. إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
5 -
إن القرآن المكي شرح أصول الأخلاق، وقواعد عامة في الاجتماع مما لا يختلف فيه حال ولا عقل، لكونها من البدهيات الظاهرة والمقوّمات الأساسية لإنسانية الإنسان، واطمئنانه بالإيمان، كالصدق، والبرّ، والصلة، وبرّ الوالدين، وإكرام الجار، وطهارة القلب واللسان، وغير ذلك. وقد شرح القرآن تلك القيم ببيانه المعجز شرحا غرسها في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق، والظلم، ووأد البنات، والقتل والزنا.
انظر هذه الآيات بالوصايا العشر الأخلاقية والاجتماعية في سورة الإسراء:
وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً.